وأصدرت المفوضية اليوم أولي تقاريرها المتعلقة بمراقبة المحاكمات وكيف عادت محكمة أمن الدولة طوارئ لممارسة أعمالها في ظل حالة الطوارئ المطبقة في جميع أرجاء جمهورية مصر العربية منذ ابريل 2017. وتناول التقرير القضية رقم 1 لسنة 2018 جنح أمن الدولة طوارئ الدرب الأحمر والمعروفة إعلامياً “بمعتقلي الفسحة” والتي يقضي فيها كلا من ايناس محمد حسين ومحمد محفوظ عبد اللطيف عقوبة بالحبس سنتين بعد محاكمة لم تفي بحقهم في محاكمة عادلة وتطالب رئيس الجمهورية باستخدام صلاحياته لإلغاء الحكم وإطلاق سراحهما.

ووثق تقرير المفوضية انتهاكات الحق في محاكمة عادلة التي وقعت منذ إلقاء القبض وأثناء مراحل المحاكمة المختلفة في “معتقلي الفسحة”، وهو الأمر الذي وجدت المفوضية من خلال مراقبتها للمحاكمة؛ أنه يتعارض مع المعايير القانونية والحقوقية المنصوص عليها في كلا من القانون المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بمعايير المحاكمة العادلة والمنصفة.

وأوضحت المفوضية في تقريرها أن انتهاكات الحق في محاكمة عادلة بالقضية بدأت مع القبض على المتهمين الخمسة (والذي أخلي سبيل ثلاثة منهم فيما بعد) واختلاق حالة التلبس للقبض عليهم واقتيادهم إلى مكان غير معلوم وتعرضهم لسوء المعاملة وحبسهم احتياطياً دون مبرر أومروراً بالإهمال الطبي الذي تعرض له المتهمين وعدم على عرضهم على الطبيب المختص إلى عدم تلبية طلبات هيئة الدفاع منذ التحقيق معهم في النيابة حتى المحاكمة إلى انتهاء  بتعديل هيئة المحكمة الحكم الصادر ضد المتهمين دون حضور الدفاع أثناء هذا التعديل بخلاف القانون.

زناقش التقرير حق الموقوفين في أن تنظر قضيتهم أمام محكمة مستقلة تماما عن تدخل السلطة التنفيذية في أحكامها وذلك طبقاً للمادة 184 من الدستور المصري التي تنص على “السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل فى شئون العدالة أو القضايا، جريمة لا تسقط بالتقادم”، وحق الموقوفين في التقاضي على درجتين، والمنصوص عليها في القانون المصري، وهو المبدأ الذي تم الإخلال به في هذه المحاكمة، بما انه مبدأ دستوري وحقوقي عام وذكر في المادة 14 العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمبدأ رقم 1 من مبادئ بنغالور التي تنص على “تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية”.

على جانب آخر رصدت المفوضية بعض التحديات التي واجهها فريق الدفاع عن المتهمين في القضية كان من أبرزها عدم إتاحة المحكمة الحق لفريق الدفاع  في تصوير أوراق الدعوى، ووثائقها، وعدم تمكينهم من إبداء دفوعهم في مساحات زمنية معقولة، وهو الأمر الذي يخل بضمانات المحاكمة العادلة والتي نص عليها في المبدأ 21 من المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين (مبادئ بنغالور) التي تنص على: ؛”من واجب السلطات المختصة أن تضمن للمحامين إمكانية الاطلاع على المعلومات والملفات والوثائق المناسبة التي هي في حوزتها أو تحت تصرفها، وذلك لفترة كافية لتمكينهم من تقديم مساعدة قانونية فعالة لموكليهم، وينبغي تأمين هذا الاطلاع في غضون أقصر مهلة ملائمة”.

وجاء ذلك الأمر أيضا مخالفاً لقانون الإجراءات الجنائية المصري في المادة 84 والتي نصت على: ” للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها أن يطلبوا على نفقتهم أثناء التحقيق صورا من الأوراق أيا كان نوعها، إلا إذا كان حاصلا بغير حضورهم بناء على قرار صادر بذلك”.

كما ناقش  التقرير معضلة استخدام المادة 102 مكرر من قانون العقوبات المصري كأداة لقمع حرية الرأي والتعبير وهذا يتنافى مع المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن ” لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.”

وخلص التقرير إلى توصيات منها:إلغاء رئيس الجمهورية للحكم الصادر في القضية لأنه جاء نتيجة إخلال بالتزامات مصر الدولية والدستور والقانون المصري فيما يخص الحق في محاكمة عادلة، والإفراج الفوري وغير المشروط عن المحبوسين في هذه القضية لأنه تم نتيجة اشتباه الشرطة لممارسة هؤلاء للحق في حرية الرأي والتعبير. ولأنه جاء نتيجة إجراءات مخالفة لقانون الإجراءات الجنائية بداية من لحظة القبض على المتهمين وعدم إعلامهم بسبب القبض عليهم واقتيادهم إلى مكان غير معلوم حتى عرضهم على النيابة . كما أوصى التقرير بتعديل

نص المادة 102 مكرر من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس على نشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن العام لمخالفتها نص الدستور المصري والمعاهدات والمواثيق الدولية حيث يتم استخدام هذه المادة في قمع حرية الرأي والتعبير وجميع المواد المقيدة لهذا الحق.

كما أوصى التقرير بوقف العمل بقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 المطبق منذ إعلان حالة الطوارئ في جميع أرجاء البلاد منذ أبريل 2017 والتي تجدد كل ثلاثة أشهر منذ ذلك الحين بالتحايل والالتفاف على المادة 154 من الدستور التي تنص على: “وفي جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس”.