لتوضيح المقصود بالعنوان؛ نفترض وجود دائرة انتخابية في الصُّقع الريفي نرمز لها بالرمز «أ»، ووجود مرشحين لتمثيل الدائرة في مجلس النواب، أحدهما نرمز له بالرمز «س»، والآخر نرمز له بالرمز «ع».
بخطابات شعبوية تغص بالكلمات المعسولة التي تنمق محدودية كفاءة المرشحين، واعتباطية مضامينها؛ تبدأ رحلة المرشحين في التصارع على اغتنام فرصة تمثيل الدائرة «أ» في مجلس النواب.
فهنا المرشح «س» – رجل الأعمال- يتحايل على نزاهة العملية الانتخابية بواسطة المال السياسي، ويستغل حاجة ناخبي دائرته وناخباتها وظروفهم الاقتصادية المضنية، ويصول ويجول بخطابات شعبوية تحوي العديد من الوعود الانتخابية الكاذبة، مواريًا محدودية كفاءته بجدران وحدة بنائها رزم النقود، غافلًا ومستغفلًا أهالي دائرته عن واجباته في الاضطلاع بالدور التشريعي والرقابي، وهادفًا إلى استثمار أمواله في المقعد التشريعي –بما يحويه من مميزات وحصانات موضوعية وإجرائية، لا سيما الحصانات الإجرائية- التي يلهث وراء اقتناصها، علاوة على ذلك تكون حملته الانتخابية في الغالب محاطة بعدد من العائلات البُلَهنية – ذات صيت- التي تتسق مصالحها مع وجوده، ومجموعة من الشباب الوصوليين الذين يتخذون فرصة وجوده فرصة لصعود درجة من درجات سلم اقتضاء طموحاتهم الشخصية على أنقاض المصلحة العامة في الدائرة.
وهناك المرشح «ع» -ضابط من القوات المسلحة- لا ينجرف وراء الأساليب التقليدية التي يستخدمها المرشح «س» للحصول على دعم ناخبي دائرته وناخباتها، ويرجع عدم الانجراف وراءها إلى احتمالين: أولهما عدم مقدرته على استخدام الأساليب التقليدية –المال السياسي- لافتقاره أدواتها، وثانيهما حنكته التي ترزح الأساليب التقليدية تحت مظلتها؛ فتزيد من احتمالية اهتبال المقعد التشريعي من المرشح «س» بأقل تكاليف للحملات الدعائية الخاصة به.
بكسر الأساليب النمطية المستخدمة في مخادعة ناخبي وناخبات المناطق الريفية التي يستخدمها المرشح «س»؛ يرسي المرشح «ع» أساليب شعبوية جديدة تستغفل أهالي هذه المناطق، وتدغدغ عواطفهم وأحاسيسهم، التي باتت متبلدة إزاء الأساليب التقليدية.
ومنها على سبيل المثال: استخدامه بذلته العسكرية للترويج لخطاباته الشعبوية ولقدراته –اللامعقولة- في إضافة الجديد لأهالي الدائرة، مع وضع لمسات تبلور مدى تضحيته، وكيف أنه تخلى عن وظيفته التي يجني من ورائها المال والهيبة المزعومة على الجميع؛ لأجل رغبته في خدمة أهالي دائرته، لعمله في وقت من الأوقات ضابطًا للقوات المسلحة، رغم أن رتبته العسكرية لا تدلل بالمرة على مدى كفاءته في إمكانية تأديته الدور التشريعي والرقابي –الدور الأساسي- أضف إلى ذلك استخدام علاقاته في عمله ضابطًا للقوات المسلحة في وقت معين من حياته؛ يتيح له أن يبلور نفسه في صورة شخصية خدمية مشرنقة بالهيبة والنفوذ، ومن الأساليب المبتكرة أيضًا التي يستخدمها المرشح «ع» التنديد باستخدام الأساليب التي تفسد نزاهة العملية الانتخابية، رافعًا لافتة «تسقط الأساليب التقليدية تحت نير دهائي».
ومن العوامل المساعدة أيضًا للمرشح «ع»، دعم رؤوس الأموال التي تتصادم مصالحهم المادية، مع وجود منافسهم المرشح «س»، فيقدمون كل المؤازرة للمرشح «ع» لحماية مصالحهم المهددة؛ ونكاية في المرشح «س».
بعد الإشارة إلى الأساليب الشعبوية والفاسدة المسيطرة على سير العملية الانتخابية في الأصقاع الريفية، استبدلت الميكانيزمات الديمقراطية –بما تحويه من مبادئ شفافية وتنظيمية- لضمان نزاهة العملية الانتخابية، بميكانيزمات مكيافيلية تروج لمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، فصيرورة التشابك بين المفترض والواقع منذ قديم الأزل؛ تحتم تفنيد المفترض كما فند الواقع في الأساليب الشعبوية المسطرة أعلاه، ويتمثل المفترض في حقيقتين جوهريتين:
الحقيقة الأولى: أن المنافسة الانتخابية من المفترض أن تدور في فلك البرامج الانتخابية المقترنة بجداول زمنية؛ التي ينكشف عنها قدرات كل مرشح وكفاءته.
الحقيقة الثانية: أن الشفافية تقتضي قيام البرلماني بالكشف عن جميع واجباته، وإلحاقها بكشف حساب دوري؛ يوضح لمن يمثلهم ما أخفق فيه قبل أن يروج لهم ما أصاب فيه.