بالوقائع والأرقام.. أحمد النجار يكتب: سياسات الرئيس هل أخرجت مصر من العوز أم فاقمته؟ (قراءة في أرقام الدين والموازنة)

أد الدنيا قضايا ساخنة ملفات نرشح لكم

الديون المحلية زادت عن ضعف قيمتها عند تسلم الرئيس للحكم.. وصافي مديونيات حكوماته يزيد عما ورثته من كل الرؤساء السابقين مجتمعين!

الديون الخارجية كانت 46,1 مليار دولار في بداية رئاسة السيسي  وارتفعت إلى 88,2 مليار .. أي أن سياسات الرئيس وحكوماته أدت لزيادة هائلة في العوز

مجموع الفوائد على الدين الداخلي والخارجي زادت من 193 مليار جنيه عام 2014 إلى 541 مليار جنيه عام 2018 بسبب استسهال الاقتراض واستبعاد إصلاح النظام الضريبي

سياسة التعويم ومضاعفة أسعار الطاقة ومياه الشرب أدى إلى انخفاض كبير في الدخول الحقيقية لكل من يعملون بأجر بسبب ارتفاع معدل التضخم

رد الكاتب الصحفي أحمد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق على تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أن مصر أمه ذات عوز، وتساءل النجار: سياسات الرئيس هل أخرجت مصر من العوز أم فاقمته؟ .

وقال الكاتب الصحفي: “مصر ظلت طوال تاريخها أمة ذات شأن عظيم بإسهامها الحضاري والثقافي والإنساني حتى في الفترات التي لم تكن فيها الأغنى أو الأقوى عسكريا، وفي العصر الحديث عادت مصر لتصبح القوة القائدة إقليميا، ومنذ استقلالها لم تدخل في أي تحالف إقليمي تحت قيادة دولة صغيرة بالنسبة لها كما حدث عام 2015 من دخول التحالف الذي تقوده مملكة عائلة سعود في حربها على اليمن”.

وأكد أنه مع نهاية فترة حكم السيسي الأولى في يونيو الماضي الديون المحلية زادت عن ضعف قيمتها عند تسلمه للحكم، أي أن صافي مديونيات حكوماته يزيد عما ورثته من المديونيات المتراكمة من كل الرؤساء السابقين مجتمعين”.

وإلى نص ما كتبه النجار في حسابه على “فيسبوك”.

بعيدا عن غضب الرئيس من المطالبين برحيله لأسباب اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية متعددة، وبعيدا عن التناول النقدي اللاذع لهذا الغضب من البعض في مواقع التواصل الاجتماعي، سأقتصر على تحليل ما قاله الرئيس بشأن أمة العوز ورغبته في إخراج المصريين من العوز وجعل أمتنا (مصر) أمة ذات شأن على كافة الأصعدة، وذلك من واقع نتائج سياساته الموثقة بالبيانات الرسمية سواء تم نشرها محليا أو من خلال المؤسسات المالية الحكومية الدولية وهي في النهاية بيانات رسمية مصرية. ويتعلق العوز بزيادة احتياجات الفرد أو الدولة على حد سواء عن إيراداته مما يجعله يقترض لسد احتياجاته.

ولن نتعرض لوعود الرئيس المتعددة بشأن جعل مصر دولة “قد الدنيا” خلال عامين من حكمه، ووعده بنتائج إيجابية إذا صبرت مصر ستة أشهر بعد تعويم الجنيه، ووعوده بالنسبة لاستصلاح الأراضي للزراعة (برنامج الـ 1,5 مليون فدان) والتي يشير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن الأراضي الزراعية المصرية ارتفعت من 8,916 مليون فدان عام 2014 إلى 8,961 مليون فدان فقط عام 2016. لكن بشأن العوز والحاجة للاقتراض فإن ديون مصر الداخلية كانت 1816,5 مليار جنيه عندما تولى الرئيس الحكم في فترته الأولى، فارتفع العوز وزادت الحاجة للاقتراض وبلغت الديون الداخلية نحو 3536,5 مليار جنيه في مارس 2018 قبل نهاية فترة حكمه الأولى بثلاثة أشهر، ومع نهاية فترة حكمه الأولى في يونيو الماضي ستكون الديون المحلية قد زادت عن ضعف قيمتها عند تسلمه للحكم، اي أن صافي مديونيات حكوماته يزيد عما ورثته من المديونيات المتراكمة من كل الرؤساء السابقين مجتمعين!

وهذا يعني أن الأمة المصرية التي وصفها الرئيس بأنها أمة ذات عوز (وهو أمر غير مناسب في خطاب عام)، قد ضاعفت سياسات الرئيس وحكوماته من عوزها وديونها في فتره حكمه الأولى وفقا للبيانات الرسمية، وما زلنا ننتظر ماذا سيفعل في فترته الأخيرة الراهنة! أما عن جملة “عايز أخليكم أمة ذات شأن”، فإن الواقع يقول أن مصر ظلت طوال تاريخها أمة ذات شأن عظيم بإسهامها الحضاري والثقافي والإنساني حتى في الفترات التي لم تكن فيها الأغنى أو الأقوى عسكريا، وفي العصر الحديث عادت مصر لتصبح القوة القائدة إقليميا، ومنذ استقلالها لم تدخل في أي تحالف إقليمي تحت قيادة دولة صغيرة بالنسبة لها كما حدث عام 2015 من دخول التحالف الذي تقوده مملكة عائلة سعود في حربها على اليمن والذي أضر بصورة ومكانة مصر كدولة قائدة في الإقليم تقود ولا تُقاد! أما الإسهام الثقافي والحضاري فإنه يتأثر سلبيا بالوضع البائس للحريات السياسية.

أما الديون الخارجية فقد بلغت 46,1 مليار دولار في نهاية يونيو 2014 أي في بداية الفترة الرئاسية الأولى وارتفعت في نهاية مارس 2018 إلى 88,2 مليار دولار وفقا للبيانات الرسمية، وبلغت أعباء خدمتها 7320 مليون دولار في عام 2017، أي نحو 128 مليار جنيه. وإذا كانت الديون معيار العوز فقد أدت سياسات الرئيس وحكوماته إلى زيادة هائلة في العوز ولم تعالجه.

وسوف تتعملق الديون الداخلية والخارجية أكثر في ظل السياسة المالية المستمرة بلا أي مراجعة والتي تجسدها الموازنة العامة للدولة 2018/2019 التي افصحت عن احتياجات هائلة للتمويل والاقتراض تبلغ 714,9 مليار جنيه منها 438,6 مليار جنيه لسد العجز الكلي للموازنة، ونحو 243,7 مليار جنيه لسداد القروض المحلية، ونحو 32,3 مليار جنيه لسداد القروض الأجنبية. ويفصح البيان المالي عن نية الحكومة الحصول على تمويل خارجي أي قروض بالعملات الأجنبية بما يعادل 203,4 مليار جنيه أي نحو 11,8 مليار دولار وفقا لسعر الصرف الذي اعتمدته الحكومة. وسوف يتم الاقتراض الخارجي من صندوق النقد الدولي (4 مليارات دولار) ونحو 7,5 مليار دولار عبارة عن سندات دولية، والباقي من ألمانيا وفرنسا. ولو أضفنا هذه القروض إلى قيمة الدين الخارجي الذي بلغ 88,2 مليار دولار في نهاية مارس الماضي فلنا أن نتصور المستوى المروع للديون الخارجية في نهاية السنة المالية الجارية.

وهذه الديون الهائلة التي تواصل الارتفاع بقوة سوف تكبل أي رئيس قادم وأي حكومة قادمة بأعباء جسيمة لخدمة وسداد تلك الديون. ويشير البيان المالي عن موازنة عام 2018/2019 إلى أن فوائد الدين العام المحلي ارتفعت من 188,3 مليار جنيه في العام المالي 2014/2015 وهو العام الأول لحكم الرئيس السيسي، إلى 509,9 مليار جنيه في موازنة العام 2018/2019، وارتفعت فوائد الدين الخارجي من 4,7 مليار جنيه في العام المالي 2014/2015 إلى 31,1 مليار جنيه في العام المالي 2018/2019. وبالتالي ارتفع مجموع الفوائد على الدين الداخلي والخارجي من نحو 193 مليار جنيه عام 2014/2015 إلى 541 مليار جنيه عام 2018/2019 بسبب استسهال الاقتراض واستبعاد إصلاح النظام الضريبي المناقض تماما لما يجري من التركيز على الجباية من المواطنين بصورة لا تتناسب مع مقدرتهم التكليفية والبعد عن كل ما يمس المكاسب الرأسمالية وكل ما يتعلق بالرأسمالية الكبيرة والرأسمالية العالمية والنشاطات الاقتصادية المدنية للأجهزة السيادية للدولة.

وعلى المستوى الفردي أدت سياسة التعويم ومضاعفة أسعار الطاقة ومياه الشرب إلى انخفاض كبير في الدخول الحقيقية لكل من يعملون بأجر وهم الطبقة الوسطى والفقراء بسبب ارتفاع معدل التضخم (معدل ارتفاع أسعار المستهلكين) من 10,2% عام 2016، إلى 23,5% عام 2017. وتشير التقديرات الرسمية إلى أنه سيبلغ 20,1% عام 2018 (IMF, World Economic Outlook, April 2018, p. 250). وهذا سيرفع معدل الفقر والعوز على الصعيد الفردي والعائلي ولن يعالجه.

السيد الرئيس… إذا كنت ترغب حقا في معالجة حالة العوز فإن الأمر يتطلب وقفة لتقييم نتائج السياسات الاقتصادية المتبعة لإجراء تصحيحات جوهرية فيها لجعلها ملائمة لتحقيق هدف إنهاء العوز.

Leave a Reply