المنظمة الدولية: تستحق الأمهات اللاتي يقمن بحملات بلا كلل لمعرفة مصير المفقودين كامل دعمنا وتضامننا
أصدرت منظمة العفو الدولية، تقريرها بشأن الاحتجاز القسري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، والذي جاء بعنوان “ليسوا موتى ولا أحياء”، والذي تحدث عن أرقام المختفين في اليمن وسوريا والعراق.
وقالت المنظمة، في مستهل تقريرها: “من إيران إلى الجزائر، من اليمن إلى ليبيا، من سوريا إلى مصر.. وجع واحد نشعر به.. وتستحق الأمهات اللاتي يقمن بحملات بلا كلل لمعرفة مصير المفقودين كامل دعمنا وتضامننا”. وروت العفو الدولية في تقريرها، قصص نساء واجهن عملية الاختفاء القسري لمقربين منهن، بينهن نصيرة ديتور في الجزائر؛ وفي لبنان، اسمها وداد حلواني؛ وفي سوريا، اسمها فدوى محمود.
قالت المنظمة، إنه في مصر “تستخدم الحكومة عمليات الاختفاء القسري كجزء من استراتيجية ممنهجة لقمع المعارضة، وهي تستهدف الآن حتى أسر المختفين قسراً. وكانت آخر مرة رأت فيها حنان بدر الدين زوجها خالد في وسائل الإعلام، وقد أصيبت بعد اشتراكها في إحدى الاحتجاجات في 2013، ولم تستطع الحصول على أخبار عنه بعد ذلك”.
بحسب المنظمة، في 2016، وثّقت منظمة العفو الدولية كيف قام قطاع الأمن القومي باختطاف وتعذيب المئات واختفائهم قسراً في محاولة لتخويف المعارضة السلمية وإسكات أصواتها. ولا تزال هذه الممارسة مستمرة، حيث تواصل قوات الأمن إخفاء المنتقدين قسراً. وفي بعض الحالات، تجد الأسر أقاربها المختفين في المشرحة، بينما تزعم السلطات أنهم قُتلوا في تبادل إطلاق النار
أما الجزائر، تقول العفو الدولية: “تسمى جمعيات دعم ضحايا الاختفاء، مع بعض الاختلافات بـ”عائلات المختفين” – ولكن دائمًا الفتيات، والأمهات، والأخوات، هن اللاتي يتركن يعانين. فمنذ تأسيسها في عام 1998، تسعى الجمعية الجزائرية إس. أو. إس مفقودين (جمعية عائلات المفقودين)، للبحث عن الحقيقة والعدالة لآلاف الأشخاص المفقودين الذين اختفوا خلال الصراع الداخلي الذي اجتاح البلاد في التسعينيات وما بعدها. ووقعت آلاف حالات الاختفاء القسري دون إجراء تحقيق واف فيها”.
وبحسب المنظمة، استخدام كل آلية معروفة للضغط على السلطات الوطنية، تواصلت جمعية إس. أو. أس مفقودين (جمعية عائلات المفقودين) مع الآليات الدولية المتاحة: فتم تقديم أكثر من 4000 حالة إلى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، وعشرات الحالات إلى مجلس حقوق الإنسان واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان بالشعوب.
ونشرت أيضاً الجمعية تقارير وكتب وأفلام وثائقية. فقد واصلن بصبر المطالبة بتحقيق العدالة، كما استمررن في تنظيم الاحتجاجات السلمية في الشوارع الجزائرية على مدى العقدين الماضيين. ولقد تعرضن لكل شيء: التفريق العنيف للاحتجاجات، والاعتقالات، والمضايقات على أيدي السلطات التي، حتى يومنا هذا، تنكر أي مسؤولية.
وقالت نصيرة ديتور، الناطقة باسم الجمعية، والتي اختفى ابنها في 1997، لمنظمة العفو الدولية: “بعد مرور عشرين عاماً على تأسيس الجمعية، مات العديد من أعضائنا، أمهات المختفين، في حالة يأس دون معرفة مصير أحبائهن، بعد أن عشن على الأمل”. وما دمنا على قيد الحياة، فسنناضل من أجل معرفة الحقيقة، ومن أجل تحقيق العدالة للمختفين. وسنواصل المضي قدمًا حتى لو تجاهلتنا السلطات الجزائرية، لأننا نعلم أن العالم قد رآنا، ولا زال يرانا ويسمعنا “.
وفي لبنان، بدأت النساء حملة بحثاً عن أحبائهن المفقودين في 1982، أي في منتصف الحرب الأهلية. وما زلن يقمن بحملات حتى اليوم. فلما يزيد عن 35 عامًا، وهن يحتجن بلا كلل، وينظمن مسيرات، ويحققن، ويقمن بحملات، يدعن إلى حشد التأييد، ويعرضن أفلامًا وصوراً في معارض جماعية في الشوارع. فقد بذلن ما في وسعهن دون توقف.
لقد حددت المنظمات المحلية والدولية مواقع المقابر الجماعية، لكن السلطات ترفض حمايتها. وثمة مشروع قانون للتحقيق في مصير المختفين ينتظر تصويت البرلمان، وقد أعلنت العائلات شهر أغسطس شهر المختفين على أمل تصعيد الضغط لإقرار القانون. فهناك الآلاف لا يزالون في عداد المفقودين.
وبحسب المنظمة، لطالما كانت عمليات الإخفاء عنصراً رئيسياً من دورات العنف العراقية، سواء في ظل الحكم الاستبدادي لنظام البعث السابق، وخلال الغزو الأمريكي وما تبعه من احتلال عام 2003. حيث أن 643 رجلاً اختفوا قبل عامين من غرب العراق.
فقد اختفى آلاف مؤلفة من الرجال والفتيان منذ الحرب ضد الجماعة المسلحة تطلق على نفسها اسم “الدولة الإسلامية” في العراق. وظل العدد الهائل من حالات الاختفاء الأخيرة غير معترف به إلى حد كبير من قبل السلطات العراقية والكردية، فضلاً عن المجتمع الدولي.
ورغم بروز هذه القضية في العراق، فلا توجد آليات مركزية وموحدة لمعالجتها. ويمكن أن يتسبب اختفاء أفراد الأسرة الذكور في كثير من الأحيان في مشقة كبيرة للأسرة تتراوح من عدم الإحساس بالأمن إلى المنع من الحصول على هوية مدنية مما يؤدي إلى الحرمان من التعليم، والحصول على المعاشات التقاعدية، وإتمام عملية الزواج.
وفي ليبيا، تقوم الميليشيات والجماعات المسلحة المنتمية إلى الحكومات المتنافسة باختطاف الرجال والنساء بشكل منتظم من منازلهم أو أماكن عملهم. ويُستهدف الضحايا بسبب آرائهم السياسية المفترضة، أو أصلهم المناطقي، أو مهنتهم، أو ثرواتهم المفترضة من أجل الحصول على فدية مالية.
فجابر زين، الذي اختفى منذ 25 سبتمبر 2016، ما هو إلا مثال بارز على استهداف النشطاء. فقد اختُطف بعد مشاركته بانتظام في مؤتمرات واجتماعات حول حقوق الإنسان، ونشره تعليقات على فيسبوك تنتقد دور الميليشيات في ليبيا، ووضع حقوق المرأة. وحتى الآن، تتقاعس السلطات الليبية عن التصريح عن مكان وجوده، كما أنها لم تجر تحقيقاً قط في حالات الاختفاء القسري، أو الجرائم الأخرى التي ارتكبتها الميليشيات والجماعات المسلحة.
وفي عدن، اليمن، وبعد ظهر يوم حار في أوائل مايو مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية، لاحظ أحد باحثي منظمة العفو الدولية مجموعة من الأمهات اللواتي فقدن أبناؤهن منذ أن اعتقلتهم القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، قبل نحو عامين، تجمعن خارج منزل وزير الداخلية اليمني.
فلا يتم تزويد العائلات بأية معلومات بشأن مكان احتجاز المعتقلين، وتُركن في محاولتهن للتنقل بين أجهزة محيرة لقوات الأمن، حيث تقوم قوات مختلفة بتنفيذ عمليات اعتقال. وقد نظمت أمهات وزوجات وأخوات أولئك المختفين قسراً احتجاجات منذ ما يقرب من عامين حتى الآن، مما جعل التنقل بين أجهزة الحكومة ومكاتب النيابة العامة للحصول على معلومات.
وفي اليمن، رددت إفادات عائلات الضحايا نفس الشعور والتوجه واحدة تلو الأخرى: “ألا ينبغي أن تتم إحالتهم (المحتجزين) إلى المحاكمة؟ فلماذا توجد المحاكم أصلاً؟ لا ينبغي أن يختفوا على هذا النحو، نحن لسنا فقط غير قادرين على زيارتهم؛ بل إننا لا نعرف أصلاَ إذا كانوا على قيد الحياة أم لا”، حيث قالت زوجة أحد المعتقلين الذي احتُجز بمعزل عن العالم الخارجي لأكثر من عامين.
وفي سوريا، فُقد أكثر من 80 ألف شخص منذ بداية الأزمة في 2011؛ إنها حملة متعمدة من قبل الحكومة، نفذت كجزء من هجوم منظم واسع النطاق لمعاقبة السكان المدنيين بشكل جماعي. فتعرض عشرات الآلاف للاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري. ووصفت منظمة العفو الدولية هذا بأنه جريمة ضد الإنسانية. وتعاني الأسر من عذاب لا يطاق من عدم معرفة ما حدث لأقربائها المختفين.
في 2016، اجتمعت قلة من السوريات وأنشأن حركة “عائلات من أجل الحرية”، وهي حركة تسعى إلى التضامن (والمواساة) للضغط على الحكومة السورية والجماعات المسلحة للكشف عن مصير وأماكن أحبائهم – وإعادتهم بأمان. وفدوى محمود واحدة من هؤلاء النساء. ففي عام 2012، اختفى ابنها ماهر وزوجها عبد العزيز في سوريا. “أنا أم ” تقول فدوى، “وابني ليس مجرد ابن لي، بل كان صديقي ورفيقي. لكن لدي اعتقاد بأن يوماً ما سوف يعود ماهر، وكل المختفين إلى سوريا».
أما في إيران، فقد تعرضت الأسر للتهديد والمضايقة والسجن بسبب سعيها لمعرفة الحقيقة، وتحقيق العدالة لأحبائها. ففي السنوات الأخيرة، شرعت السلطات في جهد متعمد لتدمير الأدلة الجنائية المهمة التي يمكن أن تعرقل الحق في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة وتقديم التعويضات. فهي تقوم بتدمير مواقع يشتبه، أو مؤكد، بأن بها مقابر جماعية مما يجعل من المستحيل إثبات الحقيقة بشأن حجم الجرائم وتحقيق العدالة، وتقديم التعويضات للضحايا وعائلاتهم. ففي أحد الأمثلة المروعة من مدينة الأهواز في محافظة خوزستان، قامت السلطات بتجريف موقع مقبرة جماعية من أجل بناء شارع وإنشاء حديقة مباشرة فوقها.
وفي فلسطين، لا يتم الاختفاء القسري بصورة ممنهجة أو على نطاق واسع الانتشار. ومع ذلك، هناك حالات تذكرنا بأن السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية، وإدارة الأمر الواقع التابعة لـ”حماس” في قطاع غزة، لديها سجل معيب. ففي 12 مارس 2002، “اختفى” ستة رجال فلسطينيين، هم علي الخضير، وتيسير رمضان، وناظم أبو علي، وشاكر صالح، وإسماعيل عياش، ومحمد القرم، أثناء احتجازهم في مركز احتجاز للسلطة الفلسطينية في سلفيت (وسط) الضفة الغربية الفلسطينية). وفي غزة، اختُطف رجل آخر اعتقلته قوات حماس، وتعرض للاختفاء القسري في الأسبوع الأول من الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة في صيف 2014.
وحتى الآن، تقاعست السلطات الفلسطينية عن التحقيق في مزاعم التعذيب ضد هؤلاء الرجال، ولم يُقدم أحد إلى العدالة بسبب اختفائهم القسري.
وفي الإمارات العربية المتحدة، نجد أحد المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان، وهو أحمد منصور، أحد الأمثلة على هذه الممارسة. وبعد مضي أكثر من عام على اعتقاله، لا تزال أسرته لا تعرف مكان احتجازه، رغم أنه قُدِّم للمحاكمة وحُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات. وفي البحرين، احتُجز سيد علوي على نحو شبه كامل بمعزل عن العالم الخارجي لمدة 385 يومًا – ولم تره عائلته ولم يتم إبلاغها بمكان وجوده، رغم أنه سُمح له بعدد قليل من المكالمات الهاتفية القصيرة جدًا التي لم يتمكن من خلالها التصريح بمكان وجوده. وعندما مثل في نهاية المطاف أمام المحكمة، كان ذلك أول محاكمة مدنية في ظل نظام البحرين الجديد للولاية القضائية العسكرية. وكان فاضل سيد عباس المتهم في قضية علاوي في نفس الحبس الانفرادي لمدة 400 يوم.