وسط موجة غير مسبوقة من القمع ضد الصحافة ربما هي الأسوأ في تاريخ الصحافة المصرية، وصل فيها عدد الصحفيين المحبوسين لأكثر من 30 صحفيا، وعدد المواقع المحجوبة لأكثر من 500 موقع، بينها 100 موقع لوسائل إعلامية، وتصاعدت الانتهاكات ضد الصحفيين بشكل غير مسبوق، وهي الموجة التي جاءت مواكبة للانتخابات الرئاسية، وتخللها اقتحام موقع مصر العربية، والقبض على رئيس تحريره، وتغريم صحيفة المصري اليوم بسبب تقرير مهني عن انتخابات الرئاسة، وإحالة رئيس التحرير و8 محررين لنيابة أمن الدولة، اخترنا أن تصدر كاتب لتقول أن هناك من يحاول ويقاوم فرض الصمت على الجميع، وأننا اخترنا أن نكون صوتا – مهما كان ضعيفا- ، يحاول الحفاظ على حد أدنى من التوازن في الساحة الصحفية.
منذ ساعاتنا الأولى طالتنا موجة القمع بحجب للموقع، هو الأسرع في تاريخ الحجب عالميا، حيث تم حجب الموقع بعد أقل من 9 ساعات، من إطلاقه وقبل أن يتعرف من حجبوا الموقع على طبيعته أو اتجاهه، وقبل حتى أن يتمكنوا من فحص محتواه، كان الحجب رسالة واضحة أن أي محاولة لخلق صحافة خارج الأطر الرسمية بل وبقواعدها كاملة لن يتم قبولها، لكن الحفاوة التي تم استقبالنا بها، ودخول أكثر من 10 آلاف زائر لنا خلال الساعات القليلة قبل الحجب، جاءت لتؤكد صحة رهاننا، على الوجود.
مع الأيام الأولى كانت كاتب على موعد مع العديد من المعارك وحاولت أن تكون صوتا لكل من يتم منع صوته، من خلال نشر أنشطة مؤسسات المجتمع المدني التي تدافع عن الحريات العامة والحقوق الإقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وعن ضحايا القمع والاستبداد الذي سيطر على كل مناحي حياتنا، كما خضنا معركة حرية الصحافة، ومعركة وجودنا بكشف مخاطر قوانين الاعلام الجديدة وحذرنا من أن هذه القوانين ربما تكون ضمن المحاولات الأخيرة لإعدام الصحافة فقد كان الهدف واضح منذ البداية، ووصل الأمر للاشتباك قانونيا مع القانون في وقت اختارت نقابة الصحفيين أن تلزم الصمت وأن تتوطأ على إعدام المهنة.
كان كل يوم عمل يحمل لنا رسائل بأن استمرارنا مؤقت، فنحن جزء من مؤسسة اختارت دعم الصحافة الحرة، كواحد من العديد من الأنشطة المهمة والضرورية التي تقوم بها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، رغم كونها واحدة من مؤسسات معدودة في مصر تصر على الوجود والاستمرار، وهي المؤسسة التي منحتنا كل إمكانات الوجود في وقت كان على الجميع أن يدفع الثمن غاليا، فاختارت دفع الثمن معنا، ووفرت كافة الامكانيات لوجودنا، متحررون من أي قيد، ومن أي سقف إلا قيد ضمائرنا ومهنيتنا.
كان صدور “قوانين الصحافة والاعلام” أو بمعنى أدق قوانين إعدام الصحافة، إيذانا بأن محاولتنا هذه اقتربت من محطة وصولها الأخيرة، لأسباب يأتي في مقدمتها أن أعداء الصحافة وحريتها هم من يتصدرون المشهد في كل المواقع، ومن يمنحون قرارات البقاء والاستمرار، وأن علينا أن نخطط لمحاولة جديدة تليق بإصرارنا على الوجود.
اخترنا أن نواصل حتى آخر فرصة متاحة، لكن من أصدروا أحكام الإعدام ما كان لهم أن ينتظروا طويلا، حتى تنفيذها، في بلد أصبحت من الأسرع والأكبر في تنفيذ هذه الأحكام، وهو ما ظهر جليا في إسراع المجلس الأعلى للإعلام بإصدار قرارات تقنين المواقع، قبل صدور اللائحة التنفيذية للقانون، بل وبالمخالفة لنص للمادة الثانية من مواد الإصدار التي أعطت المواقع القائمة، مدة 6 شهور لتقنين أوضاعها، بعد صدور اللائحة.
مع اللحظات الأولى لصدور القرار حاولنا التواصل مع القائمين على المجلس، كما حاول زملاؤنا في المواقع الأخرى التي تحاول معنا خلق مساحات لعمل صحفي حر وسط عتمة القمع والسيطرة، فجاءت الاجابات متضاربة، وهو ما ظهر حتى في المؤتمر الصحفي للمجلس لإعلان القرارات، بما يشي بأن من أصدروا القرار لا يعرفون الهدف منه، أو لماذا أصدروه الآن؟.
يوما بعد يوم بدأت الحجج في الاستواء، فقالوا أن المادة الثانية في القانون تتحدث عن توفيق أوضاع ونحن نتحدث عن التقنين، في حجة غريبة تتنافى مع الوضع القائم، وهو أن هذا هو القانون الأول لتنظيم عمل المواقع في مصر، وهو ما يعني أن المقصود بالتوفيق في القانون يشمل كلا المعنيين، تشاورنا مع زملائنا وكان القرار أن نخوض التجربة ونطرح التساؤلات، ونشتبك قانونيا مع الوضع القائم.
ذهب ممثلو الشبكة العربية لحقوق الانسان وكاتب، حاملين معهم أوراق التقديم وأسئلة حول وضع الموقع، ورغم أننا كنا قبلها قد حصلنا على إجابة واضحة من القائمين على المجلس، بأننا يمكننا التقديم وتأخير دفع 50 ألف جنيه رسوم التقديم، لما بعد الاجابة على أسئلتنا، فقد كان السؤال الأول الذي بادرنا به موظفو المجلس أين الرسوم، مؤكدين أن طلبنا لن يتم التعامل معه دون دفع كامل المبلغ، كان السؤال التالي الذي طرحناه وماذا عن الحجب وهل يتم رفعه؟ فجاءت الإجابة واضحة لا لبس فيها، (لاعلاقة لنا بالحجب، وأن التقنين لا يعني رفع الحجب وأن علينا مخاطبة الجهة التي حجبت الموقع- وانتم ونحن تعرفون من هي- ؟).
كان سؤالنا الثاني، وهل سيتم تقنين وضعنا في حالة اكتمال أوراقنا؟، فجاء الرد الصادم (نحن لن نرفض طلبا طالما اكتملت الأوراق، لكننا سنعرضها على الجهات الأمنية لاتخاذ القرار قبل التقنين)، كان المعنى أن علينا أن نقدم أوراقنا وننتظر أذن من حجبونا بعد أقل من 9 ساعات، وربما رفضوا، وحتى لو وافقوا فربما يبقى الوضع على ما هو عليه؟ لنجد أنفسنا أمام عملية جباية حقيقية؟ فإذا كان الهدف من الأموال المنصوص عليها في القانون والتي ستصل لأكثر من 700 ألف جنيه، هو حماية حقوق الصحفيين والعاملين في المواقع كما يعلن القائمون على المجلس؟ فكيف يستوي مصادرة وسيلة العمل وحجبها مع حماية حقوق العاملين؟ كيف ستحمي حقوق العاملين وأنت من تمنعهم من العمل وتصادر أدوات عملهم بحجج واهية، توسع القانون فيها، وكيف يستوي ذلك مع صدور القرار من جهة غير معلومة؟ لا يمكن الرجوع عليها قانونيا؟ الأخطر أننا حتى لو استطعنا توفير مبلغ التقديم (50 ألف جنيه)، فإننا ربما نكون مطاردين بغرامات تصل لمئات الآلاف، دون سند قانوني إلا ان المجلس يرى ذلك؟ (راجع حالة المصري اليوم ومصر العربية) وفي حالة رفضنا وإصرارنا على الاستمرار فقد يرتفع الثمن لملايين الجنيهات، وربما تمتد آثاره إلى مكان تحمل عبء استمرارنا وحقوق ضحايا ومحبوسين يدافع عنهم، ودور نحن أحرص على استمراره، فقد كان مآلنا وملاذنا وقت أغلقت الطرق في وجوهنا.
أمام كل هذه المتغيرات الصعبة كان القرار الصعب الذي اتخذناه، وهو تجميد العمل في الموقع، وإعطاء انفسنا فرصة البحث عن بدائل قانونية لمواجهة ما يجري، أو الاعداد لمحاولة جديدة. وبقدر صعوبة القرار علينا فإننا نعدكم بعودة جديدة لاستكمال معركتنا ضد الفساد والاستبداد والديكتاتورية ومحاولات الهيمنة والسيطرة، عودة على قدر طموحاتنا وحق هذه الوطن في إعلام يستحقه، أو في اقل الأحوال إرسال رسائل لقرائنا، تقول أن هناك بيننا من هو حريص على استمرار هذا الدور والدفاع عنه.
نفارقكم إلى حين، مع وعد بالعودة، ربما باسم آخر، ربما في شكل آخر، لكن محاولاتنا لخلق مساحات حرة خارج إطار دوائر القمع والحجب والرقابة والمنع لن تتوقف، هذا وعدنا لكم، لكنه وعد مغلف باعتذار نرى أننا مدينون لكم به، اعتذار لقرائنا ومن يتابعوننا، ولكل من أرادونا أن نكون صوتا لهم، أو رأوا اننا يمكن أن نعبر عنهم ولو بقدر بسيط.
اعتذار مر، اعتذار من عجز عن إتمام المهمة الموكلة له، ومن فشل في حمل الحلم أو ناء به، اعتذار لكل من صدقونا وحلموا معنا.
اعتذارنا لكم انتم فاغفروا لنا، وعزؤانا أننا نخطط لعودة أراد من صنعوا الواقع الحالي ان تكون بعيدة، ونريدها قريبة جدا، فانتظرونا وإلى لقاء قريب.
أسرة كاتب