معاناة تصنعها سياسات الدولة: غياب إدارة وبذور فاسدة واسعار مرتفعة وقرارات منحازة وسوء خدمات
8 مليون فدان أرض زراعية بلا صرف زراعي جيد وجدارتها الانتاجية ضعيفة وبعضها مهدد بالتصحر
خبير ببحوث الصحراء: الفلاح ليس علي أجندة إهتمام الدولة والسياسات الزراعية تزيد فقره.. ونقيب الفلاحين: ” المهنة مش جايبة همها”
(اقم العدل انت يا من مدحت وارفع عنى الظلم انظر إلى فاننى أحمل اثقالا فوق اثقال.. اجب إلى الصيحة التي ينطق بها فمى وحطم الظلم ورسخ الحق فإنه ارادة الاله، اما الظلم فهو منفى من الأرض………)
شكوى الفلاح الفصيح لا تزال تتردد أصداؤها، بعد آلاف السنين يبحث عن عدل لا يأتي بينما تتذكره الدولة التي صنعت مأساته، مرة كل عام في يوم يقولون أنه عيده بينما يمر عليه بنفس المعاناة، في الوقت الذي تحتفل الدولة بعيد الفلاح في 9 سبتمبر 1953 من باب تكريمه وعرفانا لدوره، يدور الفلاح المصري في دائرة لا تنتهي من السياسات التي تعيق هذا الدور، وقد تتسبب في فكاكه من المهمة بأكملها والبحث عن شىء أخر لفعله.
***
(انت يا من نصبت لتقيم العدل قد تحالفت مع الظالم. و الناس تحترمك رغم أنك معتد. لقد نُّصِبت لتنصف المظلوم ولكن انظر ها انت تغرقه بيدك)
تتدهور في الحقيقة أوضاع الفلاحة المصرية في السنوات الأخيرة، تقل الرقعة الزراعية لتتحول الجمهورية التي بدأت بقرارات الاصلاح الزراعي الي دولة لا تتضح سياساتها الزراعية، أخر تلك القرارات كانت تخفيض المساحات المزروعة من الأرز توفيرا للمياه بدلا من البحث عن أصناف مقاومة للجفاف من مليون و76 ألف فدان العام الماضي الي 724 ألف فدان العام الجاري ورفع قيمة الغرامات علي الفلاح لمن لا يخضع للقرار، وبعيدا عن أن الأرز أحد المحاصيل الزراعية الرئيسية في مصر لكن القرار في حد ذاته له تأثير كبير علي الفلاح نفسه خاصة محافظات وجه بحري والتي تتأثر التربة الزراعية لها كما سنري في السطور القادمة بالقرار.
ومن القرارات غير المدروسة إلى البذور الفاسدة، ففي الأسبوع الماضي تضرر مئات الفلاحين في شمال الدلتا من البذور الفاسدة التي تضر الأراضي الزراعية وقدموا الكثير من الشكاوي في الوقت الذي لا توفر الدولة ضمان آمن للشراء وتتأثر في نفس الوقت الأرض بتلك البذور وحمل وقتها أساتذة بحوث زراعية إدارة البذور والحجر الزراعي في وزارة الزراعة دخول تلك المنتجات الي البلاد.
يقول د. شريف فياض أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز بحوث الصحراء، في تصريحات خاصة لـ “كاتب” أن مشكلة الزراعة في مصر تتلخص في تراجع الخدمات والموارد والسياسات الزراعية في مصر
فالخدمات المقدمة للفلاح المصري غير متوفرة سواء خدمة صحية أو تأمين علي الفلاحين مما يؤدى الي تدهور الحالة الاجتماعية للفلاح ولحقوقه الاقتصادية أيضا وهو ما يجعل تركيز أعلي للفقر في الريف خاصة في ظل تحول نمط الانتاج الزراعي في الريف إلى النمط الأسيوي أي البدائي، فالفلاح لا تصل اليه معلومة وزراعاته جميعها من أجل استهلاكه ، وقال ” فياض ” أن تفتت الحيازة أيضا يؤدي إلى إنتاجية ضعيفة فضلا عن أن غياب الدورة الزراعية جعل الفلاح يزرع مايراه مناسبا له، فالفلاح المصري ليس علي أجندة اهتمام الدولة .
كما أن الفلاح ليس له أي ضمان اجتماعي إضافة الي سوء حال نقابات الفلاحين التي لا تقوم بدورها مما أوقعهم فريسة للتجار وتحول النشاط الزراعي الي نشاط غير مربح.
وعدد ” فياض” مشكلات أخري تؤدي لسوء حال الفلاح المصري، منها الموارد الطبيعية المرتبطة بالزراعة وهي المياه والأرض الزراعية ، فلدينا 8 مليون فدان أرض زراعية لا صرف زراعي بها جيد وجدارتها الانتاجية ضعيفة وبعضها يصاب بالتصحر.
وعن تحديد زراعات الأرز قال أن القرار يؤثر علي الأراضي الزراعية بمحافظات الشمال القريبة من البحر والتي تحتاج كل فترة الي زراعتها وغسلها لتقليل نسبة الملوحة بها والقرار الي ارتفاع الملوحة بها وضررها.
وعن تكلفة استصلاح الأراضي الصحراوية قال ” فياض” أنها كانت تصل في 2015 الي 250 ألف جنيه للفدان من تسوية وري وتحسين صفات التربة ، أما عامل المياه ومحدوديته فيحتاج الي إدارة المفترض أنها إدارة تحسين الموارد والتي لا تقم بشىء، بخلاف الاستثمارات الزراعية التي تصل الي 3% فقط من الاستثمارات في مصر.
ولفت ” فياض” إلي ان السياسات الزراعية في مصر تسعيرية وتسويقية وتمويليه تضع الفلاح في مهب الريح، وهو ذو قدرات محدودة حتي أن بنك التسليف الزراعي أو كما يسمي الآن ” البنك الزراعي المصري” يدار بعقلية البنوك التجارية ولا يضع في اعتباره أن الفلاح ليس مستثمر.
وعن أسعار الأسمدة التي تضاعفت منذ تحرير سعر الطاقة قال ” فياض” أن الفلاح يضطر إلى الحصول عليها من التاجر بنظام ” الأجل” مما يعرضه الي البيع في النهاية للتاجر بسعر يحقق له مكسب الي حد ما لا يصل للخشارة في ظل أن الدولة تضع أسعار شراء غير جيدة للمحاصيل كما حدث مع القمح والقطن والأرز.
****
“قلبك جشع وذلك لايليق بك. انك تسرق وذلك لن ينفعك.. حتى هؤلاء الذين اقيموا لمنع الظلم أصبحوا انفسهم ظالمين”
يقول عماد أبو حسين نقيب الفلاحين الزراعيين لـ ” كاتب” أن مشاكل الفلاح لا تعد وهناك الكثير من الفلاحين تركوا مهنتهم الي الأبد ” لأنها مش جايبة همها”، ولفت الي المشكلة الأخيرة الاسبوع الماضي المرتبطة ببذور الطماطم التي وصل سعر الكيلو منها الي 20 ألف جنيه أي بزيادة تصل الي 300 % علي حد قوله، بجانب أنها لم تأت بانتاج بعدما تم استيرادها من اليابان وتساءل عن إشراف الدولة ومعهد البحوث الزراعية.
وقال ” حسين” أنه لا يوجد نظام للتسويق والفلاح متضرر دائما وآخر تلك الأضرار المحاضر التي حررتها وزارة الزراعة ضد فلاحين زرعوا أرز بعدما أزالت ماتم زراعته كما حدث في البحيرة، والأفكار التي تقدمها النقابات لا ينظر فيها ، وتابع “الفلاح المصري في عيده اليوم يحتاج الي إهتمام أكثر من وزارات الزراعة والتموين”