في 14 فبراير 2005، تم تفجير موكب رفيق الحريري في لبنان. أعقب التفجير اتهام سوريا بأنها المسؤله عن الحادث و أن سوريا تحاول ان تغير التوازن السياسي في الداخل اللبناني لصالحها عن طريق الاغتيالات عبر حليفها في حزب الله. أعقب ذلك ممارسة ضغوط دولية ضخمه علي سوريا سواء في التحقيقات أو علي المستوى السياسي. وانتهي الامر بخروج القوات السورية من لبنان، و ضعف الوضع السوري في المنطقة.
حادثة رفيق الحريري تشبه كثيرا جدا، مقتل جمال خاشقجي، فخاشقجي معارض مقيم بين تركيا والولايات المتحدة، وهو أحد المعارضين لنظام محمد بن سلمان، وهو ما يعني أننا في انتظار ربما سيناريو مشابه، فكلا الحادثين تم فيه اتهام دول محدده، وأعقبه ضغوط شديدة دبلوماسية.
وتكمن خطورة التهمة في حالة خاشقجي (الاغتيال في المقار الدبلوماسية) انها تمثل انحرافا في السياسة الدولية وخروجا عن النص بتحويل السفارات من مقار للدبلوماسية إلى مقار اعتقال واغتيالات تحت مظلة الحماية الدبلوماسية.
في الحالة السوريا، كانت النهاية هي إضعاف الوضع السوري، وتقويض سلطتها علي لبنان. وهي نفس النتيجة المتوقعة في الوضع السعودي. فالرجل الممسك بالسلطة “محمد بن سلمان” جال في المنطقة “من اليمن الي سوريا إلى أن يصبح طرفا في أزمة خليجية، وبعض هذه السياسات غير مقبول، خصوصا في اليمن وكذلك احتجاز رئيس الوزراء البناني “سعد الحريري”.
ظهرت محاولة من السعودية أمس الاول لاحتواء الاوضاع عبر اقالة مستشار الملك الخاص “القحطاني” من كل المناصب الرسمية السعودية. ولكن هذا لم يكن كافيا للغرب فالقحطاني ليس بيديه قرار فعلي بل مستشار.
هذا المعنى أكدته صحيفة هاآرتس الاسرائيلية والتي خرجت لتقول ان محمد بن سلمان انهي حياته السياسية قبل ان تبدأ. و انه من المتوقع استمرار الضغوط علي السعودية والتي لن تنتهي الا بتغير جذري في السياسات عن طريق تغير طريقة صناعة القرار والأشخاص القائمين عليه و ليس عن طريق تقديم كبش فداء.
لكن هل تستطيع السعودية الاستمرار في سياساتها ومقاومة الضغوط؟
نشرت حسابات قريبة من صناعة القرار السعودي جمله تحذيرات سعودية اذا قام المجتمع الدولي بفرض عقوبات. تتمثل التحذيرات أربع قطاعات
النفط، و عقود شراء السلاح، الترتيبات السياسية و الامنية، العلاقات الامنية لمحاربة الاٍرهاب.
واقعيا، سنجد ان عقود النفط سوف ترتفع في حاله العقوبات علي السعودية لفترة، وسوف يتأثر بالضرورة الاقتصاد الامريكي والعالمي. و لكن هذا التأثر سيكون مؤقتا، وذلك لعدة أسباب منها وجود مصادر طاقة أخرى بديلة بالفعل علي المستوي العالمي “كالغاز الطبيعي”، ووجود دول أخرى تستطيع أن تسد العجز الناتج عن الانتاج السعودي، والأهم ان نسبه النفط السعودي في انخفاض و اتجاه الولايات المتحدة الي الاعتماد علي النفط المحلي وزيادة إنتاجه. فتأثير النفط في الحقيقة سوف يؤثر علي السعودية لفترة طويلة وعلي المجتمع العالمي لفترة قصيرة المدي.
بالنسبه إلي عقود السلاح، فالسعودية ليس لديها تدريبات ولا قيادات ولا خبرة تستطيع بها أن تتجه إلى الاعتماد علي الصين أو روسيا في السلاح، بالإضافة إلى أن ١١٠ مليار دولار هم في الواقع ليسوا اضافة للاقتصاد الامريكي. فهي عقود مع البنتاجون و ليس شركات منتجة.
أما التغيرات السياسية أو الاتجاه إلى ايران وروسيا وإقامة منطقة عسكرية روسية.. فهو أمر مستبعد. فأيران هي عدو قديم منذ ١٩٧٩، وروسيا غير مؤتمنه علي استمرار النظام الحاكم. بالإضافة إلي التقارب الروسي الايراني حديثا في سوريا، مما يجعل التعاون الروسي السعودي محل شك.
لا تمتلك السعودية كثير من اوراق الضغط او المقاومة حاليا. فهي ضعيفة داخليا و خارجيا. سقطت كثير من اوراقها في العراق و اليمن و سوريا. و لا يوجد حلفاء حقيقين يمكن الاعتماد عليهم.
كان نتيجة هذه، بداية محاولات جس النبض مع النظام التركي و وصفه “العلاقات الوثيقة بين البلدين”، ثم موافقة السعودية علي لجنه مشتركة للتحقيق “سعودية و تركية”. ثم محاولة إرجاع الطلاب السعوديين الي كندا مره اخري لتهدئه العلاقة، ثم عزل القحطاني من منصبه في الديوان الملكي السعودي.
و في نفس الوقت، بيان مشترك من فرنسا و انجلترا و المانيا “اقوي ثلاث دول في اوروبا”، و ضغوط أمريكية و عدم قدرة ترامب عن الدفاع عن السعودية “الضغوط من الكونجرس بحزبيه الديمقراطيين و الجمهوريين”.
كيف يمكن الخروج من الأزمة؟
المجتمع الدولي يمارس ضغوط هائلة علي السعودية حفاظا علي اتفاقية جينيف، و منع تحويل مقار البعثات الدبلوماسية الي مقارات تعذيب و قتل. فالثمن لتغير السياسات يكون باهظا في كثير من الأحوال، و غالبا يحتوي علي تغير أشخاص.
ليس بالضرورة تقديم شخص الي المحاكمه، و لكن الأهم هي ضمان احتواء الانفلات السياسي السعودي علي المستوي الدولي.
لا يريد المجتمع الدولي إسقاط النظام السعودي، وهذا يعني أن ولي العهد عليه ان يتقدم باستقالته، أو يتم مشاركة أشخاص آخريين للحكم معه مما يقلص سلطاته بشدة.
الوضع مازال قيد المباحاثات، وهناك الكثير من الحقائق وتوازنات القوي تحت الاختبار. مراقبه التصرفات ومحاولات التهدئة هي ما تحدد اتجاه سير الامور ليس فقط في الداخل السعودي و لكن في الخارج ايضا.