دعاء مصطفى تكتب عن رحلة محامية في نيابة أمن الدولة: عن الانقطاع عن العالم والغضب وقلة الحيلة

رئيسية قضايا ساخنة ملفات نرشح لكم

فى الآونه الأخيرة أصبح تعسيف المحامي، منهجا يتبعه النظام، ربما هو نوع من أنواع العقاب لدفاعه عن المغضوب عليهم، حيث جرت العاده عند دخول المحكمة على ترك أجهزه المحمول فى حوزة الأمن على البوابة سواء في معهد الأمناء  أو المحكمة العسكرية وفي بعض الأحيان نمنع من الدخول، ولكن دائما لنيابة أمن الدولة وضع خاص بالنسبة لي.

أشعر بانقباضة منذ المرور من بوابة الحرس بعد التفتيش وسحب اثبات الشخصية والهاتف وكأنى أصبحت محتجزة لعدة ساعات، لا أعلم متى تنتهى؟

 ندخل لممر ضيق وفى آخره غرفة استراحة المحامين أو بالأصح غرفة احتجاز المحامين، ليس بها غير مقعد واحد، وكرسى مكسور، فى مكان يحتجز فيه أكثر من ٢٠ محام يوميا، نسمع عن وجود نقابة ولا نراها وننتظر متهمين ليسوا ككل المتهمين، وتتحول المحاماة إلى عمل بقواعد مختلفة لا يبق منها إلا الفعل العاجز.

 بالأمس غير البعيد كنا نتعامل عن نيابة أمن الدولة، باعتبارها مخصصه للمتهمين الأشد خطورة، ولكن اليوم كلما تلفت فى أرجائها، أجد واحد من الأصدقاء والزملاء، يمثل كمتهم ومن المفترض منى الدفاع عنه، ولكن جميعنا نعلم أن ما يحدث بعيد كل البعد عن القانون، وأصبحنا  نحن والمتهم نعلم أننا جميعنا فى انتظار أمر لا نعرف له موعدا أو مبررا بإطلاق سراحه، صار وجودنا للاطمئنان عليه ورفع حالته المعنوية أكثر من الدفاع عنه.

الصورة العامة تمتلأ بتفاصيل أكثر سوءا، عندما أرى متهما على كرسى متحرك وآخر كهل لايقوى على صعود السلم، وطفل لم يكمل الخامسة عشرة من عمره، وتتعدد الامثله، هل هولاء حقا الارهابيون الذين يهددون الأمن والسلم العام هل هذا الكهل هو من كدر امنكم أو هذا الطفل هو من هدد نظامكم.. هل كل أصدقائي وزملائي الذين لم يعرفوا غير السلمية لغة ولم يهتموا بغير مستقبل أفضل ودولة قانون تطبق على الجميع حتى للمختلفين معهم هم الإرهابيون من وجهة نظركم؟.

أشعر بالعجز عندما أرى قامة اقتصادية كالصديق الخلوق المحترم رائد سلامة، الذى كرس حياته فى إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية.. والنبيل السفير معصوم المحارب السلمى ورفيق العمل هيثم محمدين محامى العمال والغلابه ودكتور عبدالمنعم أبو الفتوح وحسن حسين وجمال عبدالفتاح الذي يقاوم حتى النهاية رغم حالته الصحيه المتدهورة، والطفل نجم الدين الذى مازال صوت بكاؤه يتردد بأذني حتى الآن ..وامل وعبير ونظرات الياس والحرمان من صغارهم.. وقصص ونظرات أمل ويأس يرسلها لنا الكثيرين، ولا نقدر إلا ان نردها بنظرات تعاطف، مغلفة بعجز كامل عن أن نرد بمثلها فجميعنا معلقون بقرار خفي لا نعلم متى سيأتي ولا الزمن الذي نستغرقه على هذه الحالة؟

أنظر لزملائي وبداخلي سؤال واحد، بعد كل هذا العجز وقلة الحيلة، هل مازلنا اسوياء أم أننا نخدع أنفسنا ونتظاهر بذلك كي نستمر وكي نظل قادرين حتى على الحضور برسائل دفء خادعة.

أشعر بالعجز، وأنا مكتوفه اليدين، أعلم أن لا سبيل للدفاع عنهم غير مهمات روتينية نؤديها هدفها الرئيسي الاطمئنان عنهم وان يشعروا ان هناك من يهتم لحالهم..أشعر بالقهر وقله الحيله عندما ارى زملائي و رفقائي واساتذتى وهم يواجهون تهم تفوق الخيال بتشكيل تنظيمات ارهابيه أو الانتماء لهاـ وكل ما استطيع فعله هو طلب إخلاء سبيلهم وانا أعلم أنه طلب غير محقق،..

أخرج من هناك ألملم أذيال الخيبة، استلم هاتفى وأشعر أنى عبرت بإلة الزمن إلى عالم آخر، أو زمن آخر، ومشاغل أخرى، وكأن هناك من ثبت الوقت داخل نيابه أمن الدوله، وكأن العالم خارجها، عالم آخر منعزل عما يجري بالداخل،عالم ملئ بالقهر والعجز وقله الحيلة، عذرا زملائي لنا الله.

Leave a Reply