“التغريبة الجبرية.. حكايات الهجرة الإضطرارية1”: إيمان عبدالمنعم.. صحفية هربت من الملاحقة فطاردها وجع الفراق

قضايا ساخنة مظاليم ملفات نرشح لكم

أبي وأمي ماتا دون قبلة وداع وضمة .. ومازلت اشتري الهدايا لهما فتصدمني اختى لمن هذا

تركت مصر خمس سنوات كبرت فيهم خمسين سنة.. كل علاقتي بأبناء أشقائي صور متحركة وغربة وحنين جارف

أمي ظلت شهورا طويلة ترفض طهي الطعام الذي أحبه وعندما طال البعاد كانت تحتفظ بنصيبي حتي يتلف

كان مطلب أبي الوحيد قبل وفاته بعشرة أيام أن أكلمه من خلال حديث مصور وقالي “نفسي أشوفك بس اللقاء نصيب”

صحفيون وإعلاميون وحقوقيون ونشطاء، دفعتهم الظروف الأمنية والسياسية في مصر لمغادرتها قسرًا، قررنا في كاتب أن نرصد حكايات “التغريبة الإجبارية” لمصريين فرض عليهم السفر وهو كره لهم. نرصد أيام الشتات واللحظات الصعبة والحلوة في حياتهم، وكيف تعاملوا مع أيام الفقد والفرح والبعد عن الأهل.

*****

حكاية إيمان عبد المنعم

“لم أودع أهلي حق وداع، لم أسلم على أصحابي، لم تشبع عيني من أبي وأمي، كنت أتخيل أنني سأعود سريعًا، وأن كل هذا سينتهي، خاصة وأنني لم أعتد الغياب”.. بهذه الكلمات تبدأ الصحفية إيمان عبدالمنعم حديثها مع “كاتب” حول التغريبة الجبرية التي اضطرت عليها خشية الملاحقة الأمنية، بسبب قيامها بتغطية أحداث فض اعتصام رابعة والنهضة.

وتقول رئيس قسم الإسلام السياسي بجريدة التحرير سابقا، والمسئولة عن تغطية شئون الرئاسة، ووزارة الدفاع والجامعة العربية بوكالة الأناضول التركية، إنها  بعد خروجها من مصر مجبرة على ذلك بأشهر قليلة،  فوجئت أن اسمها مدرج على أحد القضايا التي تجمع ما يقرب من 80 صحفيا، بالإضافة إلى تداول معلومات عن وضعها على القضة 441 التي تضم العديد من الصحفيين من بينهم عادل صبري، ومعتز ودنان، ووائل عباس.

تتابع إيمان: “يبدو أن قرار الفرار من كل هذا القمع كان صحيحا، لكن الثمن كان غاليا، فرض علي أن اهرب واترك بلدي التي لم ارتكب فيها جرما سوى أنني قررت ممارسة دوري المهني في تغطية فض اعتصام رابعة والنهضة، ورفضت كل عروض السفر من قبل حبًا في هذا البلد بترابه ووجعه وألمه، وأجبرت على تركه بالرغم أن به قبر ابني”.

وأضافت إيمان: “كنت دائما اتندر على أصدقائي الفلسطنيين عندما يتحدثون عن الشتات، لكني اليوم عايشته وفهمت قسوته، فهمت معاناة جبران خليل جبران ومحمود درويش ونحن من فرضت عليهم الغربة فرضا لا اختيارا، لم اختر قبلتي بل أصبحت بوصلتي تحددها الظروف”.

وتستكمل إيمان حديثها: “3 أعوام ونصف، أصارع من أجل العودة، كنت اشعر في غربتي في بلد عربي أني قريبة من مصر، وأني حتما سأعود وكانت حالة الاستعداد للعودة دائما تصارع بداخلي رغبة الاستقرار”.

كنت أعد أمي وأبي بالعودة، وأقولهم انتظروني، لكنهم أجلوا مواعيد زفاف اخواتي كثيرا انتظارا لي، وتزوجت اختي وأنجبت طفلين علاقتي بهم صورة متحركة عبر الهاتف، ظلت أمي شهورا طويلة ترفض طهي الطعام الذي أحبه، وعندما طال البعاد كانت تحتفظ بنصيبي حتي يتلف. وسرق أرشيفي الصحفي بالكامل واستولى أمن المطار على ما استطعت حمله معي فخرجت من بلدي بلا هوية مهنية.

تروي إيمان ظروف إضطرارها للسفر وتقول: “بعد تغطيتي لأحداث النهضة ورابعة علمنا أن هناك قوائم ممنوعين من السفر مرة أخرى، وكان زوجي منهم، وهو ما اضطره للسفر من مصر في اليوم التالي لتلك المعلومة هربا من السجن الذي ذاق مرارته فترات طويلة في عهد مبارك، قضيت بعدها ١٠ أيام في حالة رعب من اقتحام شقتنا، عشرة أيام بقيت كي أخلى شقتي الايجار وأوزع عفشي، رغم إنه لم يمض على زوجي ٣ أعوام، حملت حقيبتي أنا وابنتي تاركة ذكرياتي وأهلي وأحلامي في مصر، كنت اعتقد أنها فترة قصيرة لن تطول، وذهبت إلى أول محطة سعى زوجي الاستقرار فيها.

تتابع إيمان قصة تغريبتها: “منذ خروجي من مصر بدأت أهيء نفسي لوجع فراق الأحبة، لكني لم اتخيل أن هذا الوجع يفوق كل تصور، علمت بوفاة والدي وأنا وحدي، ولن اتحدث عن كسرة الظهر واليتم والسند وكيف تتفاقم كلما طالت المسافة بينك وبين دفء العائلة ولم تجد من يخفف عنك أو تندمج معهم في ترتيبات المستقبل لا شيء يبقى سوى الوجع، وزلزلة الأرض من تحت قدمي، وصرخات قلبي وعقلي كانت تقول شيء واحد أنا من قتلت أبي، كانت روحه متعلقة بي دائما، ولم أفهم حديثه قبل الوفاة بعشرة أيام، عندما ظل يلح على حديث مصور رغم أنه بالعناية بالمركزية وقالي نفسي أشوفك بس اللقاء نصيب”.

كان اتفاقي المبرم مع أبي منذ زمن طويل عندما كان يحزن لعدم انجابه رجلا سند لنا نحن البنات الأربعة كنت أقول له لا تقلق أحنا بـ١٠٠ رجل سأخذ عزاؤك بنفسي وكان دائما ما يضحك ويطلب مني جملة من المطالَب الخاصة بمكان الدفن والجنازة والعزاء، حاولت تحقيق ما وعدت أبي به، لكن الغربة وقفت حائلا بين وفائي بوعدي له.

وتقول أيمان: “كلما تحدث معي أبي وأمي عن العودة كنت أشعر كم هم منفصلون عن الواقع رغم مرارته كنت اتأفف من هذا الحديث الذي يشبه رصاصات تخترق قلبي، لكن ليتها دامت تلك اللحظات، مات أبي وحاولت الرجوع لمصر إلا أن الأمر كان مستحيلا، بقيت شهور أحاول استيعاب ما حدث، وقبل أن افيق من صدمة رحيل أبي قررت أمي الرحيل دون مقدمات”.

وأكملت: “دون وداع.. دون ضمه.. دون دعوة من القلب اسمعها كلما تحدثت اليهما.. مات أبي وأمي.. رحلا ومعهما كل طبطبة العالم مازال عقلي يرفض الاقتناع برحيلهما دون وداع.. حتى أنني مازالت اشتري لهم هدايا ثم تصدمني اختى لمن هذا ، أصبحت مشاعري متضاربة، اشعر بالقهر كلما ذكرت مصر وتابعت أخبارها، فهي البلد التي ادفع فاتورة حبها .. وجع والم وقهر.. تركت مصر من خمس سنوات كبرت فيهم خمسين سنة ، اشاهد مسلسلات وافلام التلفزيون المصري حتى أظل عايشة بين شوارعها وناسها، انا لا أرثي ابي وامي فمازالت مقتنعة إنهما بانتظاري في شرفة منزلنا”.

Leave a Reply