المهندس. يحيى حسين عبد الهادي يكتب : لكن الرئيسَ أيضاً أهان القضاءَ

رأي

 لا أعتقد أن هناك من يوافق على إهانة القضاء (ولا إهانة أى مؤسسة ولا أى إنسانٍ بالطبع) بمن فيهم من صدرت بحقهم أحكامٌ بالحبس والغرامة بتهمة الإدلاء بتصريحاتٍ، رأت المحكمةُ فيها إهانةً للقضاء .. بعضها فى الإعلام وبعضها فى البرلمان .. بعضها ضد أحمد الزند وبعضها أكثر اتساعاً .. وهى فى النهاية (أقوال) .. وهو ما استدعى السؤالَ المنطقى (إذا كان هذا شأن من يهين القضاء قولاً، فماذا عمَّن أهانه عملاً؟!).

فإهانة القضاء لها وجوهٌ متعددة تتجاوز الأقوال المسيئة إلى الأفعال المسيئة .. من هذه الوجوه بالتأكيد: العبث باستقلال القضاء، وعدم احترام أحكامه، وتفصيل قوانين تبيح للجانٍ إداريةٍ القفز على أحكام القضاء والتصالح مع لصوص المال العام … وغير ذلك مما صارت ترزح تحته شبه الدولة.

قبل نحو عامٍ ونصفٍ، صدر حكم المحكمة الإدارية العليا بتأييد حكم محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة المؤكِد لمصرية جزيرتى تيران وصنافير وأنه (لا وجود لسيادةٍ أخرى تُزاحم مصر فى هذا التواجد، بل إنه لم تكن هناك دولةٌ غير مصر تمارس أى نشاطٍ عسكرىٍ أو أى نشاطٍ من أى نوعٍ على الجزيرتين باعتبارهما جزءاً من أراضيها .. كما لم يثبت على الإطلاق ممارسة المملكة العربية السعودية لأى مظهرٍ من مظاهر السيادة على الجزيرتين سواء قبل إعلان المملكة عام 1932 أو بعدها) .. وأحكام المحكمة الإدارية العليا هى أحكامٌ نهائيةٌ وباتة ولا يجوز الطعن عليها وواجبة التنفيذ على أكبر مسؤولٍ فى الدولة .. لكن أكبر مسؤولٍ فى الدولة امتنع عن تنفيذ الحكم الذى كان من شأنه أن يوفر له تراجعاً كريماً ومخرجاً آمناً من الكارثة الوطنية التى ما كان له أن ينزلق إليها أصلاً (ولكنها إحدى تجليات حكم الفرد) .. وشهدت مصرُ سلسلةً من الأكروبات القانونية وغير القانونية للتملص من تنفيذ هذا الحكم .. ووفقاً للقانون المصرى، فإن عدم تنفيذ الأحكام القضائية يستوجب الحبس والعزل من الوظيفة (وقد صدرت أحكامٌ بالحبس من قبل لهذا السبب طالت رؤساء شركاتٍ ومصالح حكومية .. بل ورئيس وزراء سابق “د.هشام قنديل”).

 هذا عن وجوبية تنفيذ الأحكام بِغَّضِ النظر عن مضمونها .. فما بالُنا ومضمون الحكم من النوع الذى يَطرَبُ له كلُ ذى فِطرةٍ وطنيةٍ سَوِّيةٍ .. فهو يُقِّرُ بمصرية أرضنا (وهى مصريةٌ حتى ولو لم يحكم القضاءُ بذلك) ..  ولَم يكتفِ سيادته بعدم تنفيذ هذا الحكم واجب التنفيذ والبات والنهائى، ضارباً به وبالدستور عرضَ الحائط جهاراً نهاراً .. وإنما استصدر من برلمانه المُعَّلَبِ قانوناً يطلق يده فى تعيين رؤساء الهيئات القضائية ويطعن مبدأ استقلال القضاء والفصل بين السلطات .. ثم تجاوز كل الأعراف والأصول المرعية والمستقرة ولم يحترم قرار الجمعية العمومية لمستشارى مجلس الدولة بالإجماع باختيار المستشار الأقدم يحيى الدكرورى رئيساً لمجلس الدولة.

قديماً تعلمتُ من والدى وزملائه القضاة الأجلَّاء (رحمهم الله) أن الفارق الجوهرى بين إهانة القُضاة وإهانة القَضاء .. أن الأولى تخص القاضى، لذلك غالباً ما يتنازل عن حقه (فى حدود الكرامة) خشية أن يقتص لنفسه فيختل ميزان العدالة .. أو يبادر بالتنحى من تلقاء نفسه دون انتظارٍ للرد .. أما إهانة القضاء (بأفعالٍ كالتى أشرنا إليها آنفاً) فلا يملك القاضى أن يتسامح فيها .. لأنها لا تخصه وحده .. فهى تطعن فى العدالة كأساسٍ من أُسُس الدولة وحقٍ من حقوق الشعب .. وهى جريمةٌ لا تسقط بالتقادم ويُحاكَمُ المسؤولُ الذى يرتكبها عاجلاً أو آجلاً عندما يسقط عنه هيلمانه .. عسى أن يكون قريباً.

Leave a Reply