بتاريخ الثلاثاء الموافق 3 يوليه نشر موقع اليوم السابع حديثا نسبه إلى رئيس الوزراء المهندس مصطفى متولي أكد فيه، على أنه سيتم البدء في إنشاء القطار فائق السرعة لربط العين السخنة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وكأننا نحيا عصرا من الرفاهية المفرطة إلى هذه الدرجة، أو كأن الاقتصاد المصري في حالة من النمو والانتعاش مما يؤدي بالحكومة إلى السعي الدؤوب إلى تحقيق رفاهية المواطنين، بعد أن قامت من الانتهاء من توفير كافة الاحتياجات الأساسية لكافة أفراد الشعب.
وعلى صعيد مغاير وفي نفس هيئة السكك الحديدية نجد قطار المناشي، وهو خط سكة حديد طولي يربط من محطة رمسيس بالقاهرة، وصولاً إلى محطة ايتاي البارود ويبلغ إجمالي عدد المحطات 36 محطة، وفي الغالب يطلق عليه قطار الغلابة، ويستطيع المار بعربات القطار ولو على سبيل المشاهدة التعرف على شريحة المواطنين الذين يستقلونه في رحلاتهم اليومية بحثاً عن توفير جنيه او أقل ليُنفق في سبيل آخر، وغالباً لا يوجد به حمام على الرغم من طول المسافة، ولا يوجد بمعظم نوافذه زجاج يحمي من البرد أو يقي من حرارة الجو، وفي الأغلب لا تتمتع كل عرباته بالإنارة الكهربائية، وينتمي هذا الخط إلى فصيلة القطارات المطورة حسب تعريفات هيئة السكك الحديدية، وهذه النوعية تمثل أقل مستوى في القطارات.. وتعرف بـ“القطارات العادية” ذات اللون الأصفر.. ركابها من محدوي الدخل وأصحاب المستوى الاجتماعي الأقل.. تعمل على الخطوط الفرعية الرابطة بين المحافظات بعضها وبعض مثل السويس ـ الإسماعيلية والقاهرة ـ منوف وعين شمس ـ السويس والزقازيق ـ المنصورة أو خطوط الضواحي مثل خط أبو قير بالإسكندرية وخط 23 يوليو ـ شبين القناطر وخط القاهرة – إيتاى البارود المعروف باسم خط“المناشى“.
ويستطيع القارئ معرفة أن عدد المواطنين الذين يستقلون هذه النوعية من القطارات يمثل شريحة اجتماعية كبيرة من حيث العدد، تستطيع أن توصفها بالملايين، وهم ملايين الفقراء الذين لا يرتاحون في أعمالهم ولا تنقلاتهم البسيطة المرهقة، والتي تصل إلى درجات متدنية من ارتباطها بالصلاحية الآدمية، فهي في الغالب لا تعدو كونها علب من الصفيح تنقل الفقراء عن طريق الجرار الرئيسي، والذي يتناسب مع حالتها، وكأن المواطنين الفقراء أو البسطاء لم تُكتب لهم الراحة أو الشعور بالاهتمام من جانب الحكومة.
ومن هنا نستطيع أن نلقي حجراً في المياة الراكدة، فأيهما أولى بالرعاية ؟ الشريحة الكبيرة من المواطنين، والتي تُعد بالملايين، أم من سوف يقيمون في العاصمة الإدارية، وهي طبقة من الشعب الذي لا يعرف طعم المعاناة، وذلك على أقل تقدير وفق معدلات الأسعار المعلن عنها لشراء وحدات سكنية بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومن ناحية أولية ماذا يمثل لهم وجود قطار سريع أو فائق السرعة من عدمه؟ وهل هم من الأساس في احتياج لوجود مثل هذا القطار، أما عن العاصمة الإدارية نفسها ، فما قيمة أو جدوى وجود قطار فائق السرعة ليربطها بمدينة شاطئية مثل العين السخنة، وما الضرورة المجتمعية، أو حتى الجدوى الاقتصادية التي يحركها دافع المنفعة أو المصلحة من وجود هذا القطار، وما العائد المفترض منه سواء كان من الناحية الاقتصادية أو من الزاوية المجتمعية.
وفي المجمل أيهما أحرى بالرعاية والاهتمام تطوير خطوط الفقراء وتحسين الخدمة المقدمة لهم على نحو يصلح للتداول الأدمي، أم إنشاء خطوط جديدة في أماكن لا تحتاج مثل هذه الخدمة، ولا تضيف لها أي جديد.
أستطيع كمواطن ينتمي إلى الشريحة الأقل دخلا، والتي تمثل حاليا غالبية المجتمع المصري، أن أتساءل وبحق عن الدور الحقيقي المفترض للحكومات، أليس هو السعي إلى تحقيق متطلبات المواطنين، وإيجاد وسائل حلول لمشاكلهم، ومحاولة تذليل العقبات، وتوفير معظم الخدمات المتطلبة لحياة المواطنين ، والتي معظمها يتمحور في الغذاء والدواء والصحة والتعليم والمواصلات التي تمثل إحدى مفردات الحياة اليومية لكل المواطنين، والتي باتت تمثل عبئاً حقيقياً على عاتق غالبية الأسر، بعد الارتفاعات التي طالت المواد البترولية، فانعكس ذلك على تكلفتها اليومية، وهو ما أدى بغالبية المواطنين غلى البحث عن وسائل أقل غلاء، ولا تجد ذلك إلا في مثل هذه القطارات، أم أن دور الحكومة هو تسيير أمور المواطنين من الدرجة الأولى، من أصحاب الوجاهات الاجتماعية، أو أن تسعى الحكومة إلى ما يحدث لها تطوراً إعلامياً في الأماكن ذات الحظو الإعلامي، أو تلك التي تهم طبقة معينة من أصحاب الثراء ، مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
لا أستطيع إلا الانحياز دوما إلى طبقة الشعب، ومن ثم يكون تعريفي الوحيد للسلطة الحكومية يتمثل في كونها، أداة أو وسيط دوره الحقيقي أو ربما الأوحد هو السعي لتحقيق رفاهية الشعب، وإيجاد حلول مناسبة لكل ما يستجد من مشكلات مجتمعية، ويجب ألا تكون الحكومة في حالة انفصال عن القضايا المجتمعية التي يعاني منها أفراد المجتمع، وإلا باتت هذه الحكومة لا تصلح لتسيس أمور العامة، ونحن والحال كذلك إذ نمر بمرحلة صعبة جداً من عمر الدولة المصرية ولا يتجرع مرارتها سوى فقراء هذا الشعب، وخصوصاً في الثلاث أعوام الأخيرة بعد أن استدانت الحكومة المصرية المبالغ الكبيرة ، والتي كان بينها قرض صندوق النقد الدولي صاحب الاشتراطات، المسماة إصلاحية، والتي تتمحور في تعويم الجنية المصري، ورفع الدعم عن معظم السلع ، وبدأت الحكومة في تسليع الخدمات الإدارية انصياعاً لمتطلبات أو شروط صندوق النقد، على الرغم من أن معظم التجارب الدولية في التعامل مع هذا الصندوق لم تثمر إلا مزيداً من الفقر والإفقار، وربما كان هناك العديد من السبل غير اللجوء لطريق صندوق النقد، ومن ذلك تخفيض عدد المستشارين بالوزارات، تخفيض عدد السيارات الممنوحة لكل وزير أو ذو منصب رفيع، وكذلك الحراسات وطقم التشريفات، وما إلى ذلك من أمور شكلية، وكذلك الامر فيما يخص المستوى الرئاسي ، السعي لإجاد حلول مناسبة لتضييق الفاررق بين ذوي الرواتب المرتفعة من أصحاب المناصب الرفيعة، والشريحة الأقل دخلاً من موظفي الدولة، أعادة دراسة النظام الضريبي بما يتناسب والأعباء المجتمعية وحقيقة الدخول ، والقوة الشرائية للجنية المصري، والسعي نحو إيجاد حلول لارتفاع أسعار الأدوية بشكل يفوق قدرة غالبية المواطنين، أم ان الحكومة لا تسعى إلا إلى التواجد بشكل إعلامي مكثف ومحاولة إبراز دور ما، والبعد عن تسليط الضوء عن المشكلات المجتمعية الحقيقة، ومحاولة إبراز دور للحكومة بأي وسيلة عن طريق تسليط الوسائل الإعلامية أو توجيهها على نحو محدد، دون الخوض في مستنقع المشكلات التي يعانيها حقيقة المجتمع المصري بمفرده، فمتى سوف تندمج الحكومة في صلب المجتمع، وتسعى إلى حل مشكلاته الحقيقية، مثل قطار المناشي، وليس قطار العاصمة الإدارية فائق السرعة، والمتجه إلى العين السخنة، وهو ما لا يعني شئ بخصوص مشكلات القطاع الأوسع من المصريين سوى البهرجة.