التقرير: الاستغلال الاقتصادي هو أحد الانتهاكات التي تمارسها السلطة ضد المساجين بشكل منهجي.. ولكنها لا تلقى الاهتمام الكافي
المبادرة تقدم قراءة في تضاعف العبء الاقتصادي على أسر المساجين على أثر الموجات التضخمية التي تبعت قرار تعويم الجنيه
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، اليوم الثلاثاء، تقريرًا بعنوان “للبيع في الكانتين: الإفقار العمدي في السجون المصرية- سجن العقرب نموذجًا”.
يلقي التقرير الضوء على أحد الانتهاكات التي تمارسها سلطات السجون في مصر ضد المساجين بشكل منهجي ولكنها لا تلقى الاهتمام الكافي من النقاش العام، وهو الاستغلال الاقتصادي للمساجين من قبل سلطات السجون.
يكشف التقرير عن الطريقة التي أصبحت بها حاجات المساجين اﻷساسية – التي يشترط القانون على سلطات السجون توفيرها – تُباع بأسعار باهظة لصالح أرباح الكانتين، وكيف تضاعف هذا العبء الاقتصادي على أسر المساجين على أثر الموجات التضخمية الي تبعت قرار تعويم الجنيه في نهاية العام 2016 وما تلاه من قرارات التقشف الاقتصادي والتي ظهر أثرها بشكل غير متناسب على المساجين وأسرهم.
اعتمد هذا التقرير على البحث الميداني والنظري، وعلى مراجعة قانونية وتحليل التشريعات المرتبطة باﻷمر محليًّا ودوليًّا. بدأ البحث كمشروع للتحقيق في تأثير التضخم الاقتصادي الحالي على الحياة خلف القضبان مع الاعتماد المتزايد على “الكانتين” لتوفير الحاجات الأساسية للمساجين.
خلال البحث أُجريت 15 مقابلة مطولة بين مايو وأكتوبر 2017، حيث كرر أهالي المساجين الشكوى من كانتين السجن. اتخذ التقرير كانتين سجن “العقرب” نموذجًا، ولكنه يبحث أيضًا في انتشار وتوغل دور الكانتين في حياة السجناء وما يترتب على ذلك من عبء اقتصادي عبر السجون المختلفة في مصر ومن ضمنهم مزرعة طرة والمنيا وسجن القناطر.
وينتظم التقرير على النحو التالي: يعطي الفصل الأول خلفية عامة عن التأثير الاقتصادي لقرض صندوق النقد الدولي على السجون عبر تعقب التاريخ المحلي والدولي لتقشف السجون (وتسليع حاجات المساجين اﻷساسية بهدف الربح). يستكشف هذا الفصل كيفية معايشة آثار قرض صندوق النقد الدولي داخل السجون في صورة تضخم أسعار الكانتين المتضخمة أصلًا، ومعاناة المساجين وعائلاتهم من التعويم والتضخم الحاد.
يقدم الفصل الثاني خلفية عامة للانتهاكات التاريخية والقائمة في سجن “العقرب”. يشير إلى سياسات السجن منذ تأسيسه عام 1993 في إطار السياسات شديدة الحراسة في بداية القرن الحادي والعشرين.
يستمر الفصل في التركيز على انتهاك حقوق المساجين في استقبال الزيارات (وكيف يرتبط هذا بحصولهم على احتياجاتهم اﻷساسية)، ويشمل جدولًا زمنيًّا لمنع الزيارات والانتهاكات في “العقرب” خلال اﻷعوام الثلاثة الماضية استنادًا إلى شهادات العائلات والشكاوى التي تقدموا بها إلى المجلس القومي لحقوق اﻹنسان. يتعقب الجدول الزمني الانتهاكات حتى اللحظة الراهنة حيث وُضع نظام “تسجيل الزيارات” خصوصًا في “العقرب”، بما يحرم المساجين من حقهم في استقبال زيارات منتظمة، ويقلص عدد الزيارات في سجن يحوي أكثر من 1000 مسجون إلى 15 زيارة فقط كل يوم.
أخيرًا، يبتعد الفصل الثالث عن اﻷدبيات المتاحة حول “العقرب” عبر التأكيد على أن الاستغلال الاقتصادي الذي يحدث في السجن يمثل أيضًا أحد أشكال الانتهاكات التي تقوم بها سلطات السجن، وترقى إلى اﻹفقار العمدي بواسطة وزارة الداخلية ضد جموع مساجين “العقرب”.
وعبر التركيز على حالة كانتين سجن “العقرب” والذي تتركز وتتكثف فيه الانتهاكات الموجودة في السجون الأخرى، يخلص التقرير إلى توصيات ﻹنهاء الاستغلال الاقتصادي في “العقرب” وإدخال ضمانات قانونية لمنع وزارة الداخلية من القيام بممارسات مماثلة ﻹفقار وتجريد المساجين عبر مختلف السجون.
ويكرر أقارب المساجين شكاواهم من الكانتين أثناء محادثات دارت حول تأثير التضخم الاقتصادي الحالي على عالم ما وراء القضبان. على الرغم من هذا، يكشف مسار البحث تحيزًا مضمرا في منهجية التقرير، فبالرغم من اعتماد المساجين السابقين الذين أجريت المقابلات معهم أو أقاربهم على الكانتين بدرجات وميزانيات متباينة، لم يكن أيٌّ منهم غير قادر على تحمل المصاريف بشكل كامل.
بالإضافة إلى أن عددًا من اﻷقارب استرجع حكايات لأقارب مساجين لم يستطيعوا دفع أي أموال إلى الكانتين أو إحضار طعام أثناء الزيارات، فإن هذه الروايات, وما يترتب عليها من تحليل يختص بقدرة المساجين المنتمين إلى طبقات اقتصادية متباينة على تحمل التكلفة, يأتي من شهادات منقولة وليس من مقابلات مباشرة مع اﻷقارب أنفسهم.
كذلك من ضمن أوجه القصور، هو أن اعتماد دراسات السجن على مقابلات مع أقارب المساجين يتسبب في استبعاد الخبرات المباشرة لأولئك الذين لا أقارب لهم يحاولون زيارتهم سواء بانتظام أو بشكل متقطع، وهو ما يمثل بقعة عمياء بالنسبة إلى هذا التقرير.
أخيرًا، كل من أجريت مقابلات معهم تحدثوا عن خبرات السجن السياسي (وليس الجنائي). يأتي اﻷخير عادة من طبقة محرومة اقتصاديًّا، حيث يضطر عدد منهم إلى العمل داخل السجن لدعم عائلاتهم وليس العكس. ولهذا، فإن دراسة الاستغلال الاقتصادي للمساجين الجنائيين من خلفيات اجتماعية مختلفة في الأبحاث المستقبلية يعد تكملة ضرورية لهذا البحث.