أحمد النجار يكتب عن الصندوق السيادي المصري: بوابة للخصخصة وهيمنة الأجانب والاستدانة بلا ضوابط

أد الدنيا رئيسية قضايا ساخنة نرشح لكم

النجار: الصندوق يفتح باب بيع الأراضي والموارد الطبيعية العامة بدلا من إصلاح وتحديث القطاع العام

آليات الرقابة على التصرفات في المال العام من خلال الصندوق قاصرة وتحتاج للمراجعة

الصندوق يفتح ثغرات جديدة ليعمل بصورة أساسية لمصلحة الرأسمالية العالمية

قال الكاتب الصحفي أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق، إن الصندوق السيادي المصري البوابة الملكية للخصخصة والاستدانة وهيمنة الأجانب وتغييب العاملين عن تقرير مصير شركاتهم، وأكد النجار في تدوينة بحسابه على “فيس بوك” أن الصندوق السيادي يفتح الباب لأوسع برنامج للخصخصة ولبيع الأراضي والموارد الطبيعية العامة بدلا من إصلاح وتحديث القطاع العام.

وأضاف أن “آليات الرقابة على التصرفات في المال العام من خلال الصندوق قاصرة وتحتاج للمراجعة”.

وقال النجار، إن الصندوق السيادي يعمل على إنتاج سياسة الخصخصة على نطاق أوسع، ويفتح بابا هائلا للاستدانة العامة بلا ضوابط، ويفتح ثغرات جديدة ليعمل بصورة أساسية لمصلحة الرأسمالية العالمية.

وإلى نص ما كتبه أحمد السيد النجار:

تؤسس الصناديق السيادية من قبل الدول ذات الفوائض المالية الريعية أساساً لإدارة تلك الفوائض وتنميتها لصالح الأجيال القادمة أو كاحتياطي استراتيجي يمكن اللجوء إليه في أوقات الأزمة الكبرى والوجودية، لذا نجد أن أكبر الصناديق السيادية تملكها دولا صغيرة مثل بعض إمارات الخليج وجزر الأوفشور وهي دول غنية من ريع نفطها أو من ريع دورها كملاذات ضريبية ترعى الاحتيال الضريبي، أو من ريع دورها في رعاية غسيل الأموال القذرة.

ويمتلك عدد محدود من الدول التي لا تدخل في تلك التصنيفات صناديق سيادية صغيرة، لكن الصين التي تقوم الدولة فيها بدور جوهري وحاكم في الاقتصاد تعد حالة خاصة لدولة تملك صندوق سيادي عملاق يتم تمويله من الفوائض الهائلة التي تحققها الدولة والشركات المملوكة لها.

أما مصر فإنها دولة عجز مالي بامتياز فميزان الحساب الجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي يسفر عن عجز كبير ارتفع من 0,9% عام 2014 إلى 3,7% عام 2015، إلى 6% عام 2016، إلى 6,5% عام 2017 (IMF, World Economic Outlook, April 2018, p. 260) وعجز الميزان التجاري بلغ 35,4 مليار دولار في العام المالي 2016/2017، وبلغ 18,7 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي 2017/2018، والدين العام المحلي بلغ 3414,4 مليار جنيه في ديسمبر 2017، والدين الخارجي بلغ 82,9 مليار دولار في ديسمبر 2017 (البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية، مايو 2018، صـ 75، 76، 95، 109). ومجموعهما (الدين الداخلي والخارجي) معا يعني أن نصيب كل مصري من الرضيع إلى الكهل في داخل مصر وخارجها من هذا الدين يبلغ نحو 48,5 ألف جنيه. وبناء على ما سبق فإن الظروف المالية لإنشاء أي صندوق سيادي لإدارة الفوائض غير موجودة من الأساس في مصر أو على حد تعبير فنان الكوميديا الرائع الراحل عبد الفتاح القصري “سبحان من خلقه من غير مناسبة”. إذن ماذا لدى الصندوق السيادي المصري وماذا سيفعل؟.

وبداية فإن الصندوق له الحق في تأسيس صناديق فرعية بمفرده أو بالمشاركة مع الصناديق المصرية والعربية والأجنبية المناظرة (مادة 13) وله الحق في الاقتراض والحصول على التسهيلات الإئتمانية وإصدار السندات وصكوك التمويل وغيرها من أوراق الدين وشراء وبيع واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، وايضا يحق له إقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة التي يملكها أو يساهم فيها (مادة 7). وبناء على هذا الحق في الاقتراض والإقراض فإن الصندوق يمكن أن يتحول إلى مدخل عملاق لتضخم ديون الدولة المتضخمة أصلا كما ورد آنفا.

وتشير المادة 4 إلى أن رأس المال المرخص به للصندوق يبلغ 200 مليار جنيه أي نحو 11,4 مليار دولار، لكن رأس المال المصدر يبلغ 5 مليارات جنيه تعادل نحو 285 مليون دولار فقط. وحتى هذا المبلغ الزهيد سيتم تقديم مليار جنيه منه تعادل 57 مليون دولار فقط في البداية من خلال الخزانة العامة ويتم استكمال باقي الـ 5 مليارات جنيه وفقا لخطط وفرص الاستثمار المقدمة من الصندوق خلال 3 سنوات من تاريخ التأسيس. وهذا الرأسمال المصدر وطريقة سداده تعني أن هذا الصندوق لا يمكن أن يحقق الهدف المعلن من تأسيسه وهو المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله لأنها ببساطة قزمية ولا تساوي شيئا ولا تقارن حتى بالاستثمارات الحكومية السنوية التي تبلغ في الموازنة الأخيرة رغم محدوديتها الشديدة نحو 148 مليار جنيه.

إذن نشاط الصندوق الأساسي يتعلق بما يسمى “إدارة” الأصول المستغلة وغير المستغلة وهو الإسم الكودي الذي اخترعه صندوق النقد الدولي للخصخصة ذات السمعة والتاريخ السيئين.

وتجيز المادة 5 لرئيس الجمهورية أن ينقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لأي من الجهات أو الشركات التابعة لها إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل وذلك بعد عرض الوزير المختص لهذا النقل، وبالنسبة للأصول المستغلة يكون العرض من الوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية والوزير المعني بعد موافقة رئيس الوزراء.

وتشير المادة 8 إلى أن الصندوق له الحق في التصرف في الأصول المملوكة له أو للصناديق المملوكة له بالكامل من خلال البيع أو التأجير المنتهي بالتملك، او الترخيص بالانتفاع، أو المشاركة كحصة عينية وفقا للقيمة السوقية على أساس متوسط القيمة المحددة بموجب 3 تقارير لمقيميين ماليين تعتمدهم الهيئة العامة للرقابة المالية والبنك المركزي. وكلنا يعلم التاريخ الأسود لشركات التقييم التي سهلت استيلاء القطاع الخاص المصري والأجنبي وضمنه العربي على الشركات المملوكة للدولة المصرية بأقل كثيرا من قيمتها الحقيقية.

إذن نحن أمام صندوق لديه الحق في خصخصة الأصول العامة المستغلة وغير المستغلة المملوكة للدولة التي ستؤول للصندوق وهو ما يفتح الباب لأوسع برنامج للخصخصة ولبيع الأراضي والموارد الطبيعية العامة بدلا من إصلاح وتحديث القطاع العام وفتح الباب للاستثمارات الخاصة المصرية والأجنبية وضمنها العربية لبناء مشروعات جديدة بدلا من تداول مشروعات قائمة فعليا حتى ولو كانت متعثرة بفعل فاعل.

وفي ظل العجز المالي الهائل الذي تتخبط فيه السلطة فإن بيع الأصول العامة المملوكة للشعب سواء كانت مستغلة أو غير مستغلة قد يقدم حلا مؤقتا لهذا العجز حتى لو كان حلا مسموما ومنتهكا لحقوق الأجيال القادمة، ومعتديا على ما بنته الأجيال السابقة.

ولأن مصر اكتوت من الفساد المروع في برنامج الخصخصة في السابق رغم وجود الأجهزة الرقابية التي تقل فاعليتها تحت ضغط الإرادة السياسية، فإن آليات الرقابة على التصرفات في المال العام من خلال الصندوق قاصرة وتحتاج للمراجعة حيث يتولى الجهاز المركزي للمحاسبات ومراقب حسابات آخر مقيد لدى البنك المركزي عملية المراقبة لتقديم تقارير للجمعية العمومية تمهيدا لرفعها للرئيس خلال ثلاثة اشهر من انتهاء السنة المالية (مادة 11) دون النص على حق الجهاز المركزي للمحاسبات في الإبلاغ عن أي مخالفات بصورة مباشرة. كما أنه لا يوجد أي ذكر للعاملين في الشركات والأصول المستغلة التي ستؤول للصندوق فيما يتعلق بتمثيلهم في الإدارة أو الجمعية العمومية للصندوق الذي سيقرر مصيرهم، بما يعني انفراد البيروقراطية وشركائها من الرأسمالية الخاصة المحلية والأجنبية بتقرير مصير أصول الدولة المستغلة وغير المستغلة التي ستؤول للصندوق بدون مشاركة أصحاب المصلحة والشأن الأصليين.

وحتى بالنسبة لإدارة الصندوق والأموال والأصول التي ستؤول إليه فإن له الحق في إدارتها مباشرة أو أن يعهد بإدارتها كلها أو بعضها إلى شركات ومؤسسات متخصصة (مادة 12). ويضم مجلس الإدارة ثمانية أعضاء، منهم 5 أعضاء “مستقلين” من ذوي الخبرة إضافة لوزير التخطيط وهو رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي.

ويختار المجلس رئيسه التنفيذي (مادة 15). وتضم الجمعية العمومية للصندوق 7 أعضاء من ذوي الخبرة في المجالات المالية والاقتصادية والقانونية وفي إدارة الصناديق النظيرة والشركات الاستثمارية العالمية يرشحهم رئيس الوزراء ويصدر قرار تعيينهم من خلال رئيس الجمهورية. أي أن مجلس الإدارة والجمعية العمومية للصندوق يمكن أن يعين بهما أعضاء عملوا أو يعملون في صناديق مناظرة في دول أجنبية أو في الإمارات والممالك الصغيرة في الخليج التابعة للولايات المتحدة والتي تتسابق لخطب ود الكيان الصهيوني، والتي لديها صناديق مناظرة.

وبما أن القانون لم ينص صراحة على جنسية من يتم اختيارهم في مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية، وبما أنه غير ملزم بالنظم والقواعد الحكومية، فإنه من الممكن أن يتم تعيين أجانب أيا كانت جنسيتهم ومن بينهم عرب في مجلس الإدارة والجمعية العمومية للصندوق بصفتهم “خبراء”.

ولا يوجد حتى نص صريح يمنع تعيين المنتمين للكيان الصهيوني. وهؤلاء “الخبراء” لن يعملوا لصالح صندوق منافس لصناديقهم الأصلية حيث لم يشترط القانون تفرغهم، بل قد يستغلون مواقعهم في الصندوق وفقا لمنطق السعي وراء أقصى ربح لصالح أنفسهم وصناديقهم الأصلية من خلال تسهيل استحواذها بأبخس الأثمان على الأصول التي ستؤول للصندوق المصري بعد أن يصبحوا أعضاء في مجلس إدارته وجمعيته العمومية.

وتنص المادة 14 على عدم تقيد الصندوق والصناديق والشركات التي يؤسسها بالقواعد والنظم الحكومية أيا كانت نسبة مساهمة الدولة وشركاتها فيها، وهذه المادة تستحق المراجعة أيضا فالمشكلة ليست في القواعد والنظم الحكومية التي تشكل ضمانة للنزاهة والشفافية، ولكن في انتشار الفساد لدى البيروقراطية المسئولة عن تطبيق تلك النظم والقواعد، وبالتالي فإن المنطقي هو إبقاء القواعد والنظم ونقل المسئولية عن تطبيقها لجهة عالية الكفاءة والنزاهة وخاضعة للرقابة الصارمة.

ومن منظور مصلحة الدولة والمجتمع والتنمية الحقيقية وإعلاء قيم السيادة الوطنية والشفافية ومكافحة الفساد، فإن القانون في مجمله يحتاج للسحب كليا للمراجعة، وكان من الضروري طرحه للنقاش المجتمعي والسياسي ومراجعة آراء الخبراء فيه قبل الاندفاع لإقراره لأنه في صورته الحالية يعيد إنتاج سياسة الخصخصة على نطاق أوسع ويفتح بابا هائلا للاستدانة العامة بلا ضوابط، ويفتح ثغرات جديدة ليعمل بصورة أساسية لمصلحة الرأسمالية العالمية وتوابعها في الخليج وصناديقهم السيادية وتوابعهم المحليين أيضا.

Leave a Reply