المهندس. يحيى حسين عبد الهادي يكتب: أنعى لكم جلال أمين

ملفات

أنعى لكم واحداً من حكماء مصر وعُشَّاقِها.. الدكتور جلال أحمد أمين .. وقد كنتُ واحداً ممن أنعم اللهُ عليهم بالاقتراب منه خارج صفحات كُتُبِه.. وكنتُ أستحى أن أتكلم فى حضرته.. لأن مُتعة الاستماع لجلال أمين لا تقّل عن مُتعة القراءة له.. يعرف ذلك كل من تشرّفوا بالاقتراب منه.. هذا رجلٌ نُطقُه بليغٌ وصمتُه أكثر بلاغة.. يُغلّف آراءه بالغة الجِديّة بابتسامةٍ عَذبةٍ وخِفّة دمٍ مِصريةٍ آسرة ..

تَرَك جلال أمين لنا ثروةً  قَيِّمَةً من الكُتُب والمقالات.. غير أننى أستأذن القارئ الكريم فى سرْد قصة كتابٍ لا تّذكره المراجع ضمن مؤلفات جلال أمين مع أنه من أخطرها ويكشف جانباً فى شخصيته يتجاوز دور المُفكّر إلى دور المُقاوِم.

فعندما فاجأَتنا أمانة سياسات الحزب المُنحّل بما سُمِىَ (مشروع الصكوك)، انبَرَت دولة النفاق لمباركة مشروع الوريث وتأييده .. وانطلق حشدٌ كامل من الاقتصاديين والإعلاميين المشتاقين فى مواجهة فئةٍ قليلةٍ من المُقاومين.. كانت الكفّتان غير متساويتين.. إلى أن جاءنا المَدَد من الدكتور جلال أمين فانقلب الميزان.. مقالٌ رائعٌ رغم امتلائه بأخطاء التنسيق والطباعة منشورٌ فى جريدة الكرامة.. كانت الجريدة المقاتلة ذات التوزيع المنخفض هى المنبر الوحيد المُتاح للنشر.. ذهبتُ إليه أستأذنه فى تحويل المقال إلى كُتيّبٍ وما كدتُ أُفاتحه فى الماديات حتى ابتسم وقال إنه موافقٌ ومُحبّذٌ بلا ترددٍ ومتنازلٌ عن كل حقوقه كمؤلف كنوعٍ من المقاومة لهذا المشروع الشيطانى.. وأعطانى أصول المقال (الكتيب) بخط يده مشترطاً أن أُعيد كتابته وتنسيقه بنفسى لكى يضمن سلامته المطبعية.. تطوّع الكِفائى المهندس/ محمد الشرقاوى بطباعته فى دار النشر التى يمتلكها (أوراق عربية) .. قمنا ببيعه لدى باعة الجرائد فى الأكشاك وعلى الأرصفة بسعر التكلفة ثلاثة جنيهات.. ولمّا شاهدنا سرعة نفاد الكُتيبات طَمِعنا فزدناها إلى خمسة جنيهات(!) وأضفنا جنيهات الربح إلى صندوق حماية الشرفاء.. بدخول جلال أمين على الخط بكتيبه الصغير حجماً والثقيل قيمةً حُسمت معركة الصكوك بالضربة القاضية ورَجَحَت كفة ميزاننا.. كان العنوان الذى اختاره للكُتيّب هو (مشروعٌ شيطانى- تحويل القطاع العام إلى صكوكٍ للبيع).. ولخّص رأيه على الغلاف الخلفى (تحويل القطاع العام إلى صكوكٍ للبيع مشروعٌ شيطانى وغير وطنى ولا أخلاقى.. شيطانىٌ لأنه يحاول استغلال نقطة ضعفٍ فى معظم المصريين هى فقرهم، الذى يدفعهم دفعاً إلى البيع، مع التظاهر بأن المتوقع منهم كان غير ذلك.. وغير وطنىٍ لأنه يسمح ببيع أصولٍ كان من المصلحة الإبقاء عليها فى يد الدولة المصرية أو على الأقل فى أيدى أفراد مصريين.. ولا أخلاقى لأنه يفتقر إلى الشجاعة التى تتمثل فى أن يتحمل متخذ القرار المسئولية عن اتخاذه وعدم إلقاء المسئولية على الآخرين).

رحم اللهُ الدكتور جلال أمين الذى صعدت روحه إلى بارئها عصر اليوم.

Leave a Reply