الورقة البحثية: السلطة تسيطر على وسائل الإعلام من خلال تغير البيئة التشريعية.. وصفقات الاستحواذ لم تعلن في بيانات رسمي
حرية الفكر والتعبير: مصر تشهد منذ أربعة أعوام تحولات في المشهد الإعلامي تهدف لمزيد من السيطرة والرقابة
المركز يستند على صفقة الاستحواذ على شبكة قنوات “الحياة” وشركة “إعلام المصريين”
أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ورقة بحثية، بعنوان “تحت الشبهة.. من يراقب ملكية وسائل الإعلام في مصر”، تناولت دور المجلس الأعلى للإعلام في الرقابة على تمويل المؤسسات الإعلامية، وأيضا صفقات الاستحواذ على وسائل الإعلام بالإضفة إلى التحولات في المشهد الإعلامي.
وتطرقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، خلال ورقتها البحثية صفقتين تم إبرامهِما بعد إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام – الذي صدر قرار تشكيله في أبريل 2017 – والمنوط به مراقبة مصادر تمويل المؤسسات الإعلامية.
ورأت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن السلطة التي كانت قيد التشكل خلال الأعوام الأربعة السابقة، استهدفت إعادة السيطرة على وسائل الإعلام، من خلال تغيير البيئة التشريعية المنظمة للإعلام، وإعادة رسم خريطة ملكية وسائل الإعلام.
ولفتت المؤسسة إلى أنه في سبتمبر 2017، أعلنت مجموعة “تواصل”، وهي إحدى شركات مجموعة “فالكون” للخدمات الأمنية، استحواذها على شبكة قنوات “الحياة” الفضائية.
كما تناولت المؤسسة عن إعلان شركة إيجل كابيتال للاستثمارات المالية، في ديسمبر 2017، عن نجاحها في الاستحواذ على حصة رجل الأعمال، أحمد أبو هشيمة، في شركة إعلام المصريين.
وأشارت المؤسسة إلى أن البيانات الرسمية المتعلقة بتلك الصفقات لم يتم إتاحتها، ما يعني أن السلطة الحالية تفرض إطارا محكما من السرية حول مصادر تمويل هذه الصفقات.
ولفتت المؤسسة إلى أنه كان من المفترض أن تجذب مثل تلك العمليات الواسعة لانتقال الملكية في سوق الإعلام المصري انتباه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ولو على مستوى الاستيثاق والتحقُّق من سلامة مصادر تمويل تلك العمليات، والتأكد من غياب أي ممارسة احتكارية، أو إجراءات من شأنها الإضرار بحرية المنافسة والتنوع والتعددية.
وأوضحت أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بوضع وتطبيق نظام مراقبة مصادر التمويل في الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية، بما يضمن شفافية وسلامة هذا التمويل.
وطالبت المجلس الأعلى للإعلام أن يتحمل مسئولياته التي نصَّ عليها قانون المجلس ولائحته التنفيذية ووضع وتطبيق نظام مراقبة مصادر التمويل في الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية، بما يضمن شفافية وسلامة هذا التمويل، ومراقبة تنفيذه بالاشتراك مع الجهات والأجهزة المعنية.
وفيما يخص التحولات في المشهد الإعلامي، تشهد مصر منذ أربعة أعوام تقريبًا تحوُّلات واسعة على كافة المسارات؛ ومن بين المجالات التي شهدت تحوُّلات جذرية كانت قطاع الإعلام بمختلف صوره مرئي، مسموع، ومقروء، بحسب المؤسسة.
ورجحت المؤسسة أن السلطة، التي تشكلت إبان وصول الرئيس السيسي للحكم، أدركت أهمية وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام، إلى جانب دورها المتطور كأحد أهم وسائل الحشد والتعبئة، لافتا إلى أن هناك سلطة قيد التشكل تحاول بدأب السيطرة على الإعلام، وتواجه في سبيل ذلك صعوبات، بسبب زيادة عدد وسائل الإعلام، التي خلقتها ثورة يناير 2011، وارتفاع سقف الحريات بشكل غير مسبوق، ووفرة الإنتاج الصحفي والإعلامي وتعدد مصادره، ودخول وسائل التواصل الإجتماعي على الخط باعتبارها منصات لتداول الأخبار الصحفية والإعلامية، وتتميز بتفاعل لحظي.
وتابعت المؤسسة: “إذا كان المُستهدف إعادة هيكلة بنية الإعلام المصري بالكامل وتغيير خريطته، بما يُمكِّن من إعادته لخدمة السلطة الجديدة، وجرى العمل على قدم وساق في مسارين؛ الأول تغيير البنية التشريعية الحاكمة للمشهد الصحفي والإعلامي، ما أدى إلى إنشاء هيئات جديدة تقوم على تنظيم شئون الإعلام، وفقا لنصَّ الدستور المصري 2014 في مادته 211 الذي حدد اختصاصهما”.
وألغى نفس الدستور وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتلفزيون واستبدلهم بالمجلس الأعلى للإعلام و الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، على الترتيب.
أما المسار الثاني فكان إعادة ترسيم خريطة سوق الإعلام المصري بما يضمن السيطرة على كافة المنابر والمنصات التي تخاطب الجمهور، من خلال إحكام السلطة الحالية لملكية وسائل الإعلام. وهذا ما تناقشه الورقة بتركيز أكبر، وتحاول ربطه بالتغيرات في البيئة التشريعية المنظمة للإعلام.
ورأت مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يخضع لهيمنة من قبل رأس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية)، ما يعد نزعا لاستقلالية الأعلى للإعلام، ويؤدي إلى ارتهان سياسات المجلس بتوجهات رئيس الجمهورية.
وأشارت إلى أن تشكيل المجلس الأعلى شمل على عضوية رئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وفقا للمادة السادسة من القانون.
الاستحواذ على قناة الحياة
وبشأن صفقات الاستحواذ، تناولت الورقة البحثية تفاصيل استحواذ فالكون على قنوات الحياة، ففي مساء الثلاثاء 12 سبتمبر 2017، أعلنت مجموعة “تواصل”، إحدى شركات مجموعة “فالكون” للخدمات الأمنية وشركة “سيغما” للإعلام، توقيع الطرفين اتفاقية إطارية تستحوذ من خلالها الأولى على شبكة قنوات “الحياة” الفضائية.
وأوضحت المؤسسة أن الاتفاقية تم توقيعها بين الجانبين السيد البدوي، رئيس مجلس إدارة شركة سيغما للإعلام وهو رئيس حزب الوفد، وشريف خالد رئيس مجلس إدارة مجموعة “تواصل”، وكيل المخابرات الحربية سابقاً.
وكشف البدوي أن قيمة صفقة بيع شبكة تلفزيون “الحياة” لشركة “تواصل”، بلغت مليارًا و400 مليون جنيه (80 مليون دولار). وقال إنّ ديون القناة كانت قد تخطَّت المليار جنيه (57 مليون دولار) خلال الفترة الماضية، وجرى توجيه معظم إيراداتها لسداد مديونيات مستحقة على القناة.
وتأسست شركة “فالكون” في العام 2006، ولكن تصاعد دورها عقب ثورة 25 يناير 2011، حيث تٌغطي محافظات مصر من خلال 14 فرعًا، ويزيد عدد موظفيها عن 22 ألفًا، ومن أبرز مهامها تأمين الجامعات والشخصيات العامة والمكاتب الأممية والسفارات الأجنبية والمباريات الدولية.
وكان أبرز أدوار”فالكون”، تأمين حملة المرشح الرئاسي في انتخابات 2012 أحمد شفيق، وحملة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في انتخابات 2014. ويرأس مجلس إدارة الشركة اللواء شريف خالد، وهو وكيل سابق لجهاز المخابرات الحربية، ورئيس قطاع الأمن الأسبق باتحاد الإذاعة والتلفزيون.
ونوهت المؤسسة إلى أن شركة هوم ميديا للإعلام التابعة لشركة فالكون للخدمات الأمنية والمالكة لمحطة “DRN” الإذاعية، قد استحوذت كليًا على شبكة قنوات العاصمة الفضائية في صفقة تم الانتهاء منها فى الآونة الأخيرة.
الاستحواذ على إعلام المصريين
وعن صفقة الاستحواذ على إعلام المصريين، أعلنت شركة إيجل كابيتال للاستثمارات المالية، 18 ديسمبر 2017، عن نجاحها في الاستحواذ على حصة رجل الأعمال، أحمد أبو هشيمة، في شركة إعلام المصريين للتدريب والاستشارات الإعلامية ش.م.م، والمالكة لعدد من الجرائد والمواقع الإخبارية، بالإضافة إلى شبكة قنوات ON الفضائية.
تأسست شركة “ايجل كابيتال” للاستثمارات المالية في نهاية العام 2016، وهي شركة غير مُقيَّدة بالبورصة المصرية، تشبه الصناديق الاستثمارية فيما يتعلق بنشاطها، حيث تستحوذ على بعض الكيانات والمؤسسات من أجل تطويرها وبيعها مرة أخرى والاستفادة من الاستثمار فيها، ويترأس مجلس إدارتها داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار السابقة، وزوجة محافظ البنك المركزي طارق عامر.
بعد إتمام الصفقة، انتقلت ملكية عدد من المؤسسات الإعلامية، والتسويقية والقنوات الفضائية إلى ملكية “إيجل كابيتال”، ومنها: “صحيفة اليوم السابع، جريدة صوت الأمة، مجلة عين، مجلة إيجيبت توداي، مجلة “بيزنس توداي”، بريزنتيشن سبورت، موقع “انفراد” الإخباري، موقع “دوت مصر” الإخباري”، بالإضافة إلى شبكة قنوات ON الفضائية، التي تضم قنوات “ON E وON Live وON Sport وON Drama”.
وكانت “إعلام المصريين” قد أعلنت في عام 2016، توقيع اتفاقًا مع بنك الاستثمار “أف. إي. بي كابيتال” لتولي عملية إعادة هيكلة الشركة، تمهيدًا لطرح أسهمها في البورصة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “اف. إي. بي كابيتال” عمر المغاوري، إن شركته ستقوم بعملية الهيكلة المالية لمجموعة “إعلام المصريين” وكافة الشركات التابعة لها بغرض تحقيق التكامل بين الأنشطة في الشركات المختلفة وتحقيق وفورات مالية، تمهيدًا للقيام بطرح المجموعة في البورصة المصرية.
بالعودة للوراء؛ وبالتحديد الأحد 15 مايو 2016، وقَّع رجلا الأعمال أحمد أبو هشيمة ونجيب ساويرس عقد استحواذ شركة إعلام المصريين (ش.م.م) على كامل أسهم قناة ” أون تى فى” المملوكة لنجيب ساويرس. وأصدرت شركة إعلام المصريين بيانابعد التوقيع ، كما أشارت الشركة فى بيانها إلى أن خطوة الاستحواذ على قناة ON TV ، ستتبعها خطوات أخرى تدعم الهدف الأساسى للشركة وهو استعادة الريادة المصرية وتقديم إعلام تنموي شامل.
ويعود تاريخ قيد شركة ” إعلام المصريين” بالهيئة العامة للاستثمار إلى 2 يونيو 2013 بسجل تجاري رقم 66705 بالهيئة العامة للاستثمار، وذلك وفقًا لوثيقة رسمية حصل عليها أحد المواقع الإخبارية حيث حصل على نسختها الأصلية من مصدر اشترط عدم الكشف عن هويته، بحسب المؤسسة.
وبرز اسم أبو هشيمة في عام 2009 مع نمو استثماراته في مجال الحديد والصلب، ولكن دوره السياسي بدأ بعد ثورة 25 يناير 2011، حين اشترى جريدة «اليوم السابع»، وعُرف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين. وفي أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي أصبح من أشد داعمي الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأبرز ممولي حزب «مستقبل وطن» المؤيد للنظام، فضلًا عن تبرعاته المتتالية لصندوق «تحيا مصر» التابع للدولة. ومنذ 2016 توسع أبو هشيمة في شراء وسائل الإعلام باسم «إعلام المصريين»، وفقا للمؤسسة.
الأعلى للإعلام ومراقبة انتقال ملكية وسائل الإعلام
قالت المؤسسة: “بمراجعة كافة القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للإعلام، وكذلك جميع اللجان التي شكَّلها المجلس لمتابعة مختلف ملفات العمل، لم تتمكن مؤسسة حرية الفكر والتعبير من الوصول لأي تصريح أو موقف أو لجنة جرى تشكيلها لاستيثاق الحقائق وتقصيها، بشأن عمليات الانتقال الواسعة للملكية في سوق الإعلام المصري.”
وأوضحت أنه باستعراض مهام المجلس الأعلى للإعلام، فقد تجاهل مسئوليته تجاه منع الممارسات الاحتكارية ومراقبة مصادر تمويل وسائل الإعلام، وهذا التجاهل لا يُعبِّر فقط عن تقصير في أدائه، وإنما يعبر عن توجه المجلس بتشكيله الحالي لحصر دوره في ممارسة الرقابة على المحتوى الإعلامي والفني، بينما تتراجع أدوراه التنظيمية.
وأكدت المؤسسة أن المجلس انشغل بتوقيع الجزاءات التأديبية على الصحف ووسائل الإعلام لمخالفتها ما يُسميه بأخلاقيات المهنة وآدابها ومقتضيات الأمن القومي، وكذلك تشكيل لجان لرصد ومتابعة الأعمال الدرامية لشهر رمضان، ولجنة لمتابعة البرامج الرياضية، وشراكته مع أكاديمية “ناصر” لتدريب رؤساء تحرير ورؤساء أقسام الصحف المصرية الحكومية والخاصة على مفاهيم الأمن القومي وحروب الجيل الخامس، في الوقت الذي عطل فيه خروج قانون حرية تداول المعلومات على الأقل للنور.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر، في مطلع سبتمبر الماضي، بالتصديق على قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.