أحمد رمضان يكتب في ذكرى فض رابعة: عن الجريمة التي تورط فيها الجميع

رأي

أتذكر يوم أن فضت قوات الأمن اعتصام رابعة العدوية والنهضة، وكأنه وقع بالأمس وليس منذ 5 أعوام، ربما مشاهد القتل والاشتباكات المروعة التي نقلتها بكل وضوح كل وسائل الإعلام ورصد تفاصيلها مراسلي المواقع والقنوات، سهلت توثيق الجريمة، وسهلت أيضا ترسيخها في عقولنا وذاكرتنا، الجريمة التي تورط فيها الطرفين، الدولة قتلت، وقيادات الجماعة سهلت الطريق وخلقت المبرر الذي أدي إلى هذه النهاية.

ولا اعتقد أن الاستخدام المفرط للقوة كان الحل النهائي والوحيد لإنهاء الاعتصام، دائما هناك حلول سياسية وتفاوض يؤدي إلى نفس النتيجة، ولكن مرهون بمدى رغبة النظام في ذلك، تفاوض حقيقي وفعلي، وليس على طريقة ظهور محمد حسان ليتحدث عن اتصالات بين وبين قادة نظام ما بعد 30 يونيو ويحكي عن مدى رغبتهم وقدرتهم على التهدئة والتصالح، فجميعا يعلم أن المفاوضات التي تنجح عادة لا تكون تفاصيلها معلنة للجميع مسبقا.

على الناحية الأخرى، هناك تنظيم قدم أبنائه للقتل بدم بارد، ربما كان يعلم قادة الإخوان أن أي محاولات للعودة إلى الوراء، أو تصدير أي موقف مختلف عن التصعيد الذي تم شحنه في عقول شباب الجماعة لأسابيع طويلة، كافيا للقضاء على القيادة وخروج القواعد عن السيطرة، لذلك، أصر على ألا يخبر أعضائه بقرب فض الاعتصام على الرغم من علمهم المسبق بساعات، هربوا هم من الميدان وتركوه للشباب يدفع ثمن طمعهم السياسي.

وبحكم عملي الصحفي، لا أنسى الحوار الذي دار بيني وبين أحد قيادات الجماعة الذين لم يدخلوا السجن بعد عملية الفض، سألته عن “حقيقة” معرفتهم بموعد الفض ورفضهم إبلاغ الشباب، على الأقل حتى يختار الأعضاء إما الاستمرار في الاعتصام أو العودة لمنازلهم، كحق أصيل في الاختيار، لأجد رد صادم من القيادي “يعني لو كان قولنالهم أننا عارفين موعد الفض كانوا هيمشوا؟!، إحنا عارفين عيالنا كويس وأنهم مابيخافوش، برضو كانوا هيفضلوا موجودين”.. مجرد تبرير وضعه لنفسه ليبرر جريمته بعدم إخبار المعتصمين بحقيقة ما ينتظرهم بعد ساعات.

في تصوري، الدولة لم تكن تنوي الدخول في أي مفاوضات فعلية وقابلة للتطبيق مع الإخوان، حتى وإن سمعنا تصريحات من البعض عن موافقتها على ذلك – كما قال محمد حسان تحديدا –، ربما كانت تريد الدولة أن تنتصر في هذه المعركة وتحسمها، السيسي خرج قبلها بأسابيع ليطلب تفويضا شعبيا لمواجهة الإرهاب، مع ضغط إعلامي – لا أتحدث عن مصداقيته أو كذبه – حول مدى إرهاب التنظيم وقسوة أفعاله داخل الاعتصام.

الرجل – أي السيسي – كان له أن يضع كل هذه التفاصيل في الحسبان، الجميع يراه الجنرال المنقذ المخلّص، لذا كان يجب أن يقدم للشعب الذي خرج لتفويضه، ما يريد – نعم الملايين في لحظة ما أراد إبادة الإخوان تماما وقتلهم جميعا وهناك قصص كثيرة أرصدها لاحقا – لم يكن ليسمح لنفسه أو لأي طرف داخل النظام، أن يهدم كل ذلك ويدخل ساعيا لحل سياسي “حقيقي” مع الإخوان، كانت المعركة الأولى والحاسمة له وكان لابد أن يظل محافظا على انتصاراته – والتي منها على سبيل المثال نزول الملايين لتفويضه –.

الجماعة تمارس إرهابا، أراه يوميا في تصريحات قياداتها، ومواقف أبنائها، وتفجيرات تستهدف مدنيين وحتى عسكريين وشرطيين، ولكن على الناحية الأخرى، تمارس الدولة إرهابا لا يقل قسوة عن إرهاب الإخوان وبشاعته، استهداف يومي لحريات المواطنين، قوانين مناهضة للحريات التي خرج من أجلها ملايين البشر في كل ميادين مصر في يناير ويونيو.

 على الهامش..

25 يناير هي الثورة الحقيقية التي خرج لأجلها ملايين المصريين، 30 يونيو استكمال لثورة يناير التي قررت أن تواجه نظام مبارك، لتأتي جماعة متطرفة سياسيا ودينيا، وتستكمل مراحل قمع إرادة الشعب ومصادرة حكمهم في الحياة كما يريدون.. حتى انتهى بنا الحال بعد 30 يونيو لنظام عسكري يحكم بالحديد والنار، يخفي الشباب قسريا ويعتقل المعارضين ويزيد ديون وأعباء الناس ويكتم على أنفاسهم ويحاربهم في أحلامهم وأرزاقهم.

Leave a Reply