فيفيان مجدي تكتب في ذكرى مذبحة ماسبيرو: زي النهاردة.. 7 سنوات على “الأحد الأسود” وقتل الشهداء

أد الدنيا رئيسية

مقال كنت أتمني أن أكتبه وأنا أتذكر أياماً رائعه ، تشاء الأقدار أن اكتبه وانا أطوي بيدي سنة أخري من سنوات مذبحة ماسبيرو ، كنت قد أيقنت حقيقة أن الحقوق تُرد وأن دماء الشهداء تصل صارخة من الأرض إلي السماء ، في تمام الساعه الثالثة ظهر اليوم يبدأ التجمع أمام مسلة روض الفرج ليجمتع المصريين من عدد من المحافظات يرفعون لافتات  ” أين حقوق الأقباط ” ” لا لهدم الكنائس ” وغيرها من اللافتات التي لا تعبر سوي عن عدد من مطالب الثورة ، أو بالأحرى عدد من الحقوق المدنية التي “كان” يسعي لها كل مواطن آنذاك ، في منتصف التجمع يقف القس فيلوباتير والقمص متياس يحاوطهم عدد من الشباب الوطني المؤمن أن هذا الوطن يستحق أن نبذل لأجله الكثير وهو نفسه هذا الوطن الذي أخذ منا أيضاً الكثير ، تصادف تأخري انا ومايكل مسعد عن موعدنا لنصعد من محطة مترو مسرة بدلاً من روض الفرج لملاقاة المسيرة في الطريق في حالة من الفرح عارمة حتي لا يفوتنا شئ من هذة المسيرة  المُلهمه ، لنجد أن المسيرة لازالت بروض الفرج وان الحشود مازالت في الانتظار ، فنسير علي أقدامنا لروض الفرج والشارع تغمره سعادة غريبه، لا أعتقد لماذا ؟؟  هل لأن هذا أول تجمع قبطي يكون له صدي بهذا الشكل ؟ أم لأن الحشزد لم تكن تتخيل إنضمام الجيران المسلمين لهم ؟ أم انهم لم يكونوا يعتقدون أن هذا الوطن وطنهم وان لهم حق الاعتراض السلمي وحق المطالبه بالحقوق وحق الأعتراض ؟؟ .

لست أدري ولكن ما أيقنته وقتها أن هذة اللحظات إذا أجتمع سكان العالم أجمع  ليكتبوا عنها سطور تصف وجوهنا وقتها لن يتمكن من وصف الحقيقة التي لن يدركها سوي السائرين في الشوارع مطالبين بحقوقهم ، فلتبدأ المسيرة ولنبدأ بدأ حسنا .

نسير والوقت يمر، ههنا يسير أطفال وزوج يحمل يافطة للتنديد بالأعتداء علي الكنائس وأم تحمل صليب خشبي وترفعه بكل فخر ، هناك كانت الجموع تبتسم من هول العدد المشارك ، هناك حيث كانت الحقيقة ، هناك حيث قُدر لنا أن نكون ، صليب خشب ويد مرفوعه وعربيه ساوند وأطفال ونساء وعجائز و ” يا أهالينا أنضموا لينا ” كان مشهد عظيم لن تدركه الا اذا بحثت عن فيديو لمسيرة ماسبيرو ، اخر هتاف هتفت به قلوبنا ” يارب ” حيث يرفع مايكل مسعد تليفونه ليتصل بأهله ويخبرهم ” أنا حستشهد ” ، لماذا قالها ؟ ومن أين أتت هذة المشاعر ؟ ابتسمت في وجهه ولسان حالي يقول ” بطل هبل يا عم ” لنكمل مسيرتنا ونصل لمبني اتحاد الإذاعه والتليفزيون لنجد في مكان ما تجمع صغير بالشموع وما بين لحظة وأخري تنقلب الشموع وتحدث ضجه صاخبه ودوي رصاص عالق في أذني وصرخات النساء تعلو وأُناس تجري من هنا وهنا فيأخذني لنرحل وأمام خوفه علي كان بداخله وبداخلي فضول من الصارخ ومن الجاني ومن المجني عليه فوقفنا لنراقب المشهد وياليتنا لم نراقبه.

وإذا بالدبابات تسير “زجزاج ” لتصطدم بأجسد المتظاهرين في مشهد هو الأصعب في حياتي ، إذا ذكرت أنها أصعب من مشاهد الثورة سأكون صادقة ، ففي الثورة كنا نعي أن الداخلية لن تتردد في أذيتنا ولكن ما رأينها أثناء عملية فض الجيش للمظاهرات لم يكن متوقعا، فكان عليه حمايتنا وحماية جميع المواطنين أياً كان دينهم وأياً كانت توجهاتهم السياسية.

فالجيش هو درع الوطن،.. ومشهد عودة المدرعه  والجرح الذي تركته في يدي لم يكن في البدايه شيئاً مهماً ، فلقد تركت بي جرح أعمق من هذا بكثير، فلقد سرقت مايكل من بين يدي وتركته مغطي بالدماء ، كنت أظن دوماً أنني إمرأة من حديد يمكنني أن اتحدي الموت والألم والحزن والفقدان ، كنت أظن أن الموت يمكن ان يتحداه أحد ، كنت جاهله …. في أقل من لحظات صرخت ولم أجد صوتي ، حاولت أن احمله ولكن جسدي الهزيل لم يستطع ، بذلت كل ما في وسعي لكي أحمية من بطش العساكر ولكني كنت ضعيفة أمام قوتهم الجسدية ، توسلت لهم … نعم توسلت طالبة منهم الابتعاد عنه فهو لا يعطي أي ردة فعل فإنهالت أياديهم بالعصا عليه فما كان مني سوي أن انحني لحمل صليبي ومنع الأذي عنه ، حقيقة لم أكن أعلم أنه يفارق الحياة ، ولم أكن أعلم معني مفارقة الحياة ، بينما يتنافسون علينا بالضرب أوقفهم أحد الظباط وقال لهم ” نادوا العيال اللي بتجري دي تشيله من هنا .. دا خلاص مات ”  ،  ” مات ؟؟ مات مات بس نشيله من هنا وأنا هفوقة وأخده ونمشي ” هذا ما دار في عقلي لم أكن مستوعبة مرارة الكلمه سوي حينما تم نقلة للمستشفي القبطي وهو علي أرضها جثة هامده إلي أن أكدت الطبيبه أن  “مات”.

“مات؟؟ مات ازاي وامتي وفين وكان لسه فيه نفس من دقايق أنتي مش بتفهمي.. حتي تاني يكشف عليه…”، لم يستطيعوا تركة هكذا علي أرض المستشفي فقرروا أنه لا مفر من نقله لثلاجة الموتي، حيث برودة الجو ونار الفراق، وجدت انه لا مفر من دخولي معه لربما يسمعني فتعود إليه الحياة مثلما يحدث في الأفلام… ولكني لم أدرك وقتها أنها مجرد أفلام وان الواقع أكثر ألماً وأن الموت  لا يقوي عليه أحد… وأن الموتي بالجسد لا يموتون بالروح.. وأن 24 قبطيا استشهدوا خلال عملية فض الجيش ومدرعاته للتظاهر، يوم الأحد الأسود في 9 أكتوبر 2011، ذلك التاريخ  لن تمحوه بتجاهلكم لحقوقهم ولن تمحوه بتجاهلكم لدمائهم ولن تمحوه بمزارات شهداء العصر الحديث الذين استثنيتم منها شهداء ماسبيرو تحديداً، سيأتي اليوم الذي نري فيه حقوقهم تُرد فالله وحده من يرد الحق ويزهق الباطل.

Leave a Reply