“الجزيرة المحاصرة”.. تقرير للشبكة العربية يرصد معاناة 120ألف مصري يعيشون في الوراق: هكذا يتم الضغط على الاهالي لبيع أراضيهم

رئيسية قضايا ساخنة ملفات ممنوع

الأمن يمنع دخول مواد البناء ويقطع المياه ويستدعي الأهالي للضغط عليهم لبيع أراضيهم.. ويتهم السكان بانضمامهم للإخوان

الشبكة توصي بوقف الملاحقات الأمنية والسماح بدخول مواد البناء.. وخلق حوار مجتمعي حول تطوير الجزيرة مع الأهالي

أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان اليوم الخميس, ورقة قانونية واجتماعية عن محاولة الاستيلاء على جزيرة الوراق وإخلائها من أهلها لصالح المستثمرين، وذلك بمناسبة نظر محكمة جنح الوراق يوم السبت المقبل، في قضية التظاهر بدون إخطار، المتهم فيها 22 من أهالي جزيرة الوراق، وذلك على خلفية اعتراض الأهالي على قرار الحكومة بتهجيرهم قسرياً من منازلهم وأراضيهم بدون وجه حق وتضمنت قائمة المتهمين إحدى السيدات من الجزيرة والتي تخطى عمرها الخمسين عام.
وأشارت الورقة التي أعدها المحاميان نور فهمي وعبد الله طنطاوي، عقب زيارة ميدانية للجزيرة، إلى أن أزمة جزيرة الوراق في تصاعد مستمر، بالتزامن مع قرار رئيس مجلس الوزراء بنقل تبعية الجزيرة إلى هيئة المجتمعات العمرانية وتعيين رئيس لها من أجل إتمام خطة ما تسميه الحكومة “التطوير” التي أعلنتها منذ شهر مايو 2017 والتي يرفض سكان جزيرة الوراق أن تكون على حساب حياتهم ومنازلهم .
وتأتي الورقة التي تصدرها الشبكة العربية تحت عنوان “جزيرة الوراق ملك لأهالي الوراق.. زيارة ميدانية لواقع مأساوي” بالتزامن مع تشديد قوات الأمن من قبضتها على مخارج ومداخل الجزيرة وفرض حصارًا أمنياً على المعديات وشكاوي من منع دخول مواد البناء واستمرار تفتيش الأهالي وتفحص زوار الجزيرة.
وقالت الشبكة العربية إن هناك العديد من اﻻستدعاءات الأمنية لأهالي جزيرة الوراق من أجل الضغط عليهم لبيع أراضيهم ومنازلهم للبدء في تطبيق خطة التطوير والتهجير التي تتبناها الحكومة، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من أهالي الجزيرة – تحت تهديد الحصار والقمع الأمني – إلى التنازل فعلياً عن أراضيهم لهيئة المجتمعات العمرانية.
وتناولت الورقة الظروف المعيشية الصعبة التي نتجت عن حالة شبيهة بالحصار مفروضة على الجزيرة وأهلها، كمحاولة للضغط عليهم للتنازل عن منازلهم ، وكأن التطوير يجب أن يكون على حساب الفقراء، وليس لصالحهم.
وقالت الورقة.. “توتر وريبة وقلق لا ينتهي يبدأ مع أولى خطواتنا لمعدية شبرا الخيمة التي تنقلنا لجزيرة الوراق، تلك القطعة من الجنة، التي أصبحت محل صراع بين أناس جاءوا إليها من عشرات السنين بل المئات واستوطنوها وصدر لهم أوراق حكومية تؤكد ملكيتهم لها ، وبين سلطة تحاول نزعهم منها.
إنها الواحدة ظهرا صوت المؤذن يختلط مع ضوء الشمس التي فردت بساطها على جزيرة الوراق، وبجوارها عشرات الجزر، يبدو الأمر عاديا ولكنك كلما اقتربت تعرف أن الأمور ليست عادية”
بمجرد وصولك للمعدية النهرية التي ستنتقل بك إلى الجزيرة خاصة إذا كنت غريبا، لست من سكانها ستعرف عن ماذا أتحدث ؟
سيارة أمن مركزي تقف على رأس الطريق المؤدى إلي معدية المؤسسة التي تنقل السكان من وإلى الجزيرة، وضباط وعساكر يبدو لأول وهلة أنهم يتسامرون، لكنهم في حقيقة الأمر يراقبون كل ما قد يحدث فجأة من أهالي الجزيرة دفاعا عن بيوتهم وأراضيهم التي نشأوا وتربوا فيها، يحاصرون أي مظهر من مظاهر الحياة عن الجزيرة وأهلها .

فلاش باك

كان أهالي جزيرة الوراق قد وجهوا لنا دعوة لمقابلتهم بالجزيرة لرؤية وضعهم على الطبيعة ومدى المعاناة التي يتعرضون لها، قبلنا الدعوة وانتقلنا لمقابلتهم وعند توجهنا إلى المعدية التي تنقل العابرين إلى الجزيرة ونحن في انتظارها، لاحظنا وجود سيارة أمن مركزي متمركزة عند المعدية وطاولة يجلس عليها أفراد أمن قد تجاوز عددهم الخمسة أشخاص قد تعددت الرتب الشرطية على أكتافهم ينظرون إلينا باستغراب شديد وكأنهم يعرفون أننا لسنا من أهل الجزيرة الذين أصبحوا يعرفونهم جيدا .

انتظرنا على المرسى الخاص بالمعدية قرابة ربع ساعة في انتظار المعدية التي ستنقلنا إلى داخل الجزيرة لمقابلة الأهالي الذين كانوا بانتظارنا على المرسى الآخر داخل الجزيرة .
أثناء انتظارنا حاولنا التقاط بعض الصور الفوتوغرافية لسيارة الأمن المركزي المتمركزة على المرسى وكذا للضباط وأفراد الأمن الجالسين لتوثيق المشهد، لكن تصويرهم كان صعبا وهم جالسين يتفحصوننا ويتهامسون طوال فترة انتظار المعدية، إلا أننا استطعنا أن نلتقط عدة صور غير احترافية سريعة للمشهد عند وصول المعدية للمرسى .

ركبنا المعدية ومن ثم الانتقال إلى المرسى الآخر وهو جزيرة الوراق، كان في انتظارنا على المرسى بعض الأهالي الذين وجهوا لنا الدعوة لزيارتهم، تصافحنا وانتقلنا بالتوك توك إلى البيت الذي سوف يجتمعون فيه.

فى طريقنا إلى البيت أو “المندرة “ كما يطلقون عليها أهالي الجزيرة مررنا على العديد من البيوت وشاهدنا الحالة السيئة التي يعيشون فيها، فقر وتدني في مستوى المعيشة إلى أن وصلنا إلى “المندرة ” حيث انعقاد مجلس عائلات جزيرة الوراق بها .

استقبلنا صاحب البيت ومجموعة من الأهالي بالترحاب، ولكنهم أخبرونا أن مجلس العائلات تأجل لظرف ما خارج عن إرادتهم ورغم ذلك سوف يجتمعون بنا كما دعونا .

بدأ الاجتماع بالحديث عن جزيرة الوراق وعن أملاك الأهالي فيها من أراضى وبيوت كملكية خاصة موثقة بالشهر العقاري، وأن الدولة تريد إخراجهم بالقوة منها لإقامة مشروع سياحي بمشاركة إماراتية عليها دون النظر إلى أهل هذه الجزيرة وأملاكهم التي ولدوا ونشاءوا فيها هم وآباؤهم وأجدادهم .

كان الحضور من أهالي الجزيرة المجتمعين بنا حوالي 7 من المتضررين من قرار رئيس الوزراء رقم 20 لسنة 2018 والمنشور في الجريدة الرسمية العدد 22 مكرر في 2 يونيه سنة 2018 والمتضمن إنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق وفقا لكشوف الإحداثيات على كامل مساحة الجزيرة وبمسطح 1561 فدانًا، دون النظر أو الإشارة إلى المجتمع الإنساني القائم منذ مئات السنين ولديهم جميع المرافق الخدمية من كهرباء، ومياه عدا الصرف الصحي الذي طالب به الأهالي الدولة مرارا وتكرارا ومنهم رئيس الوزراء مصدر هذا القرار .

واستطرد الأهالي الحديث عن الجزيرة وموقعها حيث أنها تقع في وسط نهر النيل بمنطقة الوراق – محافظة الجيزة والبالغ مساحتها حوالي 1800 فدان منهم حوالي 1200 فدان أراضى زراعية طينية من أجود الأراضي الزراعية الخصبة بمصر على حد قولهم، ويبلغ تعداد سكان جزيرة الوراق ما يزيد عن مائة وعشرون ألف نسمة .

كما يوجد بالجزيرة العديد من المصانع والمدارس والمزارع والوحدة المحلية ومستشفى صغيرة، ووحدة شئون اجتماعية، ومحطتي مياه وجمعية تعاونية زراعية ووحدة بيطرية، وجمعيات أهلية، ومكتب بريد ونقطة شرطة ومركز شباب، وخمسة ملاعب خاصة والعديد من المرافق الأخرى ونحو 40 مسجدًا تابعين لوزارة الأوقاف وكنيستين والعديد من الجهات الإدارية التي تخدم أهالي الجزيرة مع القرى المجاورة والمحيطة بها .

تحدث أيضا الأهالي معنا عن بداية القصة وصراعهم مع الدولة وذلك حينما أصدرت الدولة القرار رقم 542 لسنة 2001 بنزع ملكية أراضى جزيرة الوراق للمنفعة العامة والذي ألغى بعد ذلك بحكم القضاء بعد صولات وجولات مع الدولة آنذاك، وقد ظل الأمر هادئا نسبيا إلى أن تم الإعلان عن مشروعات سياحية خليجية وعربية، وقد تم نشر ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى أصبح ذلك واقعا بصدور قرار رئيس الوزراء رقم 20 لسنة 2018، المتضمن إنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق بالمخالفة للقرار رقم 848لسنة 2001، الصادر من رئيس مجلس الوزراء (بعدم جواز إخلائهم من مساكنهم).

تحدث الأهالي معنا أيضا عن الانتهاكات التي يتعرضون لها منذ قرروا التصدي لمحاولات الدولة الاستيلاء على أراضيهم وأخذها بالقوة في يونيو 2017 حيث تم الاعتداء عليهم وسقوط أحد الأهالي قتيلا في تلك الأحداث، كما تم إدراج 22 من أهالي الجزيرة على ذمة القضية رقم 4047لسنة 2018 إداري الوراق بتهمة التظاهر ومن المقرر انعقاد أول جلسة محاكمة لهم بتاريخ 29/9/2018 .

كما اشتكى الأهالي أثناء هذا اللقاء من التضييق الأمني عليهم في إدخال المواد التموينية إلى الجزيرة، مواد البناء، المياه المقطوعة بشكل مستمر عن الجزيرة، والحملة الإعلامية عليهم فى القنوات الحكومية والخاصة واتهامهم بأنهم إخوان وأن الجزيرة بؤرة من بؤر تمركز الإخوان على غير الحقيقة، وأكدوا أنهم لا يريدون سوى العيش في سلام آمنين داخل بيوتهم وأراضيهم التي نشأوا فيها وان تصدير فكرة أخونة الجزيرة للرأى العام هذه أصبحت شماعة النظام التي يعلق عليها كل قضاياه الخاسرة .

حاولنا غسل أيادينا ولكن كانت المياه مقطوعة، ما أكد معاناتهم من قطع المياه المستمر عن الجزيرة ، كما أعرب الأهالي عن استيائهم الشديد من انتشار تجارة المواد المخدرة علنا نهارا وليلا دون رقابة أمنية رغم وجود نقطة شرطة داخل الجزيرة، ازديادها بشدة خاصة بعد الاشتباكات التي وقعت بين الأهالي والشرطة في يونيو 2017 (وقد لاحظنا بالفعل أثناء مغادرتنا للجزيرة وأثناء مرورنا بأحد الشوارع الجانبية للجزيرة رأينا إحدى السيدات تبيع المواد المخدرة أثناء النهار) مما يثير التساؤل مرة أخرى عن الدور الحقيقي لجهاز الشرطة .

وأصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عدة توصيات من بينها عدم استئناف عملية اﻻخلاء القسري مرة أخرى، وانسحاب قوات الأمن المحاصرة، والسماح لأهالي الجزيرة بإدخال المواد الغذائية ومواد البناء، وتمكين أهالي الجزيرة من بيع محاصيلهم الزراعية وغيرها من التدابير اللازمة نحو حق أهالي الجزيرة في سكن ملائم، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية نحو إيقاف الملاحقات الأمنية لأهالي الجزيرة المتهمين في القضايا الجنائية والتصالح معهم في تلك القضايا، وتعويض جابر للضرر لأهل المتوفي سيد الغلبان وتعويض المصابين من أهالي الجزيرة، والتعويض المادي الجابر للضرر لملاك وسكان المنازل التي تم هدمها من قبل قوات اﻻمن، وإلغاء القرار رقم 20 لسنة 2018 الصادر من رئيس مجلس الوزراء المتضمن “إنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق، والسماح لحوار مجتمعي ما بين ممثلي الدولة وأهالي جزيرة الوراق والتوصل إلى حلول بديلة يقبلها أهالي الجزيرة .

Leave a Reply