حقوقى: أحيانا لا يمكننا إثبات تعرض المتهم للتعذيب وفى الأغلب يتعرض له المختفين قسريا
مكتب محاماة يضع قانون لمنع التعذيب فيمثل واضعيه للمحاكمة فى أغسطس القادم
فى يوم 15 من شهر يونيو سنة 60 ميلادية/ كان فجر مش فجر/ كانت ليلة مقضية/ متقدرة بالسنين مش مخلية”
هكذا رثى الشاعر المصرى فؤاد حداد أحد أهم شهداء التعذيب فى السجون المصرى الراحل شهدى عطية الذى وافقت ذكرى رحيله الـ58 الـ15 من يونيو الماضى قبل أيام من اليوم العالمى لدعم ضحايا التعذيب والذى يوافق اليوم.
ألزم الدستور المصرى، الدولة بحفظ كرامة المواطن المصري المقبوض عليه وعدم جواز تعذيبه ولا إكراهه ولا إيذائه بدنيا أو معنويا. وجاءت المادة 52 من الدستور “التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم”. كما أن المادة الخامسة من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تؤكد: “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا المعاملة السيئة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الماسة بالكرامة”.
ووثقت منظمات حقوقية فى الفترة الماضية طرق التعذيب فى مصر والتي تحدد مع المعتقلين بشكل ممنهج منها ” التوقف والاحتجاز، والتجريد من الملابس، والايهام بالغرق، والصعق بالكهرباء، تكسير الأصابع، وخلف الأظافر، وضعيات الإجهاد ومنها التعليق من الاكتاف والشواية او الفرخة ووضع الذبيحة (التعليق بربط اليدين والقدمين من الخلف) ووضع الكلب ( وهو وضع الطوق حول الرقبة وأمره بالنباح).
“التعذيب هو أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا أم عقليا يلحق عمدا بشخص ما يقصد الحصول من هذا الشخص او من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف او معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه فى إنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه أو تحرضه عليه او يوافق عليه”.
كان ذلك هو الجزء الاول من تعريف التعذيب فى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة، بقرار الجمعية العامة بأعتماد الاتفاقية فى 10 ديسمبر 1984 ثم دخلت حيز النفاذ فى 26يونيو 1987 وهو اليوم العالمى لمناهضة التعذيب.
كما شكل أطراف الاتفاقية الذين يبلغ عددهم حاليا تقريبا 118 دولة لجنة لرصد تنفيذ هذه الاتفاقية مكونة من عشرة اشخاص من الخبراء منتخبون بصفتهم الشخصية وقد عقدت هذه اللجنة اول اجتماع لها فى اول ابريل 1988 وعلى الدول الاطراف تقديم تقريرها كل اربع سنوات وبالرغم من التزام مصر بهذه الاتفاقية والتزامها بتقديم التقارير الدورية الا ان هذه الجريمة مازالت قائمة فى الكثير من السجون والأقسام المصريةوتؤكد الكثير من التقارير وجود تعذيب داخل السجون المصرية وأقسام الشرطة مما يؤدى لإصابات أو الوفاة فى بعض الأحيان.
أحدث ماتم تناوله عن قضايا التعذيب هو تقرير مركز “عدالة للحقوق والحريات” الذى أكد وقوع 32 حالة تعذيب نتج عنها وفاة، حيث جاء التوزيع الجغرافي لهذه الحالات داخل 11 محافظة على مستوى الجمهورية.
وبحسب التقرير، تمت أغلبية حالات التعذيب داخل أقسام الشرطة بواقع 30 حالة تعذيب، كان لقسم شرطة المطرية النصيب الأكبر منها، حيث توفى داخل القسم 8 ضحايا نتيجة التعذيب.
فيما جاء ذلك في مقابل حالة تعذيب واحدة وقعت داخل أحد السجون، وحالة واحدة وقعت على يد أمين شرطة خارج القسم.
وفي مجال المحاسبة والمساءلة وجبر الضرر، رصد التقرير الإجراءات التي تم اتخاذها لمحاسبة المسؤولين عن جرائم التعذيب، حيث قال إنه “بدا واضحًا ضعف آليات الانتصاف وجبر الضرر للضحايا وذويهم”.
يذكرنا ذلك ومشروع قانون للوقاية من التعذيب قدمته المجموعة المتحدة محامون مستشارون قانونيون، يتألف من سبعة عشرة مادة خصص أولها لوضع تعريف محدد وشامل لجريمة التعذيب يستند لما استقرت عليه أحكام محكمة النقض المصرية وكذلك للتعريف الوارد باتفاقية مناهضة التعذيب، بينما تم تخصيص المادة الثانية من القانون لتعديل المواد 126 ، 128،129 ، 280 من قانون العقوبات وهي النصوص العقابية على جريمة التعذيب والجرائم المرتبطة بها.
وجاءت المادة الثالثة من القانون لتضيف فصلاً جديداً فى قانون الإجراءات الجنائية بعنوان ” فى التحقيق فى جرائم التعذيب والإكراه وسوء المعاملة من الموظفين لأفراد الناس” وأضاف القانون بموجب المادة الرابعة منه مادة جديدة لقانون العقوبات برقم 126 مكرراً والتى نص فيها على معاقبة المسئول عن أماكن الاحتجاز التى تتم فيها جريمة التعذيب بالحبس والعزل من الوظيفة وذلك لإخلاله بواجبات وظيفته فى الرقابة والإشراف.وجاءت المادة الخامسة من القانون لتلزم الدولة بتقديم العلاج البدني والنفسي للمجني عليهم فى جرائم التعذيب والإكراه وسوء المعاملة وكذلك تأهيلهم نفسياً واجتماعياً، فضلاً عن وضع حد أدني للتعويض المقضي به فى هذه الجرائم .
وذكر الحقوقى نجاد البرعى أن القانون السابق مازال قيد وضع الصمت حيث يتم محاكمة واضعيه وهم المستشارين عاصم عبد الجبار وهشام رؤوف مساعد وزير العدل الأسبق حيث تم تحويلهم الى التحقيق بتهمة العمل لوضع المشروع، حيث يمتثلوا للمحاكمة فى 20 أغسطس القادم.
وتؤكد د.منى حامد استشارى الطب النفسى والمدير السابق لعيادة مركز النديم أن التعذيب فى مصر ينقسم الى تعذيب نفسى وتعذيب جسدى وكلاهما يرتبط بالأخر فالتعذيب الجسدى يحمل شق نفسي، ومن صوره الإهانة، التهديد بالقتل والتهديد باغتصاب الزوجة أو الأخت أو الأم، والإذلال والحرمان من الطعام والماء والحرمان من دخول دورة المياه، والعزلة.
بحسب منى، يأخذ التعذيب الجسدى صور منها الضرب العشوائى فى أجزاء متفرقة من الجسد والجلوس على أوضاع معينة غير مريحة للجسد، والتكدس بوضع المتهم مع جنائيين مما يعرضه للتحرش الجنسي أحيانا، بجانب التعذيب المنظم استخدام الكهرباء فى المناطق الحساسة مع تهديدات بأنه سيكون عاجز جنسيا، واستخدام أداة حادة وتجريده فى الملابس.
واعتبر المحامى محمد عبد العزيز أن بعض الحالات التى تتعرض للتعذيب قد تختفى أثاره أثناء عرضه على النيابة، ويصعب إثباتها وللأسف النيابة تهتم بالاتهام الجنائي الموجه للمتهم رغم تعرضه لسوء المعاملة.
ورفض “عبد العزيز” اختزال التعذيب فى الصورة البدنية، قالئا أنه أشمل وأوسع من ذلك، وقال أن جرائم التعذيب فى الغالب تتم ضد المتهيمن قسريا على سبيل الضغط عليهم لنزع اعترافات بعينها.
وفى احدى الرسائل المسربة من معتقل بالأمن الوطنى بالفيوم، كتبها أحد المعتقلين ونشرت فى 2017 شرح فيها تفصيليا أوضاع مختلفة للتعذيب هى:
التعليق كالذبيحة الرأس لأسفل والقدمين لأعلى معلقتان فى حبل ، ويبدأ الصعق المهربائية فى كل الجسد أو بربط سلك فى الجسد وتوصيله بجهاز كهربائى.
كل أشكال الصلب، فرد الذراع الأيمن فى باب حديدى كبير (مشبك) أو على تصميم خشبى يعرف ” بالعروسة ” وكذلك الحال مع الذراعين.
التمدد على الأرض مقيد اليدين من الخلف والتمدد على مرتبة مبللة ومتصلة بجهاز كهربائى مع تقييد اليدين.
وضع السرطان: توصل الكهرباء بضرس العقل ويتم الضرب بألات حادة مع رش المياه حتى ينزف دماء.
وضع البرص: يعلق المعتقل من رجل واحدة على باب غرفة التعذيب ثم يضرب بالأحذية على الجسم والرأس ويبصق عليه.
وضع الدودة: يؤمر فيها بالزحف مثل الدوردة.
وضع السلخ: يربط المعتقل من كفيه ويعلق فى سقف غرفة التعذيب.