مرزوق من مقاتل من خير أجناد الأرض ومدافع عن سيناء وتيران وصنافير إلى سجين سياسي.. والسبب (حلم بالعدل)
يقف السفير معصوم مرزوق مرفوع الرأس، منتصب القامة في انتظار حكم قاضي محكمة الجنايات في مسألة التحفظ على أمواله، غير أن عقله كان شاردا في آمر آخر، لم يكن يتبقى حينها سوى 10 أيام على الذكرى الـ45 لحرب السادس من أكتوبر.
ذكريات حرب أكتوبر حاضرة لا تغيب عن ذهن السفير معصوم مرزوق الذي تجاوز السبعين في زنزانته، لكنه كان يود لو أنه يحتفل بهذه الذكرى العزيزة على قلبه مع رفقاء العبور، كان يريد أن يحكي للأبناء والأحفاد التاريخ، مؤكدا على الثوابت الوطنية.
السياسي البارز الذي ألقت قوات الأمن القبض عليه في ثالث أيام عيد الأضحى، التحق بجبهة القتال في حرب الاستنزاف عقب نكسة 1967،ليحوز على شرف المشاركة في حرب التحرير في السادس من أكتوبر 1973 و تقديرا له حصل على وسام الشجاعة من الطبقة الأولى.
غير أن أصدقائه احتفلو بهذه الذكرى على طريقتهم، إذ يقول يحيى قلاش نقيب الصحفيين السابق: (تحية لضابط الصاعقة البطل معصوم مرزوق الذي شارك في ملحمة نصر أكتوبر قبل ٤٥ عاما .. سيظل الشهداء والأبطال مثار فخرنا، وسيظل الفقراء والاغلبية من البسطاء هم أصحاب هذا النصر و الاولي بجني ثماره).. يقول يحيى قلاش نقيب الصحفيين السابق الذي
أما الكاتبة الصحفية إكرام يوسف قالت متعجبة على موقع”فيس بوك”: (وفِي نهاية اليوم المهيب ده. ممكن حد يفهمنا هو مين خير اجناد الارض؟ اللي دافع عن ارضه بالسلاح وفِي المحكمة؟ واللا اللي عمرهم ماخاضوا حرب عشانها، وفرطوا فيها وسجنوه؟)
ولم يكتف مرزوق برحلته العسكرية، فقرر خدمة بلاده من موقع آخر، إذ انتقل إلى السلك الدبلوماسي حيث شغل منصب مساعد وزير الخارجية وعمل دبلوماسيا في الأكوادور ونيويورك والأردن.
في الأكوادور، تم انتخابه رئيسا لرابطة الدبلوماسيين في عام 1986 وكان حينها أصغر دبلوماسي يتولى هذا المنصب، وتولى أيضًا منصب رئيس مجلس إدارة النادي الدبلوماسي المصري عام 2007.
معصوم مرزوق له أيضا ولع بالأدب صبح عضوًا فى اتحاد الكتاب المصرى، وأصدر نحو خمسة كتب هى : مجموعة قصصية بعنوان: “الولوج في دائرة التيه”، ورواية بعنوان: ” أشجار الصبار “، وكتب بعنوان: “صكوك الغفران الأمريكية”، ” كلام دبلوماسي”، وكانت له مجموعة قصص قصيرة بعنوان: “حكايات العبيد”، وحصد العديد من الجوائز على خلفيتها.
كما يعرف أيضا بكونه كاتب مقالات في صحف الحياة والشرق الأوسط والدستور والأهرام والأخبار والبيان الإماراتية واللواء العربي في نيويورك، وكذلك مجلات روزاليوسف والدبلوماسي وأكتوبر.
لكن المحطة الفارقة التي قلبت حياة السفير و العسكري و الأديب رأسا على عقب هي دخوله إلى عالم السياسة كمتحدث رسمي لحملة حمدين صباحي الرئاسية في عام 2014 ثم مدافعا شرسا عن جزيرتي تيران و صنافير.
ثم صار مرزوق أحد أبرز أعضاء الحركة المدنية الديمقراطية، التى دشنها 150 شخصية عامة، بينهم :هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، النائب السابق محمد أنور السادات، عمرو حلمي، يحيي قلاش، عصام الإسلامبولي، عمار علي حسن، محمد سامي رئيس حزب الكرامة، حمدين صباحى، وغيرهم.
آراء مرزوق وتصريحاته حول سياسات السيسي، أخذت معظمها طابعًا معارضًا سواء فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية وغيرها من القضايا، خاصة تصريحات الرئيس المتكررة عن مصر كونها دولة “فقيرة أوي”.
ومع تأزم الوضع السياسي أطلق مرزوق في أواخر يوليو الماضي مبادرة من أجل لحلحة الأوضاع التي أصبحت تشبه المياه الراكدة، من أبرز بنودها إجراء استفتاء شعبي على استمرار الرئيس عبد الفتاح السيسي من عدمه و الدعوة إلى مؤتمر شعبي في 31 أغسطس الماضي، ما جعلها تلقى انتقادا واسعا من جميع الأطراف.
مرزوق قال عن هذه المبادرة: “يعلم الله كم حاول العديد من الأحباء والأصدقاء أن يحولوا بيني وبين ذلك ، شفقة منهم علي عمري المتقدم ، وخوفاً مما يمكن أن ألاقيه من عنت قد يصل إلي درجات غير مسبوقة ، ولكنني كنت أردد ما كنت أردده طول حياتي : ” لا خير في إذا لم أقلها ، ولا خير فيهم إذا لم يسمعوها”.
وعن ثورة يناير يقول معصوم فى مبادرته : “ظننت بعد ثورة 25 يناير 2011 أن مصر قد حطمت أغلالها ، وانطلق الجيل الجديد كي يغير وجهها لتصبح أكثر حداثة ومدنية وحرية وعدالة، ورغم توجسي من بعض المظاهر إلا أنني منيت النفس بتقاعد مستحق أريح فيه بعد خدمة طويلة مرهقة، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فقد شاء الله أن يضعني مرة أخري في إختبار الدفاع عن الأرض حيث تصديت مع نفر شريف من الوطن لقضية تيران وصنافير ، متحملاً كل ما نالني من تشويه وإعتداء”.
غير أن أحلام مرزوق في حل سياسي يرضي جميع الأطراف تبددت، بعدما ألقت قوات الأمن القبض عليه في 23 أغسطس الماضي، أي في ثالث أيام عيد الأضحى على خلفية اتهامه بقلب نظام الحكم وتعطيل الدستور وإثارة الرأي العام والتحريض ضد الدولة والإساءة لمؤسساتها في الداخل والخارج، وبث روح التشكيك والإحباط وتكدير السلم والأمن الاجتماعي والإضرار بالأمن والاقتصاد القومي وزعزعة أمن واستقرار البلاد وإسقاط الدولة.
كما أيدت محكمة الجنايات في 26 سبتمبر الماضي، قرارا بالتحفظ على أمواله مع كل من رائد سلامة وعبد الفتاح البنا و الدكتور يحيى القزاز ونرمين حسين وسامح سعودي وأخرين على خلفية القضية رقم 1305 لسنة 2018.
(هناك قرار ما أني أخرج من زنزانتي إلى قبري، فأنا أبلغ من العمر 67 عاما، ومحبوس انفراديًا ومعزول تمامًا ولا يسمح لي بالتحدث لأحد، وظللت لا أرى الشمس 16 يومًا كاملة، وأعاني من مشاكل صحية عدة)، هكذا قال مرزوق لمحاميه شاكيا من أوضاع احتجازه.
ظل مرزوق، محبوسا في زنزانة انفرادية لا يدخلها هواء أو وبها سرير حديد متهالك ليس عليه أي شيء لا مرتبة و لا ملاءات و لا وسائد و ممنوع من دخول الملابس لأزمة قلبية و تدهورت حالته الصحية، بحسب ابنته ميسرة.
)هذا الرجل السبعينى الذي يشهد تاريخه على وطنيته، كما تشهد مئات من مقالاته وكتاباته السياسية.. قد يكون ذنبه الوحيد أنه أحب مصر للنخاع و تقدم باقتراحات وفقاً لخبرته الطويلة للخروج من أزمات مصر، وما أكثرها! قد يكون ذنبه أنه اختار أن يحمل كلمة الحق بدلاً من حمل الدفوف)، بحسب ما كتبته ابنته على صفحتها على موقع “فيس بوك”.
واختتمت ميسرة الحزينة على مصير والدها الذي خدم بلاده في كل موقع شغله : ( هذا ما جنيته يا أبى.. كان لابد أن تعلم أنه كي تكون مصرياً شريفاً اليوم يجب أن لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم حسبنا الله ونعم الوكيل ).