أمير متى يكتب: الأزمة السعودية وبناء المملكة الرابعة

رأي
كتب :

استطاع بن سعود في بداية القرن العشرين من أنشاء المملكة الثالثة لأسرة آل سعود بالاتفاق مع أسره آل الشيخ “أحفاد محمد بن عبد الوهاب”. و منذ نشأتها مرت السعودية بعدد من أزمات داخلية وخارجية، داخلية كالصراع علي السلطة بين أبناء الملك بن سعود “الملك سعود بن عبدالعزيز والأمير فيصل، والذي انتهي بتولي الأمير فيصل إدارة المملكة”, وخارجياً مثل التدخل السوفيتي والمصري في اليمن في الستينات، والذي أعقبه طلب الملك فيصل من الرئيس الأمريكي التدخل وإسقاط نظام عبد الناصر في مصر. ثم في عام ١٩٧٩ حين قامت الثورة الاسلامية في إيران وفي نفس العام استيلاء مجموعة من المصلين على المسجد الحرام في مكة.

تعد اللحظة الراهنة واحدة من أكبر التحديات في تاريخ المملكة، ليس فقط بسبب قضية مقتل خاشقجي، ولكن لتعدد التحديات على كافة المستويات خارجيا و داخليا. وهذه التحديات ليست فقط في مواقف أنظمة حاكمة مجاورة، ولكن تطور مجتمعي يقابله حالة من الجمود الفكري في الداخل السعودي.

التحديات الخارجية التي تواجه المملكة؟

ايران

تمثل ايران اكبر خصم للسعودية في المنطقة، ليس لاختلاف المذهب بين سنّه و شيعة، و لكن لان أساس الحكم الايراني هو الدين الاسلامي، وفي نفس الوقت يتضمن انتخابات وتداول “حتي و إن كان غير كامل” للسلطة، أما نظام السلطة الحاكمة في السعودية فهو نظام ملكي ديني يعتبر ولاية وليّ الأمر “كنموذج إسلامي سنّي” هي حجر الأساس في الحكم وعليه لا يتم تداول السلطة. ويعتبر النموذج الايراني في تكوينه الديني وشبه الديمقراطي خطر على الاسرة الحاكمة. هذا بالإضافة إلى الصراع التاريخي بين البلدين.

حاليا امتد التدخل الايراني في اليمن “جنوب السعودية” و العراق “شمال شرق السعودية” فضلا عن دعمه لنظام بشّار الأسد بالإضافة إلى وجود قوي في سوريا “شمال السعودية”. هذا يعني أن السعودية محاصرة من ثلاث جهات بالنظام الإيراني.

الربيع العربي

يمثل الربيع العربي أهم التحديات التي واجهتها السعودية في العصر الحديث. فالربيع العربي بدأ من تونس وامتد إلى ليبيا ومصر ثم حاصر السعودية شمالا في سوريا وجنوبا في اليمن وشرقا في البحرين. وحمل الربيع العربي تغيرات كثيرة، فهرب “بن علي” إلى السعوديه ثم تنحى مبارك, وكان علي عبد الله صالح يواجه مظاهرات حاشده في اليمن والقذافي حاول بالقوة و فشل، وبشّاراستعان بإيران للحفاظ على العرش. كانت السمة الغالبة هي محاولة تغيير الأنظمة وليس استبدال أشخاص.

وعندما هدأت المنطقة، انطلقت السعودية تدير عقارب الساعة إلى الوراء. فسعت بجدية إلى تغيير الأنظمة الديمقراطية الناتجة عن الربيع العربي إلى أنظمة ديكتاتورية، كان أحدثها محاولة السعودية إحداث انقلاب في تونس عبر وزير الداخلية التونسي، فتم إقالته من الوزارة وفتح تحقيق حول المحاولة.

بالنسبة إلى السعودية، وجود دولة واحدة في المنطقة “ايران” و بها “شبه ديمقراطية” يمثل خطرا علي استقرارها، فماذا سيكون الوضع حين تنتهج أكثر من دولة تبادل للسلطة؟.

 التحديات الداخلية؟

يعتبر الملك سلمان آخر أبناء عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة القادر على الحكم، وكان انتقال السلطة إلى من يخلفه أحد أهم التحديات في المملكة. فالنظام المتعارف عليه في السعودية كان يحتكم لقانون أساسي صدر في عام ١٩٩٢، حيث يضم مجلس الشورى المكوّن من١٥٠ عضو.

وبناء على ذلك وبعد تولي سلمان، تولى محمد بن نايف منصب وليّ العهد، لكن حدثت العديد من التحولات فتمّ إضعاف قدرة مجلس الشوري علي التأثير وتمت إقالة وليّ العهد محمد بن نايف ونصب الملك ابنه محمد بن سلمان في منصب ولي العهد، ولم يقف الأمر عند هذا فقط، بل تجمعت في يد محمد بن سلمان كل قدرات المملكة وصناعة القرار. بهذا الشكل بدأت تتكون المملكة الرابعة من انتقال السلطة من أبناء عبد العزيز بن سعود الي ابناء سلمان. في نفس الوقت تم إضعاف بقية الأمراء لضمان عدم قدرتهم علي معارضة الملك.

الوضع في الداخل السعودي هشّ للغاية، فمحمد بن سلمان ليس علي مستوى قيادة مُقنع، بالإضافة إلى انتهاج سياسات عليها الكثير من علامات الاستفهام كحبس ٣٦٠ امير سعودي ورئيس وزراء لبنان وطلب دفع ديّه للخروج من الحبس، خرج أغلبهم وبقي ٥٠ اميرا قيد الحبس حتى تاريخه. ثم التورط بحرب في اليمن و سوريا، وطبقا لتقارير مؤسسات تتكلف حرب اليمن ٢٠ مليون دولار أسبوعيا، بالإضافة إلى المأساة في اليمن تحت الحصار السعودي. ثم التقارير عن شراء يخت وصورة للمسيح بأرقام فلكية. فهو يختلف في قيادته عن كثير من أصحاب المنصب “الملك فهد، الملك نايف، الملك فيصل”، والتي أهلتهم قدراتهم القيادية لتولي منصب خادم الحرمين.

الاقتصاد

طبقا لتقرير التنمية والتجارة للأمم المتحدة لعام ٢٠١٨، انخفض الاستثمار المباشر في السعودية من ١٢,٢ مليار دولار في ٢٠١٢ الي ٧,٥ مليار دولار في ٢٠١٦ الي ١,٤ مليار دولار في ٢٠١٧. بالإضافة إلى هجرة العمالة الوافدة في المملكة. فخلال الفترة من ابريل٢٠١٦ حتي أبريل ٢٠١٨، هاجر ٨٠٠ ألف عامل من السعودية في ظل عدم وجود عمالة سعودية بديلة.

وفي نفس الوقت انخفض الاحتياطي النقدي من ٢٨٠ مليار دولار في ٢٠١٤ الي ١٩٠ مليار دولار في نهاية ٢٠١٧.

هذا الوضع الاقتصادي يضيف الكثير من الضغوط على الداخل السعودي، بالإضافة إلى عدم وجود خطط حقيقية قادرة علي الخروج من الأزمة الاقتصادية بشكل حقيقي.

بعد الحديث عن التحديات، ما هي طريقة التعامل السعودي في التعامل مع الأزمات الحالية؟

التطوير الداخلي

في المقابلة التاريخية بين كندي والملك فيصل حول الوضع في اليمن، نصح كندي الملك فيصل بان السعودية لابد ان تتغير من الداخل. مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع مساعدة الأسرة الحاكمة في السعودية إذا كان الانهيار من الداخل. فناصر استطاع إقامة دولة حديثة في حين أن السعودية مازالت تعيش في العصور الوسطى، فالمجتمع السعودي كان يقّر العبودية حتي تاريخ المقابلة.

بعد انتهاء الاجتماع، أصدر الملك فيصل عدة قرارات. منها أنهاء العبودية في السعودية خلال عامين فقط، و بدأ في فتح مدارس لتعليم البنات. كانت التغير الداخلي للمجتمع السعودي هو الهدف حتي يستطيع النظام السعودي مقاومة الدولة الناصرية الحديثة في مصر.

حديثا بدأ محمد بن سلمان عهده بثلاث تغيرات أساسية “السماح لسفر السيدات بدون محرم”، “السماح للسيدات بالقيادة”، “والسماح بإقامة الحفلات الغنائية ودور العرض السينمائي”. هذا بالإضافة إلى إضعاف سلطة الشرطة الدينية في المملكة. هذه التغيرات الاجتماعية تهدف إلى استقرار النظام الداخلي أثناء نقل السلطة من أبناء بن سعود إلى أبناء بن سلمان.

التغيرات الاقتصادية

اتجهت السعودية إلى تغير نشاطها الاقتصادي من الاعتماد الرئيسي علي البترول إلى اقتصاد يعتمد علي الإنتاج والاستثمار المباشر. واتخذت السعودية عدة خطوات لتطوير اقتصادها. وكانت أهم الخطوات ومحور الخطوات الاقتصادية، هي إحداث تغيرات في المؤسسات اقتصادية، بدلا من الاعتماد علي القطاع العام، وتشجيع القطاع الخاص في الاستثمار. وفي هذا الإطار جاء مشروع NEOM” باستثمارات ٥٠٠ مليار دولار” لزيادة قدرات القطاع الخاص السعودي وتقليل من نسب البطالة المرتفعة.

كان طرح ٥٪؜ من شركة أرامكو في البورصة العالمية أحد أطروحات محمد بن سلمان، وأنه سوف يجذب الطرح مزيد من الأموال إلى السعودية سواء بشكل مباشر من خلال الطرح في البورصة، أو من خلال اعادة الثقة في الاقتصاد السعودي.

ولعل أهم و أكبر التغيرات في السعودية “من وجهه نظري” هو تغير الاتفاق السياسي بين روزفلت وبن سعود عام 1945، وكانت المقابلة بين روزفلت و بن سعود انتهت الي نقطتين، الأولي هو النفط مقابل الحفاظ على حكم آل سعود، والثانية هي عدم إحداث تغيرات في القضية الفلسطينية دون إطلاع السعودية.

النقطة الثانية كانت سبب في جمود العلاقات السياسية بين السعودية والولايات المتحدة عقب اعتراف ترومان بدولة إسرائيل “بعد وفاة روزفلت”. فطوال السبعين عاما حافظت الولايات المتحدة قدر المستطاع علي عدم اتخاذ خطوات احادية تجاه إسرائيل دون اطلاع وأخذ الرأي السعودي. اما الان فترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس و لم تتغير السياسة السعودية تجاه الولايات المتحدة. هذا يعد أقوى تغير جذري في السياسة الخارجية السعودية منذ نشأتها.

Leave a Reply