“الجرائم الإلكترونية.. الصمت يصل الانترنت”: نصوص الإجهاز الكامل على حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات (ورقة للشبكة العربية)

رئيسية قضايا ساخنة مجتمع مدني نرشح لكم

القانون يشمل تعريفات واسعة تحبس الجميع وفتح الباب لحجب المواقع بقرارات من ضباط التحري والضبط وجهات التحقيق

القانون وسع نطاق الجرائم وفقاً لألفاظ واسعة وعقوبات مفرطة.. وجعل مستخدمي الانترنت متهمين حتى يرضى عنهم الأمن

وسع تعريف “الأمن القومي” ليشمل الرئاسة والداخلية والرقابة الإدارية.. ويمنع مجرد انتقاد مؤسسات الدولة والقائمين عليها

القانون يسمح بمراقبة بيانات ومعلومات المستخدمين رقابة شبه دائمة والسماح بإفشائها أحياناً

المادة 22 تجرم حيازة برامج وأكواد تستخدم في الدخول لمواقع محظورة.. والعقوبة تصل لـ الحبس 6 أشهر وغرامة 50 ألف جنيه

أطلقت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ورقة قانونية، أعدها المحامي والباحث القانوني محمد عبيد، حول قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي جاءت بعنوان “قوانين الصمت لا تستثني الانترنت، ورقة موقف حول قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات” مشيرة إلى أن القانون جاء ليكمل الإجهاز على حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات”.

وأكدت الورقة على أن القانون الصادر حوى توسيعا لنطاق جرائم تقنية المعلومات لتشمل كافة مستخدمي ومرتادي الفضاء الإلكتروني وفقاً لألفاظ واسعة وعقوبات مفرطة تمهد للسيطرة الكاملة على الإنترنت والتقنيات المعلوماتية وبشكل لا يسمح باستخدامه كوسيلة للتعبير عن الرأي أو الوصول إلى المعلومة.

وضمت الورقة، ما اسمته الشبكة بـ”المآخذ على القانون وتفنيده والعوار الدستوري الذي يتضمنه والانتهاكات التي ينطوي عليها”، والذي جاء على رأسها “تعريف لفظ الأمن القومي”، وحيث قالت أنه “تعريف واسع يمنع مجرد انتقاد مؤسسات الدولة والقائمين عليها”.

وأشارت الورقة أيضا إلى تقنين القانون لحجب المواقع الإلكترونية، بذريعة تهديد الأمن القومي بقرارات من جهات التحقيق وفي حالة الاستعجال من قبل جهات التحري والضبط، مشيرة إلى أن ذبك يمثل اخلالا واضحا بأحكام سابقة من المحكمة الادارية العليا قررت بان الموقع أقرب للصحيفة ، يمكن ان يعاقب من يخالف القانون ، دون أن يتم حجب الموقع كاملا ، لان حجبه يمثل اهدارا لحق الجمهور في التعرف على الاراء والمعلومات المختلفة ، ترسيخا لقاعدة أن الجرم الجنائي شخصي وليس عاما.

وقالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، “إن حصار الصحافة المستقلة في مصر والذي أدى لغياب وتغييب الاصوات الناقدة أو التي تحمل اراء مختلفة ، لم يعد يكفي” مشيرة إلى أن القمع وصل بصدور القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات للمحطة الأخيرة التي تسمح بتداول حر للاراء وهو الانترنت ، حيث بدأ العمل به من تاريخ 15 أغسطس 2018، والذي ضيق الخناق بدوره على استخدام الانترنت وتصفحه ، وجعل مستخدمي الانترنت متهمين إلى أن ترضى عنهم أجهزة الأمن.

وتضمنت ورقة الشبكة العربية مناقشة تفصيلية لمواد القانون الـ 45 وما تضمنه من قيود تخطى العديد منها حدود المنطق والقانون ، مثل المادة 14 التي تعاقب كل من دخل عمدا ، او بخطأ غير مقصود لموقع أو حساب خاص أو محظور الدخول عليه ، بالحبس لمدة عام وغرامة ضخمة.

ونوهت الشبكة إلى أن تأتي هذه المادة وغيرها ، في ظل نظام سياسي سمح وتغاضي عن جرائم تنصت على المكالمات الهاتفية للمعارضين واذاعتها ونشرها على قنوات تليفزيونية مقربة منه ، ليقدم الدليل على عدالة الكيل بمكيالين وحقيقة استهداف البعض دون البعض الاخر ، وكأن القوانين قد تم تشريعها للتطبيق على مواطنين بعينهم.

وقدمت الورقة بعض التوصيات المحددة لمستخدمي شبكة الانترنت لتفادي الوقوع في فخ هذه الجرائم، وكذلك توصيات للسلطة التشريعية وجهات التحقيق في القضايا المتوقع نظرها استنادا له، وتوصية للمحامين بالاستعداد للطعن بعدم دستورية أغلب مواد هذا القانون وعقوباته الجائرة ، ليستقيم الوضع ويرفع الحصار على استخدام الانترنت في مصر.

وإلى نص الورقة:

قوانين الصمت.. لا تستثني الانترنت

“ورقة موقف حول قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات”

مقدمة

بتاريخ 14 أغسطس 2018 نشرت الجريدة الرسمية القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات ليتم العمل به من تاريخ 15 أغسطس 2018، ويأتي القانون المذكور كحلقة من سلسلة حلقات الصمت المفروضة على حرية التعبير والتي بدأت بحجب المواقع الإلكترونية إلى غلق المنصات الإعلامية والصحفية والتنكيل بالقائمين عليها، وانتهاءاً بإصدار قوانين الصحافة والإعلام وفق نصوص معيبة، مما يعكس رغبة واضحة من قبل الدولة لتقويض وتكميم الأفواه المنتقدة إلى جانب الحيلولة دون تداول المعلومات ونشرها.

وحوى القانون الصادر تقنيناً كاملاً لجرائم تقنية المعلومات بحيث يتسع نطاقها لتشمل كافة مستخدمي ومرتادي الفضاء الإلكتروني وفقاً لألفاظ واسعة وعقوبات مفرطة تمهد للسيطرة الكاملة على الإنترنت والتقنيات المعلوماتية وبشكل لا يسمح باستخدامه كوسيلة للتعبير عن الرأي أو الوصول إلى المعلومة، خاصة بعد تنامي أهميته كمحرك أساسي ولاعب رئيسي في الثورات العربية، إلى جانب تعمد السلطات الأمنية مراقبة ومتابعة صفحات الإنترنت في الفترة الماضية واعتمادها عليها في تلفيق الاتهامات إلى العديد من النشطاء وفق اتهامات واهية أبرزها نشر الأخبار الكاذبة وإهانة مؤسسات الدولة وغيرها من الاتهامات المعاقب عليها وفقاً لقوانين العقوبات ومكافحة جرائم الإرهاب والتظاهر وغيرها.

وبمطالعة نصوص القانون الصادر وتحليلها وجد أنها تشكل خطراً حقيقياً وتقويضاً لأهم الحريات الأساسية إلى جانب إهداره العديد من النصوص الدستورية، في إتجاه واضح إلى الإجهازعلى حرية تداول المعلومات والحريات الرقمية بحيث لا ينفذ منها إلا صوت الدولة وأبواقها الإعلامية، فلم يكتف القانون الصادر باحتواءه على العديد من العيوب التشريعية والمخالفات الدستورية وإنما يفصح من تحليله عن تجاهل أو عدم دراية بدور التقنيات المعلوماتية وطبيعة مستخدميها.

في هذه الورقة نحاول تفنيد نصوص القانون الصادر للوقوف على المآخذ عليه، إلى جانب تحديد النصوص التي تشوبها المخالفات الدستورية بالإضافة إلى طرح لمدى توافق طبيعة الواقع المعلوماتي مع الأحداث السياسية الراهنة وماتنطوي عليه نصوص القانون من عيوب تشريعية تفتقد لأبسط فنيات التقنيات المعلوماتية وطبيعة مستخدميها

المآخذ على القانون وتفنيده.. العوار الدستوري الذي يتضمنه والانتهاكات التي ينطوي عليها:

أولاً: تعريف لفظ الأمن القومي .. تعريف واسع يمنع مجرد انتقاد مؤسسات الدولة والقائمين عليها

أول ما يطالعنا في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر هو نص المادة الأولى الخاص بالتعريفات، والتي تحوي إلى جانب العديد من التعريفات التقنية؛ تعريفاً خاصاً بالأمن القومي وجهاته على النحو التالي:

“فى تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالألفاظ والعبارات الأتية المعنى لمبين قرين كل منهما :…….

– الأمن القومى : كل ما يتصل باستقلال واستقرار وأمن الوطن ووحدته وسلامة أرضيه، وما يتعلق بشئون رئاسة الجمهورية ومجلس الدفاع الوطنى ومجلس الأمن القومى، ووزارة الدفاع والإ نتاج الحربى، ووزارة الداخلية، والمخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، والأجهزة التابعة لتلك الجهات.

– جهات الأمن القومى: رئاسة الجمهورية، ووزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، والمخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية.”

ولا شك أن التعريف المذكور بشأن الأمن القومي، تعريف واسع وفضفاض إلى الدرجة التي لا يمكن من خلالها تحديد ماهيته؛ خاصة مع استخدام ألفاظ مثل “كل ما يتصل”،”ما يتعلق”، وهذا يعني عدم جواز تناول ما يتعلق بالشأن العام مطلقاً من خلال التقنيات المعلوماتية والوسائط الالكترونية، وعقب تعريف اللفظ سنجد القانون يذكر في عدة مواضع عقابية منه لفظ الأمن القومي ذريعة لتشديد العقوبات والإفراط فيها؛ كما سيلي البيان

ثانياً: مراقبة بيانات ومعلومات المستخدمين والسماح بإفشائها أحياناً .. رقابة شبه دائمة وألفاظ لا معيارية فضفاضة لا تحدد ماهية البيانات المحفوظة

على الرغم من أن الإتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات (الموقعة في القاهرة بتاريخ 21/ 12 / 2010 والتي صدر قرار من رئيس الجمهورية برقم 276 لسنة 2014 بالموافقة على الانضمام إليها بتاريخ 19 / 08 / 2014 ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 13 / 11 / 2014 ) قد نصت على إلزام مقدمي الخدمة بحفظ وصيانة سلامة المعلومات التي تحت أيديهم لمدة أقصاها 90 يوماً قابلة للتجديد؛ جاء نص المادة الثانية من القانون محل النظر لينص على إلزام مقدم الخدمة بحفظ وتخزين سجل النظام المعلوماتي أو أي وسيلة لتقنية المعلومات لمدة 180 يوم متصلة، في خطوة واضحة لمزيد من المراقبة وعد الأنفاس على مستخدمي التقنيات المعلوماتية

وحددت المادة البيانات التي يجب على مقدم الخدمة حفظها وتخزينها فيما يلي:

“أ- البيانات التى تمكن من التعرف على مستخدم الخدمة.

ب – البيانات المتعلقة بمحتوى ومضمون النظام المعلوماتى المتعامل متى كانت تحت سيطرته.

ج – البيانات المتعلقة بحركة الاتصال

د- البيانات المتعلقة بالاجهزة الطرفية للأتصال.

ه – أى بيانات أخرى يصدر بتحديدها قرار من مجلس إدارة الجهاز.”

ومما لا شك فيه أنه لا جدوى من تحديد البيانات وماهيتها كما تناولها النص محل النظر، إذ شملت كافة البيانات تقريباً، خاصة مع إضافة لفظ “أخرى” في البند (ه) السالف ذكره وتخويل مجلس إدارة الجهاز القومي لتنظيم الإتصالات تحديدها بقرار منه، وهو لفظ لا معيار له ويفتح المجال لتغول السلطة الإدارية على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين التي كفلها الدستور بمقتضى نص المادة 57 منه والتي تنص على “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون.

كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك.”

إلى جانب كون حرمة الحياة الخاصة من الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن والتي نص الدستور عليها في المادة 92 بقوله ” الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً. ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.”

ولم يكتف النص بإهدار حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وإنما تجاوز ذلك إلى إمكانية إفشاء والإفصاح عن البيانات المخزنة بما فيها البيانات الشخصية الخاصة بأي من المستخدمين بأمر مسبب من إحدى الجهات القضائية، وذلك وفقاً لما نص عليه في الفقرة الثانية من ضمن التزامات مقدم الخدمة بقولها “المحافظة على سرية البيانات التى تم حفظها وتخزينها، وعدم افشائها أو الافصاح عنها بغير أمر مسبب من إحدى الجهات القضائية المختصة – ويشمل ذلك البيانات الشخصية لأى من مستخدمى خدمته أو أى بيانات أو معلومات متعلقه بالمواقع والحسابات الخاصة التى يدخل عليها هؤلاء المستخدمون، أو الأشخاص والجهات التى يتواصلون معها.”

كما جاء البند ثالثاً ليكمل دائرة التضييق بنصه على ” مع مراعاة حرمة الحياة الخاصة التى يكفلها الدستور، يلتزم مقدمو الخدمة والتابعون لهم، أن يوفروا حال طلب جهات الأمن القومى، ووفقا لاحتياجاتها كافة الإمكانيات الفنية التى تتيح لتلك الجهات ممارسة اختصاصاتها وفقا للقانون.”

ولا شك أن الغرض من النص السابق يتمثل بشكل واضح في مراقبة وتقويض الحرية الشخصية للمستخدمين، كما أن النص على “مراعاة حرمة الحياة الخاصة التي يكفلها الدستور” لن يحول دون إهدارها، ناهيك عن أن مقدمي الخدمة لا يملكون رفاهية القبول أو الرفض لتوفير تلك الإمكانيات حال طلبها من جهات الأمن القومي، حتى إذا ما تعارضت مع حرمة الحياة الخاصة للمستخدمين، وما من وسيلة أو معيار لتحديد ما يعد إهداراً لتلك الحرمة من عدمه.

التوسع في منح صفة الضبطية القضائية لغير ذي صفة بالتزامن مع النصوص فضفاضة الألفاظ

توسع القانون الصادر في إضفاء صفة الضبطية القضائية على العاملين بالجهاز القومي لتنظيم الإتصالات إلى جانب غيرهم ممن تحددهم جهات الامن القومي وذلك وفقاً للمادة 5 التي تنص على :

“يجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص منح صفة الضبطية القضائية للعاملين بالجهاز أو غيرهم ممن تحددهم جهات الأمن القومى، بالنسبة إلى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون والمتعلقة بأعمال وظائفهم.”

وجاء القانون في المادة السادسة منه ليضفي على مأموري الضبط القضائي السابق ذكرهم سلطات متعددة تمنحها لهم جهات التحقيق وفق ألفاظ فضفاضة وواسعة إذ نصت على أن “لجهة التحقيق المختصة – بحسب الأحوال- أن تصدر أمراً مسبباً، لمأمورى الضبط القضائى المختصين، لمدة لا تزيد على 30 يوماً قابلة للتجديد لمرة واحدة، متى كان لذلك فائدة فى ظهور الحقيقة على ارتكاب جريمة معاقب عليها بمقتضى أحكام هذا القانون بواحد أو أكثر مما يلى :

1- ضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو انظمة المعلومات، وتتبعها فى أى مكان أو نظام أو برنامج أو دعامة إليكترونية أو حاسب تكون موجودة فيه، ويتم تسليم أدلتها الرقمية للجهة مصدرة الأمر على ألا يؤثر ذلك على استمرارية النظم وتقديم الخدمة أن كان لها مقتضى.

2- البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقا لغرض الضبط.

3- أن تأمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتى أو جهاز تقنى، موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمى خدمته وحركة الاتصالات التى تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقنى، وفى كل الاحوال يحب أن يكون أمر جهة التحقيق المختصة مسببا.

ويكون استئناف الأوامر المتقدمة أمام المحكمة الجنائية المختصة منعقدة فى غرفة المشورة فى المواعيد، ووفقا للإجراءات الجنائية.”

ومن الواضح وفقاً للنص السابق ذكره أن تلك السلطات تمنح لمأموري الضبط القضائي بناءً على ألفاظ واسعة مثل “متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة” أو “إن كان لذلك مقتض” في إهدار كامل لعدة مبادئ دستورية أهمها مبدأ أن الأصل في الإنسان البراءة وحق الحرية الشخصية وهما ما سيتم تجاهلهما بذريعة الألفاظ السالف بيانها

حجب المواقع بذريعة تهديد الأمن القومي بقرارات من جهات التحقيق وفي حالة الاستعجال من قبل جهات التحري والضبط

خلال السنوات الأخيرة عمدت السلطات المصرية إلى حجب أكثر من 500 موقع إلكتروني دون إفصاح عن أسباب هذا الحجب، إلا أن المؤشرات تؤكد على رغبة النظام الحالي في التضييق على حرية الفكر والرأي والتعبير خاصة أن أغلب المواقع المحجوبة مملوكة لقنوات إعلامية معادية للنظام أو لمنظمات حقوقية بعيدة عن سرب الرأي الأوحد للدولة

أما بعد صدور القانون رقم 175 لسنة 2018 أصبح الحجب أمراً مخولاً لجهات التحقيق تصدره متى أرادت ودون إلزام بتسبيبه، مستندة في ذلك إلى ذات الذرائع الواهية والألفاظ الواسعة لتقنين الحجب فنصت المادة السابعة من القانون في فقرتها الأولى على أن ” لجهة التحقيق المختصة، متى قامت أدلة على قيام موقع يبث داخل الدولة أو خارجها، بوضع أى عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية، أو ما فى حكمها مما يعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، وتشكل تهديدا للأمن القومى أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومى للخطر، أن تأمر بحجب الموقع أو المواقع محل البث، كلما أمكن تحقيق ذلك فنيا.”

ولم يكتف النص بذلك وإنما زاد عليه بأن اجاز لجهات التحري والضبط – ودون حاجة للرجوع إلى جهات التحقيق- إبلاغ الجهاز القومي لتنظيم الإتصالات ليقوم بإخطار مقدم الخدمة بالحجب المؤقت الفوري للمواقع في حالة الاستعجال لوجود خطر حال، مع إلزام مقدم الخدمة بتنفيذ مضمون الإخطار فور وروده، وهو ما نص عليه في الفقرة الثالثة من المادة السابعة بقولها “ويجوز فى حالة الاستعجال لوجود خطر حال أو ضرر وشيك الوقوع من ارتكاب جريمة، أن تقوم جهات التحرى والضبط المختصة بإبلاغ الجهاز – (فى إشارة للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات) – ليقوم بإخطار مقدم الخدمة على الفور بالحجب المؤقت للموقع أو المواقع أو الروابط أو المحتوى المذكور فى الفقرة الأولى من هذه المادة وفقا لأحكامها. ويلتزم مقدم الخدمة بتنفيذ مضمون الإخطار فور وروده إليه.”

وفي حين كفل القانون لذوي الشأن التظلم من أوامر الحجب إلا أن استباق صدور الأحكام القضائية والاستناد على ذرائع الأمن والاقتصاد القومي وغيرها من المعايير الفضفاضة لتقنين الحجب، يتعارض بشكل كامل مع المبادئ والنصوص الدستورية الداعمة لحرية الفكر والرأي المكفولة بمقتضى نص المادة 65 من الدستور

المنع من السفر والعدول عنه ..عند الضرورة

لم يغفل المشرع استخدام لفظ الضرورة عند معالجته لقرارات المنع من السفر في القانون؛ إذ أجاز بنص المادة التاسعة للنائب العام أو من يفوضه ولجهات التحقيق المختصة الأمر بمنع المتهم من السفر خارج البلاد أو بوضع إسمه على قوائم ترقب الوصول، “عند الضرورة أو عند وجود أدلة كافية” على جدية الاتهام في ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون.

وعلى الرغم من إمعان النص في الاستناد على لفظ الضرورة كلفظ واسع لا يجوز الاستناد عليه في منع مواطن من استخدام حقه الدستوري في التنقل والهجرة، إلا أنه استخدم نفس اللفظ حين أجاز للنيابة العامة وجهات التحقيق المختصة العدول عن الأمر الصادر منها بالمنع من السفر أو بالوضع على قوائم ترقب الوصول بنصه في الفقرة الرابعة من النص المذكور على “ويجوز للنيابة العامة وجهات التحقيق المختصة فى كل وقت العدول عن الأمر الصادر منها، كما يجوز لها التعديل فيه برفع اسمه من على قوائم المنع من السفر أو ترقب الوصول لمدة محددة، إذا دعت الضرورة لذلك.”

ولا شك أن هذا التعارض غير المنطقي يتنافى مع الحقوق التي كفلها الدستور وفي مقدمتها مبدأ الأصل في الإنسان البراءة وحق الحرية الشخصية

جريمة الدخول غير المشروع وتعارضها مع طبيعة الفضاء المعلوماتي ومدى احترافية وتفاوت خبرات المستخدمين
عرف القانون في المادة 14 منه مرتكب جريمة الدخول غير المشروع بقوله ” كل من دخل عمدا أو دخل بخطأ غير عمدى وبقى بدون وجه حق، على موقع أو حساب خاص أو نظام معلوماتى محظور الدخول عليه.” ولا شك أن لفظ “محظور الدخول عليه” يمتد ليشمل التقنيات المستخدمة لتجاوز المواقع المحجوبة بحيث يعاقب مخالف النص بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 50 ألف ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين وتغلظ العقوبة في حالة نسخ أو إعادة نشر البيانات أو المعلومات الموجودة على تلك المواقع إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وجاء القانون في المادة 15 منه بتعريف لارتكاب جريمة تجاوز الحق في الدخول بقوله ” كل من دخل إلى موقع أو حساب خاص أو نظام معلوماتى مستخدما حقا مخولا له، فتعدى حدود هذا الحق من حيث الزمان أو مستوى الدخول.” ليعاقب عليه بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 30 ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين.

وزاد القانون من التعسف في المادة 22 منه ، بتجريم حيازة برامج أو اكواد قد تستخدم في الدخول لمواقع محظورة، فاذا اعتبرنا ان حكم قضائي صدر بحجب موقع ، وحاز المستخدم برنامج يتيح له تجاوز الحجب ، فإن هذا البرنامج وتبعا لهذه المادة ، يعد جريمة!!.

ويتضح من صياغة هذه النصوص العقابية عدم مراعاة المشرع لطبيعة الفضاء المعلوماتي وتعامل المستخدمين معه؛ إذ يعاقب على أفعال لا يمكن حصر أركانها المادية والمعنوية ومدى توافر القصد الجنائي لمرتكبيها، بالتزامن مع مدى احترافية وتفاوت خبرات المستخدمين للتقنيات المعلوماتية ومدى معرفتهم ودرايتهم بها والتي تتفاوت من شخص لآخر

التفرقة بين المواقع المملوكة للدولة والمملوكة للأفراد في حالة الاعتداء عليها
يعاقب القانون بمقتضى المادة 29 منه كل من كان مسئولاً عن إدارة موقع أو حساب خاص أو بريد إلكتروني في حال تعرضه لإحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون، بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف ولا تجاوز 200 الف جنيه مع تخفيف العقوبة في حالة كون تعرض الموقع او الحساب لإحدى الجرائم ناجماً عن إهمال المسئول وعدم اتخاذه التدابير والاحتياطات التأمينية الواردة في اللائحة التنفيذية من القانون والتي لم تصدر بعد.

ولا شك أن النص سالف البيان يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة المنصوص عليه في المادة 95 من الدستور إذ كيف يتصور أن يعاقب من وقع عليه الاعتداء بدلاً من المعتدي، كما أنه وفقاً لطبيعة التقنيات المعلوماتية؛ ما من نظام معلوماتي محصن ضد الاختراق بنسبة 100 % ومهما بلغت الاحتياطات الامنية المتخذة للحيلولة دون وقوع اعتداء عليه خاصة مع التطور والتحديث المستمر لبرامج الاختراق والولوج إلى الأنظمة المعلوماتية وهو ما يجعلنا نتساءل عن ماهية التدابير والاحتياطات الامنية التي سترد في اللائحة التنفيذية للقانون حال صدورها وكيف ستفي بهذا الغرض؟

وإلى جانب ذلك لم يتضمن القانون عقاب المسئولين عن مواقع الدولة حال تعرضها لنفس الاعتداءات المذكورة في النص محل النظر خاصة أن المواقع المملوكة للدولة يجب ان تكون من باب أولى أكثر تأميناً وتطوراً من المواقع والحسابات المملوكة للأفراد وهو ما يتعارض بشكل صريح مع مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 53 من الدستور، خاصة وأن المسئول عن إدارة موقع مملوك للدولة والمسئول عن إدارة موقع خاص لا مجال للتمييز بينهما في العقاب كونهم في هذه الحالة ذوي مراكز قانونية متكافئة

الحسابات المصطنعة ومعالجة المعطيات..عقاب السخرية وتقويض حريات الفكر والرأي والإبداع
تضمن القانون محل النظر تجريماً للحسابات المصطنعة أو الوهمية ويندرج تحتها الصفحات الساخرة التي يتم إنشائها باسماء مستعارة أو بمحاكاة شخصية أحد المسئولين بشكل هزلي ساخر وهو ما يندرج تحت نطاق حرية الرأي والتعبير ولا يشكل جريمة بالمعنى المفهوم حيث ان تلك الصفحات غالباً ما تكون معروفة بكونها مصطنعة بالنسبة لمرتاديها، إلا أن القانون محل النظر تضمن في المادة 24 منه النص على أن ” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 30 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين كل من اصطنع بريدا إلكترونيا أو موقعا أو حاسبا خاصا ونسبه زورا لشخص طبيعى أو اعتبارى.

فإذا استخدم الجانى البريد أو الموقع أو الحساب الخاص المصطنع فى أمر يسئ إلى من نسب إليه، تكون العقوبة الحبس الذى لا تقل مدته عن سنة وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين.

وإذا وقعت الجريمة على أحد الأشخاص الاعتبارية العامة فتكون العقوبة السجن والغرامة التى لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 300 ألف جنيه.”

ولا شك أن النص بصياغته سالفة الذكر سيمتد نطاقه لعقاب المسئولين عن الصفحات والحسابات الخاصة الساخرة والتي أنشأوها بغرض انتقاد الاوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد لشخصيات سياسية وعامة، وهو ما يتعارض مع دعائم حرية الفكر والرأي والتعبير والتي تفترض ارتضاء مسئولي الدولة عن انتقادهم ولو بشكل ساخر طالما ارتضوا العمل العام ومراعاة مصالح الشعب

التشديد العقابي وفقاً لألفاظ (النظام العام – الأمن القومي – تعطيل احكام الدستور – الإضرار بالوحدة الوطنية – والسلام الاجتماعي )
تكتمل دائرة الألفاظ اللامعيارية والفضفاضة، في تحديد الظروف المشددة لجرائم تقنية المعلومات بحيث تغطي قطاعاً واسعاً من مستخدمي التقنيات المعلوماتية، فجاءت المادة 34 من القانون لتنص على السجن المشدد كعقاب لمرتكبي أي جريمة منصوص عليها فيه، حال وقوع أي منها بغرض ” الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو الاضرار بالأمن القومى للبلاد أو بمركزها الاقتصادى أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل احكام الدستور أو القوانين أو اللوائح أو الاضرار بالوحدة الوطنية والسلام الإجتماعى”

وقد استقرت المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها على وجوب قطعية النصوص العقابية في دلالتها على الأركان المادية والمعنوية للجرائم بشكل واضح وبألفاظ محددة كأحد أسس مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه في المادة 95 من الدستور الحالي، ولا شك أن ألفاظ الإخلال بالنظام العام والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وغيرها من الألفاظ المذكورة في النص محل التحليل، لا يمكن من خلالها تحديد الأفعال المعاقب عليها بشكل قطعي يمكن من معاقبة شخص على ارتكابها بعقوة مفرطة كاسجن المشدد

الخلاصة

مما لا شك فيه أن طبيعة الواقع المعلوماتي وما يتضمنه من معطيات أهمها حرية تداول ونقل المعلومات والتعبير عن الآراء والأفكار من خلاله يفترض مساحة أوسع لحمايته لا لتقويضه والقضاء عليه، كما ان فرض القيود على الأفكار والآراء لا يمنع تداولها مهما تعددت محاولات التكميم والتقييد لها

ولعل سلوك السلطة التشريعية في إصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات يبرز إلى حد كبير رغبة السلطات إلى القضاء على كل متنفس يمكن من خلاله طرح الأفكار وتوجيه الانتقادات لسلوك مسئوليها، ومما يؤكد ذلك ما تم ذكره سابقاً من اشتمال القانون الصادر على كافة المحاولات والمساعي لفرض رقابة صارمة على التقنيات المعلوماتية بكافة أشكالها وبما فيها مواقع التواصل الاجتماعي التي كان لها الدور الأكبر والابرز في تحريك الجماهير ضد حكوماتها واندلاع الشرارة الأولى للثورات العربية

ومن الجدير بالذكر أن أغلب العقوبات والتدابير التي تم النص عليها في القانون المذكور كالحجب والغلق وتلفيق الاتهامات، كانت تتم دون غطاء تشريعي وبشكل غير رسمي طوال الفترة الماضية ويأتي القانون في محاولة لشرعنتها والإمعان في تطبيقها على نطاق أوسع

توصيات :
1- على مستخدمي التقنيات المعلوماتية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي الدراية الكاملة بالنصوص العقابية التي تضمنها القانون الصادر وتفادي الوقوع تحت طائلته قدر الإمكان

2- ينبغي على السلطة التشريعية إلغاء التشريع الصادر أو تعديله والإصغاء إلى الانتقادات والمآخذ الموجهة إليه وإصدار قانون جديد يتم فيه الاستعانة بالخبرات الفنية اللازمة لتحديد طبيعة التقنيات المعلوماتية والقائمين على إدارتها ومستخدميها ومراعاة المبادئ والنصوص الدستورية وعدم إهدارها وفي مقدمتها حريتي الرأي والتعبير وحرية تداول المعلومات

3- على جهات التحقيق المعنية عدم توجيه الإتهامات وفق النصوص المعيبة التي تضمنها القانون وخاصة النصوص ذات الألفاظ الفضفاضة لتفويت الفرصة على استهداف النشطاء وأصحاب الرأي من خلالها

4- على المحامين أن يركزوا جهودهم على الدفع بعدم دستورية نصوص القانون أمام المحاكم لحين وصوله إلى المحكمة الستورية العليا

5- يجب على المحكمة الدستورية العليا القيام بدورها المنوط بها في التصدي للنصوص غير الدستورية التي يحتويها القانون وإعلاء المبادئ والحقوق الدستورية فوق الإرادة القمعية للسلطة

Leave a Reply