“بُص يابنى …أنت مش هتشوف النور تانى”.. كلمات ربما لم يكن قائلها يقصد تحديدا المعنى الحرفي لها، غير أنها غيرت مجرى حياة رامي السيد، بين يوم و ليلة وجد نفسه بين جدران السجن لا يستطيع فرارا.
رحلة بائسة خاضها رامي السيد (29 عاما) من حياته التي اختارها في القاهرة إلى سجن المنيا الذي ذهب إليه اضطرارا، بدأت في مطلع سبتمبر 2014 عندما ذهب مع أصدقائه إلى حي بولاق الدكرور من أجل زيارة أسرة صديقهم الشهيد أحمد المصري في ذكراه الأولى.
أحمد المصري عضو حركة 6 إبريل لقى مصرعه في مطلع سبتمبر 2013 على إثر طلق ناري أصابه من قبل قوات الأمن أثناء توجهه إلى عمله في محيط ميدان مصطفى محمود فى 14 أغسطس 2013، على خلفية الاشتباكات التي اندلعت عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
ولحظ رامي ورفاقه العثر، هاجمتهم قوات الأمن أثناء وجودهم أمام منزل الشهيد أحمد المصري وألقت القبض على رامي و9 أخرين من أعضاء حركة 6 إبريل ووجهت لهم النيابة تهمة التظاهر و التجمهر.
لكن النيابة أخلت سبيلهم بعد يومين فقط نتيجة عدم وجود أحراز سوى منشورين، وكانت النيابة في طريقها لحفظ القضية، لأنه لا توجد قضية أو تهمة من الأساس.
ظن رامي خريج كلية الألسن الذي يعمل مترجما أن الحياة استقامت له وأن بمقدوره ممارسة حياته بشكل طبيعي، لكن بعض الظن إثم، فبعد نحو عام على إخلاء سبيله تحديدا في 8 أكتوبر 2015، فوجئ أن محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار محمد ناجي شحاتة استدعت القضية مجددا من أدراجها وقضت غيابيا على رامي وزملائه بالسجن المؤبد على خلفية اتهامهم بالتجمهر وحيازة الأسلحة.
بعد نحو 10 أيام في 17 أكتوبر من العام ذاته، حدث ما لم يكن في الحسبان وجد رامي السيد نفسه مع صديقه في قبضة قوات الأمن، بينما كانا يسيران في أحد شوارع منطقة سراي القبة إلا أن مكان الضبط تغير في المحضر إلى (فيصل) وبلا من عرضه على نيابة كلية تم عرضه على نيابة جزئية أخلت سبيله لأن الحكم غيابيا ولم يعلم المتهمين بالمحاكمة من الأساس.
غير أن تحريات المباحث وقف سدا منيعا أمام إخلاء سبيله، إذ أكدت في تحرياتها هروبه من حكم قضائي، إلا أن محامو “رامى” قدموا طلب لإعادة إجراءات المحاكمة، وتم تأييد استمرار حبسه ورفضت النيابة إخلاء سبيله.
لم يصدق رامي عودته مرة أخرى إلى غياهب السجن وهذه المرة سيقضي 25 عاما دفعة واحدة أي عمرا بأكمله، حكم قرره قاضي لم يمثل أمامه،لكن ليالي السجن الطويلة جعلته يستعيد ذكريات احتجازه في المرة الأولى ثم كتب بعدها رسالة موجعة.
“مش هتشوف النور تانى”، جملة اتقالتلي من حوالى سنه وهو بيحقق معايا وده كان على خلفية اعتقالي بتاريخ 1 سبتمبر 2014 لما كنت بقوم بواجب إنساني بزيارة أهل صديقى الشهيد “أحمد عابدين” الشهير بالمصرى رحمه الله أثناء الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده)، بحسب رسالة رامي من داخل السجن.
وقال في رسالته: (الجملة ساعتها رنت فى ودانى وكنت حكيتها لأصدقائي وكنا بنتريق عليها علطول، بس الاحساس الغالب عندى إنها هتتحقق !! ، وتمر الايام والشهور بعد ما تم إخلاء سبيلي فى خلال أربعه أيام ، وبعد سنه بالتمام والكمال أتفاجأ إن القضية اتحالت في السر إلى محكمة جنايات دائرة إرهاب ويتحكم عليا بمؤبد غيابيا،على إيد ملك الإعدامات والمؤبدات في المجرة ، وساعتها أيقنت من صدق نبؤة الشخص المهم اللى كان بيحقق معايا ، وطبعا هو شخص لا يحب أن يُذكر إسمه لأنى مكنتش شايف علشان معصوب العين) .
أضاف: ( ومابين أسئله بالساعات على شاكلة العمالة والخيانة وحروب الجيل الرابع والخامس والسادس لغاية الدور العاشر بعد الأرض واللى متهم بيها حركة شباب ٦إبريل ، لغايه أخر السيناريو اللى ختمه الباشا ساعتها بجملة: “بُص يابنى.. انت مش هتشوف النور تانى” ).
وتابع: (ساعتها اخدت الجملة دى بسخرية وكنت سارح بعقلى وهو بيتكلم ، وبفتكر مشهد حزلقوم فى فيلم لاتراجع ولا إستسلام وهو بيتكلم فى الحلم مع الفنان غسان مطر رحمه الله ويترجاه” أستاذ غسان …أرجوك متقتلنيش ، ماتاكولنيش ، وماتقرمشنيش ، وطبعا القرمشه دى كانت تجويده من عقلى وأنا سارح يعنى).
واستطرد: (ده غير جملة عظيمة كنت نسيتها اتقالتلى كتكملة “ومش هتروح أى عزاء تانى فى حياتك” ، وسبحان الله الجمله دى برده اتحققت ومعرفتش اخد عزاء خالى “حسن” رحمه الله اللى كان بينى وبينه اختلافات كتيرة في وجهات النظر ، بس على الجانب الإنساني كنا بنعز بعض أوى). وختم رسالته: (الله يرحمك يا حسن بيه زى ما كنت بقولك ويارب يغفر لك ذنوبك وتدخل الجنة ويارب ما أفقد أي عزيز تانى ).
لم تأت الأمور بما يشتهي رامي، فبعد نحو عامين من حبسه، فوجىء في 22 ديسمبر 2016 بأمر ترحيله إلى سجن ليمان المنيا وهناك تعرض للضرب والسحل والتعذيب على أيدي الضباط وأمناء الشرطة في أول أيامه بالسجن، بعدها قرر الإضراب عن الطعام.
في يناير 2017، نشر مرصد «وطن بلا تعذيب»، رسالة من رامي السيد قال فيها: (لما وصلت سجن المنيا، كان فيه كذا عربية ترحيلات جايين من كذا سجن، وكان معايا في العربية بتاعتي 44 سياسيا، أول ما وصلنا لاقينا سب وشتيمة، وفجأة لاقيت واحد بلبس ملكي واقف قدامي (عرفت بعد كدة إنه معاون مباحث اسمه «أحمد د.») قالي أقلع هدومك يا رامي يا سيد يا إبن … ! ونزل فيا هو والمخبرين ضرب في كل جسمي ووشي وراحوا رميني على الأرض وفتحوا الساحة و جرجروني على الأرض سحل مع الضرب في وشي وكل جسمي بأيديهم ورجليهم).
وأضاف في رسالته: (بقى بيضربني الضابط أحمد ومعه 8 أو 10 مخبرين ومعاهم نقيب نظامي، وفضلوا على الحال ده، و«أحمد د.» يشتمني ويقولي أنت متوصي عليك من الوزير نفسه، وانا ميهمنيش شكاوي و هلبسك ملاية و أربطك في تروسيكل وألف بيك العنابر عريان ، بعد كدة خلى المخبرين يربطوا عينيا ويربطوني في العمود اللي في الجنينة اللي اتسحلت فيها، وبعد نص ساعة فكوني مع الضرب ورجعوني ساحة الاستقبال ورموني علشان أحلق، لقيت المخبرين رموني على الأرض على بطني وفضلوا يجروني ببطئ والضابط يدوس برجله على راسي ويضربني في جسمي).
وأكمل رامي: ( الضابط هددني بإحضار «فرج»، ثم قاموا بحلق شعرى بالكامل وعدت مرة أخرى إلى «أحمد د.» الذي استمر فى الضرب مع الباقيين وهددني انى طول ما أنا هناك عندهم هيفضل مداس عليا وفى أى وقت هيحصل فيا أكثر من اللى حصل، كل ده وأنا عريان ولابس البوكسر بس، ثم أخدوا كل شى معايا وسكنونى انفرادى).
وتابع: (أول يوم لم يحضروا لي أكل، وتانى يوم الشاويش جى يدينى قلت له مش هاخده وأنا مضرب عن الطعام، المهم السجن اتقلب ونائب المأمور بعتلى (كان موجود ساعة سحلى) واتعامل معايا ليه يا ابنى تضر نفسك والجو ده وحاول يلطف الموضوع بس أنا قلت له مش هسيب حقى وهاخد حقى بالإضراب).
وقال: (المهم ماخرجناش بشئ رجعت العنبر، وحاولوا معى مرة أخرى لأنهى الإضراب، حتى أن نائب المأمور سكنى فى أوضة أموال عامة (أوضة نضيفة عشان انسى اللى حصل) بس استمريت فى الإضراب وقابلنى رئيس المباحث، وفضل يعتذرلى قلت له مش هسيب حقى من أحمد د.).
وأضاف: (ما عملوش محضر برده و عشان يراضيني جابولى كتب دراسة.. معلومة: هم أخذوا كتب الدراسة والسجائر ومياه معدنية وعصير وادوات نظافة ولبس، استمريت فى الإضراب مع حالة حصار عليا من الناس اللى قاعد معاهم ده غير إن الرسائل اللى كنت بكون كاتبها ليكم كانت بتتمسك عشان ما يطلعش خبر الإضراب)، موضحا: (في اليوم السادس فى اليوم السادس للإضراب، جالي مأمور السجن فضل يهدينى ويعمل فيها الإنسان الطيب وقالى …. محدش هيلمسنى تانى وقاللى تفاصيل قضيتى وهكذا وانه عارف، بالرغم من انه ماكنش موجود ساعة تعذيبى بس هو اللى مسيطر على السجن).
رامي أكمل: (استغربت إن ما جاليش زيارة مع إن نائب المأمور قال لى إنهم هيبلغوا أهلى بالزيارة لانى مستحق من ساعة ما جيب ولما ما لاقتش حد جيه ابتديت أشك فى الموضوع وحسيت إن كدة الإضراب ما لوش تأثير مع وعد بعدم التعرض بس قلت لهم إنى مش هسيب حقى من «أحمد د. وفعليا ما شفتش حد لحد ما جابولى زيارة قال ايه بيحاول يراضينى).
بعد رسالة رامي، انتشر حينها حملات على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” لتحسين وضعه في السجن و الإفراج عنه تحت هاشتاج “انقذوا _ رامي _ السيد” يوضح قصته و التعذيب الذي تعرض له، في المقابل قرر محاميه تقديم بلاغ للنائب العام، يتهم فيه الضابط “أحمد الديب” بسجن ليمان المنيا، بتعذيب موكله.
وفي 28 يونيو الماضي، أيدت محكمة النقض حكم محكمة جنايات جنوب الجيزة برئاسة المستشار ناجي شحاتة بالسجن المشدد 10 سنوات على رامي السيد في القضية المعروفة إعلاميا بـ”معتقلي العزاء”.