75% عجز في استيعاب البنية التحتية للقطاع الداجني يقلب الكفة لصالح الاستيراد.. ومخاوف من إغلاق 70% من المزارع الصغيرة
نقيب البيطريين السابق: ما سر التسرع في إصدار القرار على الرغم من فداحة عجز البنية التحتية لسوق الدواجن؟
متحدث الزراعة: لن يتم تحديد تسعيرة جبرية وستظل الأسعار خاضعة لبورصة الدواجن.. وتطبيق القرار خلال شهرين
أصحاب محلات دواجن: أتمنى أن تتراجع الحكومة عن قرارها لما فيه خسارة كبيرة لنا وقطع مصدر رزق الصنايعية
بين مواجهة ارتفاع الأسعار واستبدال الدجاج بالهياكل، والخوف من الاحتكار، ومخاوف أخرى، جاء القرار حكومي بمنع تداول الطيور الحية، ليثير التساؤلات، هل يفتح الباب أمام الممارسات الاحتكارية ويزيد من أعباء الناس؟
تشهد طاقة استيعاب البنية التحتية للقطاع الداجني عجزا فادحا بنحو 75%، لتنقلب الكفة لصالح الاستيراد فضلا عن قرارات باعفاءات جمركية عليه، والمحصلة أن 70% من المزارع الصغيرة والمتوسطة ستُغلق، مما يعني أن قطاعا حجم الاستثمارات فيه تبلغ 64 مليار دولار، ويعمل به نحو 3 ملايين سيقضي نحبه.
أرسلت وزارة الزراعة، مطلع الشهر الجاري، خطابات للمديريات والمحافظات كافة بتفعيل القانون رقم 70 لسنة 2009 والذي يجرم تداول الطيور والدواجن الحية، والاستعاضة عن ذلك ببيع الدواجن المجمدة والمبردة، المذبوحة في المجازر والأماكن المرخص قانونا والمُحددة من قبل الوزارة، ولم تصدر اللائحة التنفيذية للقانون بعد.
تساءل الدكتور سامي طه، نقيب البيطريين السابق، في تصريحات لـ «كاتب» عن سبب تسرع منى محرز، نائب وزير الزراعة للثروة الحيوانية، في إصدار القرار في الوقت الحالي، على الرغم من أن البنية التحتية لصناعة الدواجن تعاني من عجز شديد، ابتداءا من المجازر التي لا تستوعب سوى 25% فقط مما تُنتجه المزارع يوميا، والذي يُقدر بحوالي 2 مليون طائر، مرورا بعجز الطاقة الاستيعابية لمخازن التجميد والتبريد، والمُقدر بـ 85%، انتهاءا بسيارت النقل ومنافذ البيع، وقال طه إن” القرار عمليا سيؤدي إلى أن تغلق نحو 75% من المزارع الصغيرة والمتوسطة، بينما سيصبح المستفيد الوحيد كبرى المزارع والشركات المستوردة”.
وأعرب طه عن عدم منطقية إعلان الوزارة أنها خلال شهرين فقط ستتم استعدادها لبدء تنفيذ القرار، موضحا أن عشر وزراء زراعة متعاقبين، منذ إصدار القانون رقم 70 سنة 2009 إلى الآن، لم يستطيعوا تجهيز البنية التحتية لتصبح مناسبة لتطبيق القرار “فما لم تفعله الوزارة خلال 9 أعوام، ستفعله الآن خلال شهرين فقط”.
ويُذكر إلى أن القانون رقم 70، صدر في مايو من العام 2009 إبان موجات إنفلونزا الطيور التي اجتاحت مصر حينها، وتم تفعيله لمدة عامين، عانى خلالها من مشكلات عدة متعلقة بالتطبيق، منها التهريب، وعدم تطبيقه بشكل كامل، ثم توقف العمل به خلال أحداث ثورة يناير 2011، إلى أن أصدرت الوزارة قرار إعادة تفعيله مطلع الشهر الجاري.
وأضاف طه أن العجز، الذي سينشأ جراء تطبيق القرار، في تلبية احتياج السوق المحلي، سيتم الاستعاضة عنه بالاستيراد بالعملة الصعبة، مما يزيد من أعباء الاقتصاد القومي، على عكس ما يتم الترويج له، فضلا عن القضاء على ما تبقى من الصناعة المحلية، المقدر الاستثمارات فيها بنحو 64 مليار جنية.
وأصدر مجلس الوزراء، الأربعاء الماضي، قرارا بإعفاء كمية قدرها 100 ألف طن دواجن مجمدة مستوردة من الرسوم الجمركية، ومن المقرر استيرادها من قبل الشركة القابضة للصناعات الغذائية، ويستمر العمل بالإعفاء الجمركي خلال عامّي 2019 و 2020، لتُطرح بالمنافذ التموينية والمجمعات الاستهلاكية.
وشدّد طه على ضرورة وضع الرقابة على المجازر نصب أعيننا، ضمانا للأمن الحيوي، وهو ما يعد احتمال انتهاكه أكبر في حال الدواجن المستوردة “فلا أحد يعلم كيف دُبحت، أو هل دُبحت بالأساس أم ماتت، ولا ماهية ظروف التخزين والنقل عبر السفن”.
يُقدر العاملين بصناعة الدواجن المحلية بما تتضمنه من مدخلات ومخرجات العملية الانتاجية برمتها بنحو 3 مليون عامل، بحسب نقيب البيطريين السابق، باتوا يعانون من قلق متزايد بشأن مستقبل لقمة عيشهم.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة، حامد عبد الدايم، في تصريحات سابقة لـ«كاتب» أن القرار لم يدخل حيز التنفيذ بعد، وأن الوزارة بصدد الانتهاء من التأكد من جاهزية المجازر وطاقتها الاستيعابية بالإضافة إلى إعطاء مهلة للتجار لتوفيق أوضاعهم، فيما أكد أن لن يتم تحديد تسعيرة جبرية، وستظل الأسعار خاضعة لبورصة الدواجن.
ويقول سامح، صاحب محل لبيع الطيور الحية، أنه سيغير النشاط بالكامل مع بدء تطبيق القرار، متسائلا “ماذا سيميزنّا عن ما يتم بيعه في ثلاجات السوبر ماركت من دواجن مجمدة؟” مضيفا إلى أن القرار يتعارض مع رغبة كُثر يفضلون الدجاج حي، وهو ما اعتبره فرض نمط مختلف لا يتفق مع ذوق الزبائن، وما سيفتح الباب للاستمرار في بيع الطيور الحية ولكن بشكل متخفي، موضحا أنه البعض سيلجأ إلى الشقق باعتبارها متوارية عن الأعين، متوقعا ذلك سيفتح بابا جديدا للرشاوي، في حال اكتشف الأطباء البيطريين المكلفين بالتفتيش على المحلات المخالفة، تلك الشقق، وهو ما سيكون محصلته ارتفاع أسعار الدواجن.
يُشار إلى أن المادة الثالثة من القانون والمتعلقة بالعقوبات تنص على معاقبة المخالفين بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 1000 جنيه، ولا تزيد عن 10000 جنيه، فضلا عن مضاعفة العقوبة في حال تكرار المخالفة. ويُقضى، حال الإدانة، بمصادرة الطيور والدواجن لحساب وزارة الزراعة، وغلق المحل لمدة 3 أشهر، ويصبح الغلق نهائي إذ تكررت المخالفة.
ويرى آخر صاحب محل طيور، يُدعى عبدالرحمن، أنه سيخسر كثيرا حين يطبق القرار، ويقول “أتمنى أن تتراجع الحكومة عن قرارها لما فيه خسارة كبيرة لنا وقطع مصدر رزق الصنايعية” مضيفا أنه “لديّ أدوات، من أقفاص وغيرها، في المحل تبلغ تُقدر بثلاثين ألف جنيه، حين تصبح عديمة الجدوى بعد تطبيق القرار، ستباع بالكيلو كخردة بأقل من ألفي جنيه؛ فما ستعطيه لي الوزارة باليمنى، عبر القروض الميسرة لشراء ثلاجات، سأخسره باليسرى”، ونفى عبدالرحمن أن يكون أحدا من الوزارة تواصل معه أو غيره حول توفيق أوضاعه كبائع طيور.
فيما يُذكر أن منى محرز، نائب وزير الزراعة للثروة الحيوانية، قالت في تصريحات لها لإحدى البرامج التلفزيونية، إن الوزارة بالتعاون مع جهاز تنمية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ستوفر قروض ميسرة لأصحاب محال بيع الطيور الحية، بغية شراء ثلاجات تمهيدا لتحويل نشاطهم إلى عرض مجمدات ومبردات.
قال محمد نجيب، أحد تجار التجزئة، إن القرار هو”خراب بيوت” للتجار إذ أن ذلك النشاط مصدر رزقنا الوحيد، القرار خراب، وأضاف “لا أعلم إلى الآن ماذا سأفعل جديا حين يبدأ القرار في حيز التنفيذ”، مشيرا إلى أن القرار يقضي على ما تبقى من صناعة الدواجن المحلية، أكثر مما هي متضررة بالأساس، ويرى أنه في المقابل تشجع الحكومة المستورد من الدواجن، ويرى نجيب أن القرار يعزز الاحتكارات في قطاع الدواجن، مما سيدفع بفرض المحتكر للسعر الذي يحقق الربح الذي يرضيه، وهو ما سينتهي بزيادة الأسعار.
وبحسب الإدارة المركزية للمجازر والصحة العامة بوزارة الزراعة، فإن مصر بها 322 مجزرا مرخصا للدواجن منها 48 مجزرا آلى و202 مجزرا يدويا، و72 مجزرا نصف آلي قادرة على استيعاب 3 ملايين طائر يوميا في حالة العمل 8 ساعات.
وأوضح نجيب أن المجازر، في حال تطبيق القرار، ستصبح حجر الزاوية في تجارة الدواجن، إذ أن صاحب المجزر سيتعاقد مع المزارع التي تروقه ويفرض سعره، بالإضافة إلى كونه في الأغلب سيستغني عن تجار التجزئة أو الموردين، وسيلجئ لشراء عربات تابعة له تقوم بالتوزيع والشراء من المزارع مباشرة.
وطالب نجيب وزارة الزراعة بتيسير والشفافية في إجراءات الحصول على الترخيص اللازم لإنشاء مجزر، مشيرا إلى الفساد في الوزارة المتعلق بالرشاوي التي تصل قيمتها إلى نصف مليون جنيه للحصول على التصريح، وهو ما يُشجع ويعزز الاحتكار لصالح كبار ممتلكي المجازر. وأوضح أنه حتى في حال تحقق ذلك ستظل المنافسة غير متكافئة إذ أن كبار المجازر والمزارع تابعة للقوات المسلحة، مثل شركة وطنية، والتي لا تدفع ضرائب أو جمارك على الأعلاف، وهو ما يجعل تكاليف الإنتاج متفاوتة بدرجة كبيرة”.
وعن أجزاء الدواجن، الذي يشمل الأجنحة والأرجل وحتى الهياكل، يُبين نجيب أنه ما كان يتوفر في السابق من فتات الدجاج لهؤلاء ممن لا يستطيعون شراء دجاجة كاملة، سيصبح بعيد المنال قريبا؛ إذ أن المجازر التي تنتج أعداد كبيرة مقارنة بإنتاج كل محل على حدة، ستُفضل تصدير أرجل الفراخ، والتي تتميز بربحية تفوق تجارة الدواجن نفسها. بينما الهياكل التي من المفترض أن يتم إعدامها أو تحويلها لسماد عضوي، على أرض الواقع، تدخلها المجازر بعد فرمها في اللحوم المصنعة والمعَالجة.
وهاجم الحاج محمد، أحد تجار التجزئة، في القاهرة، حجة وزارة الزراعة في قرارها أنها درءا للتلوث البيئي وانتشار الأمراض، متسائلا، لماذا لا تُفرض نفس إجراءات ضمان الصحة على المجازر، التي تقوم بشراء ما يُعرف بالـ”صردة” من المزارع، وهي الدجاجة المريضة الموشكة على الموت، بأقل من نصف السعر، ثم تضع المجازر تلك الدواجن في أحواض بها كيماويات مثل الكلور، فتخرج الدجاجة بدون أي آثار للمرض، ثم تعبئتها. مضيفا، أنه في المقابل لا دليل على صحة الدجاجة أقوى من تحملها النقل، وهيئتها الصحيحة التي لا تغفلها عين في محال الطيور الحية، إذ أن الدواجن البيضاء على سبيل المثال لا تتحمل، مع مرضها، النقل والعرض لأيام، وستنفق فورا”.
وبالحديث عن مصير العمال بمحال بيع الطيور الحية، المسؤولون عن مهام الذبح والتقطيع، يقول رئيس الشعبة الداجنة بالغرفة التجارية، أنه مع تطبيق القرار ستحتاج المجازر لعمالة أكبر وهو ما سيجعلها تستوعب تلك العمالة المسرحة من محال بيع الطيور الحية.
بينما يقول بندق، أحد تجار التجزئة، أنه هذا الأمر ليس سوى”ضحك على الدقون” موضحا أن المجازر الآلية والنصف آلية تعتمد عملية تجهيز الدواجن فيها، بدءا من الذبح مرورا بإزالة الريش والتقطيع والخليّ، على الآلة، ولا يحتاج المجزر سوى لعدد بسيط جدا من العمال، مهامّهم تقتصر على وضع الدواجن على السير وأعمال مشابهة بسيطة، وأشار إلى أن الفارق الوحيد بين المجزر الآلي والنصف آلي هو خليّ الدجاجة من العظام.
وصرح عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن لـ«كاتب» أن القرار في مرحلة تطبيقة الأولية سيشمل نطاق القاهرة الكبري فقط، وأضاف السيد أن التحدي الحقيقي أمام الوزارة هو تلافي المشكلات التي وقعت أثناء تطبيقه سابقا، قبل أن يُعطل العمل به، وأهمها تهريب الدواجن إلى داخل القاهرة الكبرى، والالتفاف على الكمائن المكلفة بالتأكد من حصول الدواجن المحملة على التراخيص.