التقرير: السلطات التونسية تستخدم الإجراء ( اس 17 ) لتقييد حركة المسافرين بدون أسباب أو دوافع قانونية أو طريقة للطعن على القرار
العفو الدولية: القيود تأتي بسبب معتقدات الناس الدينية أو مظهرهم.. وأحد المتضررين: سألوني “هل تصلي وتذهب للمسجد؟”
قالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها اليوم إن القيود المفروضة على السفر التي أدخلتها السلطات التونسية بذريعة الأمن يتم فرضها في كثير من الأحيان، بأسلوب تعسفي وتمييزي ينتهك الحقوق الأساسية للإنسان. فمنذ 2013 قيدت وزارة الداخلية التونسية حركة ما يقرب من 30 ألف شخص في إطار إجراءات سرية لمراقبة الحدود تُعرف باسم “الإجراء S17”. وهي اجراءات لا يمكن للعموم الاطلاع عليها، وتفتقر إلى الإشراف القضائي الكامل.
والتقرير الذي عنوانه العفو الدولية بـ “حتى مرة ما يقولولي علاش- القيود التعسفية المفروضة على حرية التنقل في تونس”، يصف حالات مالا يقل عن 60 شخصًا تم منعهم بشكل غير قانوني من السفر إلى الخارج، أو تم تقييد حركتهم داخل تونس بين 2014 و2018.
ويقدم التقرير تفاصيل التأثير المدمر لهذه الإجراءات على الحياة اليومية للمتضررين، الذين لم يتمكن الكثير منهم من العمل أو الدراسة أو من العيش في حياة عائلية طبيعية نتيجة لذلك. يتزامن اصدار هذا التقرير مع نشر تحقيق استقصائي لانكيفادا حول نفس الموضوع.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن الطريقة التعسفية والتمييزية التي تطبق بها إجراءات S17، دون إذن قضائي مسبق، تنتهك حقوق الإنسان الخاصة بمئات الأشخاص”.
وأضافت قائلة: “لا شك في أن وقف الهجمات المسلحة ضد المدنيين في الداخل والخارج يجب أن يكون من الأولويات بالنسبة للسلطات التونسية، ولكن إعطاء الشرطة حرية فرض قيود شاملة وغير قانونية على سفر مئات الأشخاص بعيداً عن أعين القضاء” هي إجراءات مضللة، وليست حلاً للتهديدات الأمنية في تونس”.
ويصف تقرير منظمة العفو الدولية الصادر اليوم كيف استهدفت إجراءات S17 التمييزية الأشخاص بسبب معتقداتهم الدينية أو مظهرهم، مثال ذلك الرجال ذوي اللحى أو النساء المنقبات، أو لأن أولئك الأشخاص لديهم قناعات سابقة تتعلق بأنشطة الجماعات الإسلامية المحظورة سابقاً. وفي جميع الحالات، فرضت هذه التدابير دون تقديم أي دليل يربط بين المتأثرين بأي نشاط إجرامي أو جماعات مسلحة ودون إذن قضائي.
وأضافت مرايف: “إن إجراءات مراقبة الحدود الحالية تقيد حق الأفراد في حرية التنقل، وليس لها أساس في القانون ولا يمكن تبريرها على أنها ضرورية أو متناسبة وهي تنتهك التزامات تونس الدولية إزاء حقوق الإنسان ودستور البلاد كذلك”.
في 2013 فرضت السلطات التونسية إجراءات S17 كجزء من خطة وطنية لمكافحة الإرهاب. وتزعم السلطات أن هذه الإجراءات تهدف إلى منع الأفراد المشتبه في انتمائهم للجماعات الجهادية من الانضمام إلى الجماعات المسلحة في الخارج، مثل الجماعة المسلحة التي تطلق على نفسها اسم الدولة الإسلامية في سوريا، كما تهدف إلى مراقبة تحركات أولئك الذين عادوا من مناطق النزاع.
ومع ذلك، تظهر الأبحاث التي أجرتها منظمة العفو الدولية أنه في 37 حالة على الأقل منذ 2016، تم تطبيق هذه القيود بشكل تعسفي ضد الأفراد المسافرين بين المدن داخل تونس. ومُنع 23 شخصاً على الأقل من مغادرة البلاد دون أي مبرر.
ويتم فرض أوامر الإجراء S17 دون إذن أو إشراف قضائي. ولا يتم الإفصاح عن معايير إصدار الأمر S17 ولا يعطى الشخص المتأثر بالأمر إخطارًا كتابيًا أو تبريرًا لإصداره. فنقص المعلومات حول الأسباب التي أدت إلى فرض أوامر S17 يعني أن المتضررين في كثير من الأحيان لا يستطيعون الطعن في هذه القيود أمام المحكمة أو النفاذ إلى العدالة، والحصول على التعويضات عن الانتهاكات التي تعرضوا لها.
وفي هذا السياق قالت هبة مرايف، “إن سلطة اتخاذ القرارات التي تفرض القيود على مراقبة الحدود إذا اقتصرت على موافقة وزارة الداخلية دون إشراف قضائي فعال، فإن السلطات التونسية تعرض هذه القيود إلى إساءة استخدامها، وثمة حاجة لإصلاحات عاجلة تكفل عدم فرض الإجراءات S17 بشكل تعسفي دون موافقة قضائية”.
وقال مهدي، وهو مدرس علوم كمبيوتر وصحفي من تونس يبلغ من العمر 29 عاماً، لمنظمة العفو الدولية إنه تعرض مراراً للمضايقة والتحقيق من قبل الشرطة بعد إخضاعه للإجراء S17.
ووصف تجربته بالكابوس، قال مهدي، “كانوا يسألونني نفس الأسئلة في كل مرة: “هل تصلي؟ هل تذهب إلى المسجد؟” هل تستمع للشيوخ على شاشة التلفزيون؟ “، “بل إنهم أخذوا مني عينة من الحمض النووي من دون أن يشرحوا لي لأي غرض أخذوها”.
في بعض الحالات، لم يعد الناس الذين يعتمدون على التجارة عبر الحدود قادرين على كسب لقمة العيش بسبب قيود السفر التي يواجهونها.
أما محمد قرفال، وهو صاحب شركة صغيرة من بن قردان، وهي بلدة تقع بالقرب من الحدود التونسية مع ليبيا، فقد مصدر دخله الوحيد بعد أن خضع لقيود الإجراء S17 التي منعته من السفر إلى ليبيا لشراء السلع.
وذكر صياد السمك نجم الدين، لمنظمة العفو الدولية إن حركته أصبحت مقيدة بشكل تعسفي بعد أن قام رجل كان يعمل معه بالسفر إلى سوريا، بدعوى للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، حسبما زُعم.
وقال نجم الدين للمنظمة: “لم يتم توقيفي على الإطلاق من قبل، ناهيك عن إدانتي، ولم يخبروني أبداً لماذا تم إخضاعي تحت هذا الإجراء. وفي مرحلة معينة، توقفوا عن طرح الأسئلة، وطلبوا مني الانتظار فحسب، ثم تركوني أذهب. إنه مجرد عبث. لا أعرف ماذا فعلت. إذا كنت أخطأت في شيء، فأناشدهم أن يضعوني في السجن بدلاً من العيش مع هذا القلق طوال الوقت”.
ووصف “لطفي”، من أهالي القصرين، كيف منعه الإجراء S17 من السفر إلى فرنسا للقيام برعاية أمه المريضة. وقد احتجزته شرطة الحدود التونسية في المطار لمدة ساعتين قبل إبلاغه بأنه لا يستطيع السفر. ووصف لطفي الحادث لمنظمة العفو الدولية قائلاً: ” وقد رفضوا السماح لي بدون إعطائي أي تفسير أو فرصة لفهم ما استند إليه القرار. إن هذا ظلم”.
وقالت المنظمة، إنه ينبغي على الحكومة التونسية التأكد من أن جميع التدابير الأمنية ينص عليها القانون، وتلتزم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.
واختتمت هبة مرايف قائلة: “يجب على الحكومة التونسية التأكد من رفع جميع القيود المفروضة على السفر التعسفي، وأن أي إجراءات تقيد حرية التنقل يجب أن تعتمد على أساس قانوني واضح، وتكون ضرورية ومتناسبة، تتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانين التونسية”.
فالحق في حرية التنقل منصوص عليه في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تُلزم تونس قانوناً. كما يضمن الدستور التونسي حقوق المواطنين في حرية التنقل في المادة 24؛ وينص على أن أي قيود على حقوق الإنسان يجب أن تستند إلى القانون، ويجب فرضها بطريقة متناسبة لا تنتهك حقوق المواطنين.
ومنذ 2015، وبعد سلسلة من الهجمات المسلحة، فرضت السلطات التونسية حالة الطوارئ، وزادت من الإجراءات الأمنية التي قوضت بشكل خطير حقوق الإنسان وسيادة القانون.