المحامي كريم عبدالراضي يكتب عن: أسئلة ومشاعر شوكان خلال خمسة سنوات من الحبس.. أما آن لقيده أن ينفك؟

رئيسية صحف وصحفيين مظاليم ملفات

من أنا محبوس ليه ؟.. إلى أنا هاخرج امتى؟.. وحتى طيب القضية هتخلص أمتى؟

عندما سأله أحد القضاة في إحدى جلسات التجديد “أنت يا ابني محبوس ليه ؟!” ثم تفاجئنا في نهاية الجلسة بتجديد حبسه

الحبس 5 سنوات.. مدة يعتبرها تجار المخدرات ظالمة.. عوقب شوكان بها دون محاكمة لأن هناك من يعتبر الصحافة جريمة

 

أنا محبوس ليه؟ سؤال وجهه لي المصور الصحفي محمود أبو زيد (شوكان) في أول مرة التقيته فيها، لم يكن يتوقع، كما لم نكن نتوقع نحن أو أكثر المتشائمين، أن حمله للكاميرا وتلبيته لدعوة رسمية لتغطية عملية فض اعتصام رابعة، ستكلفه أن يتعرض للضرب والإهانة ومواجهة 12 اتهاماً لا يعلم عنهم شئ، كان يظن أن هناك خطأ ما سيدركه أحدهم وسيقوم بإصلاحه.

وظل شوكان يكرر سؤاله في كل مرة التقيه فيها أثناء جلسة من جلسات محاكمته، حتي أدرك انه لن يجد من يجيبه، فلا أحد يعلم لماذا يقبع مصور صحفي نزل لممارسة مهنته التي احبها خلف القضبان كل هذه المدة، سؤال لم نكن نحن وحدنا من يطرحه، بل أن أحد القضاة في إحدى جلسات تجديد الحبس، سأل شوكان حرفيا “أنت يا ابني محبوس ليه ؟!” ظننا ان السؤال هذه المرة سيضع نهاية لهذا العبث، ولكن تفاجئنا في نهاية الجلسة أن القاضي قرر تجديد حبسه.

لما يأس شوكان من أن يجد إجابة علي سؤاله الأول تحول لسؤال أخر كان يدور في ذهنه “طيب انا هخرج أمتي؟” ومع الأسف لم يجد شوكان من يجيبه عن سؤاله الثاني كما لم يجد من يجيبه علي السؤال الأول، فحتي نحن محاموه نعلم متي ستنتهي تلك المسألة العبثية برمتها، ولا نعرف لأي ضوابط تخضع، فمن الناحية القانونية لا يجد ما يبرر حبسه من الأساس، وأن وجد فكان يجب أن لا يزيد عن سنتين، مادامت المحكمة لم تتوصل لحكمها النهائي في القضية، هذا ما أوجبه القانون، ولكن من الواضح أن تلك محاكمة لا تخضع للمنطق ولا للقانون.

مرت خمس سنوات إلا أيام قليلة، وشوكان خلف القضبان، لا علمنا لماذا هو محبوس؟ ولا نعلم هل ممكن أن يستمر ذلك لما بعد السبت 28 يوليو أم لا.

***

شوكان مصور صحفي تخرج من أكاديمية أخبار اليوم، احب التصوير فقرر أن يحترفه، طموح ومبدع، كان في منتصف العشرينيات حين تم القبض عليه، أثناء وقوفه بصحبه صحفيين اجنبيين – احدهم فرنسي والأخر امريكي – في الجانب الذي تواجدت فيه قوات الأمن، لتغطية عملية فض اعتصام رابعة العدوية، ظنوا انهم كذلك في الجانب الآمن، طلبوا من احد الضباط ان يقوموا بعملهم، فوافق، ومع تصاعد الاشتباكات تغيرت القوات فوجدوا ضابطا أخر يقوم بالقبض عليهم، حاولوا شرح الموقف له، ولكنه لم يسمعهم، وبعد وقت قليل تم اطلاق سراح الأجنبيان، وظل شوكان محتجزاً – وكأن قدر الصحفي المصري ان يبقي دائماً في مرمي النيران – ثم جرد من كاميرته وأدواته، واحتجز في ستاد القاهرة، تعرض للضرب والإهانة، ثم عرض علي النيابة بعد يومين من احتجازه، ودون حضور محاموه ليجد نفسه يواجه اتهامات بالتجمهر والقتل والشروع في القتل والاشتراك في عصابة اجرامية!!!!

حاول شوكان أن يوضح موقفه كما حاولنا نحن محاموه مرارا وتكرارا “يا جماعة انا مصور” فلم نجد من يسمعه وتقرر حبسه احتياطياً علي ذمة القضية، بقررات متجددة، كنا نظن انه بعد مرور العامين الحد الأقصي للحبس الاحتياطي المنصوص عليه في قانون الإجراءات الجنائية سينتهي الأمر ويري النور مجددا، ولكن اكتشفنا محاكمته لا تخضع لمنطق ولا لقانون.

محبوس لأنه مصور صحفي ؟ أم لأنه مصري ؟ أم لأنه شاهد علي عملية الفض ؟ لا أحد يعلم، فلا يوجد في القانون ما يبرر حبسه كل هذه المدة !

***

الصحفييان الأجنبيان علما بما حدث لشوكان، فقررا توثيق شهادتهما حول الواقعة وإرسالها للمحكمة، أكدوا ان شوكان كان بصحبتهما، وأنه كان يمارس عمله، التصوير الصحفي مثلهما، وانهما حين تم إطلاق سراحهما علما أن هناك شئ ما خاطئ ويجب إصلاحه، وكالة ديموتكس أيضاً علمت أن مصورها تم القبض عليه، فارسلت خطاب تكليفه، وخطاب تؤكد فيه ان تواجد في مكان وزمان الاعتصام للقيام بعمله وبناء علي تكليف من الوكالة.

كل ذلك قدمناه في جلسات تجديد حبسه قبل الإحالة، ثم تم تقديمه لمحكمة الموضوع، دون أن يجدي نفعاً، لا يزال شوكان خلف القضبان.

الصحفي عبدالله الشامي اطلق سراحه في عام 2014 بعد دخوله إضراب طويل عن الطعام، وبعد حملة نظمتها قناة الجزيرة التي كان يعمل لصالحها، والعديد من المنظمات الدولية، وبرر النائب العام قرار اخلاء سبيله بسبب تراجع حالته الصحية، قدمنا للمحكمة ما يفيد بأن شوكان يعاني من انيميا حادة، تستلزم رعاية خاصة، ولكن دون جدوي.

***

اسرة شوكان لم تمل من الأمل، والده يخشي من مصير مجهول، يسأل دائماً عن اخباره، يتمني الخير والبشارة، يرد دائماً بصوت ممتلئ بالأمل “والله انا كويس يا استاذ كريم، يارب الخير علي ايدك يا ابني، هي بس والدته تعبانة شوية، نفسها تشوفه” وكأنه عايز يقول انه خايف حد ميلحقش يشوفه تاني خارج السجن، ولكنه متمسك دائماً بالأمل، كلمة هانت اللي بيسمعها من 5 سنين وفاهم انها مجرد كلمة لمنحه القليل من الصبر اللي بيمتلك الكثير منه، بيعتبرها دائماً مبرر للأمل.

***

فاز شوكان بجائزتين دوليتين في 5 سنوات تواجد فيهم خلف القضبان، واحدة من لجنة حماية الصحفيين والأخري هي جائزة جيريمو كانو الرفيعة التي تقدمها اليونسكو لحرية الصحافة.

ذهبت بعد أيام قليلة لأخبره بفوزه بالجائزة في أحدي جلسات محاكمته، ظنا مني أنه سيتحسن، وأن الأمر سينسيه هم محاكمته وسنوات شبابه الضائعة دون أن يعرف “هو محبوس ليه؟!” فكان رد شوكان بأنه علم من الراديو ثم تلى ذلك بسؤال “القضية هتخلص امتي؟ أنا هخرج أمتي؟” سؤال كان مؤلم وبملامح محبطة، عبر عن فخره بالجائزة ولكنه يحتاج لحريته أكثر من أي شئ أخر، خصوصاً إذا كان لا يعلم محبوس ليه وإلى متى؟.

***

منظومة وممارسات تحاول أن تصيبنا جميعاً بالإحباط والملل، ولكننا تمسكنا بالأمل، تعلمنا أن المتهم برئ حتي تثبت إدانته، فلما لم ينفع ما تعلمناه، اعتبرنا أن شوكان مدان إلى ان تثبت برائته، فقدمنا كل ما سبق كأدلة علي براءته، في قضية لا يوجد فيها دليل واحد علي إدانته فلا تحريات حددت دور له، ولا شهود تمكنوا من رؤيته، ولا أي شئ آخر قدم ضده.

ثقتنا التي بنينها علي تلك المقدمات بأن شوكان حتماً سيحصل علي البراءة، جعلتنا في كل مرة نذهب فيها للمحكمة نتمني أن تنتهي القضية ، تأجيل بعد تأجيل جعل شوكان يعاقب بالفعل علي ذنب لم يرتكبه، يعاقب علي قيامه بعمله، يعاقب بالحبس 5 سنوات، مدة يعتبرها تجار المخدرات والمجرمين ظالمة إذا حكم عليهم بها بعد إدانتهم، ولكن عوقب بها شوكان علي ممارسة مهنة هناك من يعتبرها جريمة.

فحالة شوكان هي تعبير وبحق عن كل ما تواجهه مهنة الصحافة، والصحفيين من تعنت وتنكيل والزج بهم في السجون بسبب عملهم.

وأخيراً أتمني ان يشهد يوم السبت 28 يوليو نهاية لحكاية شوكان خلف القضبان، ونهاية للظم المستمر ضده منذ 5 سنوات، ويصدر الحكم المنتظر ببراءته، ليخرج ويجد متسع من الوقت لتعويض ما فاته وما ضاع هدراً من شبابه، وينفض غبار تلك التجربة المرة.

الحرية لشوكان

الصحافة مش جريمة

Leave a Reply