أطلقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، اليوم الأربعاء، تقريرا بعنوان “كارما.. هل أصبحت الأجهزة الأمنية الرقيب الأعلى”، تناول رصد وتحليل دور الأجهزة الأمنية خلال العقدين الأخيرين، من حيث تدخلها في عرض الأعمال الإبداعية، وتحديدا الأعمال السينمائية، عقب تدخلها لمنع عرض فيلم “كارما”.
وأشارت المؤسسة إلى أنه يوجد 8 حالات من الانتهاكات ضد حرية الإبداع التي رصدتها خلال الربع الأول من العام 2018، تعرضت فيها الأعمال الإبداعية للرقابة على المحتوى الفني بالحذف والمنع من العرض، بينما يحاكم القضاء العسكري مجموعة من المسرحيين الشباب.
وطالبت المؤسسة من خلال تقريرها بتعديل المادة التاسعة من قانون المصنفات، والتي تسمح للسلطة القائمة على الرقابة أن تسحب بقرار مسبب الترخيص السابق إصداره، في أي وقت إذا طرأت “ظروف جديدة”، بحيث تُحدد المادة على سبيل الحصر هذه الظروف الجديدة.
وطالبت أيضا أن تنص المادة على صدور قرار مسبب “بالتفصيل”، بمعنى ألا تكتفي الرقابة بذكر تحفظات عامة، دون توضيح موضعها في العمل السينمائي، والمخالفة التي تحملها على وجه التحديد.
وقال التقرير، إنه للمرة الثانية تتدخل الجهات الامنية لمنع فيلم للمخرج خالد يوسف، حيث تجنب اللجوء للقضاء، مفضلا التواصل مع أجهزة أمنية.
وأوضح التقرير أنه يمتد تدخل الأجهزة اﻷمنية في الأعمال السينمائية إلى ثلاثينات القرن الماضي، عندما كشرت الرقابة عن أنيابها بمصادرة فيلم “لاشين” عام 1938، حين منع من العرض بأمر وكيل وزارة الداخلية، الذي رأى فيه مساسا بالذات الملكية ونظام الحكم، بالرغم أنه تم السماح للفيلم بعد ذلك بالعرض بتدخل من طلعت حرب.
قرار المنع لم يكن جديدا حيث سبق وأن نشرت صحيفة وادي النيل في 2 سبتمبر 1916- بحسب التقرير- خبرا يفيد بأن إدارة الأمن بدأت في مراقبة الصور المتحركة التي تعرض في مجال السينما، وأصبح كل ما يعرض الآن بموافقتها”.
ووفقا للتقرير، فإن الرقابة رفضت أيضا عرض فيلم “آخر أيام المدينة” للمخرج تامر السعيد، عام 2016، بعد أن وافقت على تصويره، دون إبداء أسباب. وأيضا في عام 2013 مُنعَ فيلم” عن يهود مصر” للمخرج أمير رمسيس من العرض.
وبدأت قصة منع فيلم “كارما”، في 11 يونيو الجاري، حيث نُشر على موقع التواصل الإجتماعي “فيس بوك” قرار مكتوب لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية، بسحب ترخيص عرض فيلم للمخرج خالد يوسف، وإنتاج شركة مصر العربية للإنتاج السينمائي.
جاء القرار بعد حصول صناع الفيلم على حزمة من التصاريح والتراخيص بداية من الجهات النقابية، وحتى ترخيص السيناريو نفسه بالتصوير، وترخيص العرض الساري لمدة 10 سنوات من تاريخ منحه، الصادر في 30 أبريل الماضي، وفقا للمادة الحادية عشر من اللائحة التنفيذية لقانون رقم 430 لسنة 1955 الخاص بالرقابة على المصنفات الفنية، والصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 162 لسنة 1993.
وطبقا للمادة التاسعة يحق للإدارة المركزية للرقابة على المصنفات سحب ترخيص العرض العام الممنوح، من قانون الرقابة على المصنفات الفنية، والتى تنص على: “يجوز للسلطة القائمة على الرقابة أن تسحب بقرار مسبب الترخيص السابق إصداره في أي وقت إذا طرأت ظروف جديدة تستدعي ذلك ولها في هذه الحالة إعادة الترخيص بالمصنف بعد إجراء ما تراه من حذف أو إضافة أو تعديل دون تحصيل رسوم”.
وبحسب التقرير فإن قانون الرقابة استخدم ألفاظ فضفاضة في المادة التاسعة، مثل القول بحدوث ظروف جديدة، دون تحديدها، لسحب الترخيص الصادر.
وأشارت المؤسسة إلى أن إدارة المصنفات لم تراع الحد الأدنى من قانونية القرار الإداري بأن يكون مُسببا، وأصدرت قرارها بلا أسباب مفصلة.
وعلى جانب آخر، لم يستطع صناع الفيلم الحصول على معلومات بشأن دوافع الرقابة لاتخاذ هذا القرار، حتى أن عمرو سعد بطل الفيلم أوضح أنه اجتمع بوزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، ولم توضح أى سبب لسحب ترخيص عرض الفيلم.
ونشر المخرج خالد يوسف فيديو على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك، الثلاثاء 12 يونيو الجاري، يؤكد فيه عرض الفيلم. حيث لجأ إلى الجهات السيادية التي أنهت المشكلة في أقل من 48 ساعة، وأعادت التصريح للفيلم.
وأعلن بعد ذلك في تصريحات صحفية، تفاصيل مكالمة رئيس جهاز المصنفات الفنية له، لإعلامه بسبب سحب ترخيص عرض الفيلم، وكان رد الأخير هو مخالفة شروط العرض، إلا أن رئيس المصنفات اعترف في النهاية أنها أوامر وقال: ”مش عارف، بس هي الأوامر كده”.
وعقدت لجنة السينما التابعة لوزارة الثقافة جلسة طارئة،عقب قرار المنع انتهت بتقديم أعضاء اللجنة استقالتهم لوزيرة الثقافة، اعتراضا على المنع مطالبين : “بوضع خارطة طريق لدعم حرية السينمائيين ومنع أسباب انهيار الصناعة التى طالما امتلكنا الريادة فيها”.
لم يكن فيلم “كارما” أول أفلام خالد يوسف، التي تدخلت فيها جهات سيادية، فقد رفضت المصنفات الفنية الترخيص لفيلم “الرئيس والمشير” بالتصوير في نوفمبر 2000، الذي رفضته مديرة إدارة الأفلام العربية والفيديو بالإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية بسبب المعالجة المقدمة لمشروع الفيلم.
وبعد أن تقدم المخرج خالد يوسف بتظلم، انتهى رأي المصنفات إلى الموافقة على منح ترخيص الرقابة بتصوير السيناريو، بشرط الحصول على موافقة كل من المخابرات العامة والمخابرات الحربية.
وتقدم المخرج خالد يوسف آنذاك بطعن أمام محكمة القضاء الإداري ﻹلغاء قرار المصنفات، والتي حكمت لصالحه بإلغاء القرار وسمحت له بتصوير الفيلم، وكذلك أيدت المحكمة الإدارية العليا لاحقا نفس الحكم.
واستغرقت المحكمة 9 سنوات حتى أصدرت حكمها في نوفمبر 2009، ولكن لم يتم تصوير الفيلم إلى وقتنا هذا، بالرغم من تسلم خالد يوسف قرار المصنفات الفنية من خلال وثيقة رسمية مكتوبة.
ولفت التقرير إلى أن حكم مجلس الدولة بشأن فيلم “الرئيس والمشير” يؤكد عدم جواز تدخل الجهات السيادية كرقيب على الأعمال الابداعية، إلا أن الواقع العملي أثبت أن قضية “الرئيس والمشير” لم تدفع الرقابة على المصنفات الفنية إلى تشجيع المبدعين ورفض تدخل الأجهزة الأمنية، بل على النقيض من ذلك، أصبحت الرقابة تصدر قرارات غير مسببة برفض الأعمال الفنية.