بينما تمر اليوم ذكرى (يوم الصحفي ) 10 يونيو والذي انتفض فيه الصحفيون ضد القانون 93 لسنة 95، المعروف بـ “قانون اغتيال حرية الصحافة وحماية الفساد”، في ظل صمت تام، إلا من افطار يقيمه عدد من الصحفيين، داخل نقابتهم يكتب البرلمان اليوم آخر مراحل السيطرة على الاعلام ومصادرة الكلام بإصدار حزمة قوانين (3 قوانين جديدة) لتنظيم الصحافة والاعلام وهيئاتهما. وهكذا تحول اليوم الذي كان علامة على مقاومة الصحفيين للقوانين الجائرة إلى يوم لاقرار حزمة من القوانين التي ترسخ وضع الهيمنة والسيطرة على الإعلام. فهل هي مصادفة؟
فبعد عام من إصدار قانون التنظيم المؤسسي للاعلام والذي انشئت بمقتضاه الهيئات الحاكمة للاعلام يناقش البرلمان اليوم قانونا جديدا يلغي القانون السابق ويعيد تشكيل المجلس والهيئات ويقلص أعضائها، بخلاف قانون تنظيم الصحافة والاعلام بعد ضم المجلس الأعلى للاعلام له. ليصبح لدينا 3 قوانين سيتم بموجبها إعادة تشكيل المشهد الإعلامي وهي ( قانون تنظيم الصحافة والاعلام والمجلس الاعلى للإعلام وقانوني الهيئتين الوطنية للصحافة والاعلام والمنوط بهما الاشراف عل وإدارة الاعلام المملوك للدولة).. وتأتي نصوص التشكيل في القوانين الثلاثة بصيغتها الجديدة لترسخ لهيمنة السلطة التنفيذية وتحديدا رئيس الجمهورية على الاعلام بشكل قانوني وكامل، بخلاف ما سيتبع الاصدار من اعادة النظر في القيادات الصحفية والاعلامية.
فضلا عن ذلك فإن القوانين الثلاثة ترسم المشهد الأخير في مرحلة السيطرة على الإعلام والنشر بشكل عام، حتى على الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.. حيث فتحت مواد قانون تنظيم الصحافة خاصة المادتين 5 و19 الباب لتقنين الحجب والمصادرة بنصوص غريبة، أو عبر التوسع في استخدام العبارات المطاطة لمعاقبة الصحفيين، والسيطرة على مهنة الكتابة، وصولا لمطاردة الكلام حتى على فيسبوك.. فضلا عن ان نصوص القوانين خاصة المتعلقة بالهيئات القومية تفتح الباب للتخلص من بعضها عبر الغاء مؤسسات أو دمج اصدارات..كما يعطي القانون الجديد للمجلس الاعلى للاعلام سلطات واسعة لعقاب كل من يكتب وفرض عقوبات حتى على المواطنين غير الخاضعين للقانون بصيغته، والذين يكتبون على صفحاتهم الشخصية وفرض عقوبات مالية على الصحفيين بخلاف العقوبات الأخرى دون العودة للنقابة .
وهكذا فإن القراءة الأولية للقوانين والتي جاءت بعض نصوصها لتستجيب ظاهريا لمطالب الجماعة الصحفية عبر نضالها، في وقت تتوسع فيه ألة الحبس لتطارد كل ما هو صحفي، تشير إلى ان ما خضعت له السلطة ظاهريا بيسارها خطفته بيمينها، وهوما ظهر بشكل واضح في اعادة الحبس الاحتياطي في قضايا النشر عبر بوابة خلفية بعد أن تم الغاؤه تماما بتعديلات تشريعية أصدرها مرسي عام 2012 عقب أزمة اسلام عفيفي، كما تشير إلى اننا أمام استكمال لعملية الهيمنة على الصحافة واستكمال تدشين عملية مصادرة الكلام يظهر ذلك بوضوح في عدد ليس قليل من نصوص القانون والتي توسعت في الاستثناءات بدعاوى الامن القومي وبعبارات فضفاضة مثل التحريض على مخالفة القانون أو الدعوة للتعصب وغيرها أو بالاحالة للائحة ..
وإلى قراءة سريعة في نصوص القانون:
في الوقت الذي يجعل القانون اصدار الصحف بالاخطار ويمنع مصادرتها أو فرض الرقابة عليها استجابة لنصوص الدستور، فإن المادة 5 جاءت لتخطف باليمين ما أقرته المادة 3 بالشمال ، وتحول الاخطار لترخيص وتفتح بابا خلفيا للمصادرة بل وتجعلها الزامية في حالات بعينها، وتفتح الباب لتعبيرات مطاطة للمصادرة أو منع الترخيص مثل ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية أو تعصب جهوي أو تفرقة بسبب الجنس وهو شرط ينطبق على كل المؤسسات بخلاف التحريض على الاباحية دون تحديد مفهوم واضح للاباحية وهل نشر لوحات فنية يدخل في هذا المجال .
خيث تنص المادة (5) على أنه:
لا يجوز بأي حال من الأحوال الترخيص أو التصريح بإنشاء أية وسيلة صحفية أو إعلامية أو موقع الكتروني أو السماح له بالاستمرار في ممارسة نشاطه، متى كان يقوم على أساس تمييز ديني أو مذهبي أو التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو عرقي أو تعصب جهوي أو إلى ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو على نشاط ذي طابع سري أو تحريض على الإباحية ، أو على الكراهية أوالعنف، أو تدعو إلى أي من ذلك أو تسمح به.
أما المادة 6 ففيها تناقض وتضارب في الصياغة واضح يكشف فلسفة القائمين على اعداد القانون فبينما تنص على أن الحصول على ترخيص للموقع أو مكاتب المواقع فإنها تضع عقوبة الغاء الترخيص لمن لم يحصل على الترخيص أصلا مع إضافة سلسلة أخرى من العقوبات كوقف النشاط والحجب .. وهو ما يثير التساؤلات كيف سيتم الغاء ترخيص لم يصدر أم ان فلسفة المصادرة طغت فلم يلتفت القائمون على المشروع للعوار الموجود في الصياغة.
نص المادة (6)
لا يجوز تأسيس مواقع إلكترونية في جمهورية مصر العربية، أو إدارتها، أو إدارة مكاتب أو فروع لمواقع الكترونية تعمل من خارج الجمهورية إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المجلس الأعلى وفق الضوابط والشروط التي يضعها في هذا الشأن.
ومع عدم الإخلال بالعقوبات الجنائية المقررة، للمجلس الأعلى في حالة مخالفة أي مما تقدم اتخاذ الاجراءات اللازمة بما فيها إلغاء الترخيص أو وقف نشاط الموقع أو حجبه في حالة عدم الحصول على ترخيص ساري.
*****
كما توسع القانون في استخدام العبارات المطاطة كمقتضيات الأمن القومي والدفاع عن البلاد ومعاداة مبادئ الديمقراطية والتعصب الجهوي أو التحريض على مخالفة القانون ووضعها كشروط لاستمرار العمل الصحفي وهو ما ظهر في العديد من المواد منها المادة 5 و10 والمادة 19 ففي المادة 10 الخاصة بتداول المعلومات تم وضع استثناء (دون الاخلال بمقتضيات الأمن القومي والدفاع عن الوطن) وكذلك في بند 4 من المادة 68 الخاصة بأهداف المجلس الأعلى للاعلام والتي تنص على ضمان التزام المؤسسات الإعلامية والصحفية بمقتضيات الأمن القومي.. دون وضع تعريفات واضحة لمقتضيات الأمن القومي أو الدفاع عن الوطن وحدودها مما يفتح الباب أمام استخدامها للنيل من حرية الصحافة والعمل الصحفي.
***
المادة 19 من القانون والتي جاء رقمها بالمصادفة ليتشابه مع مادة حرية الرأي والتعبير في الإعلان العالمي لحقوق الانسان والتي تعهدت مصر بتطبيقها، جاء نصها ليصادر هذا الحق تماما، حتى يمكن بقلب مستريح أن نطلق على المادة اسم مادة الأخ الأكبر لما تعطيه للمجلس الاعلى للاعلام من صلاحيات للسيطرة على كل ما ينشر على شبكة الانترنت بدء من المواقع وحتى المدونات والصفحات الشخصية التي لا تخضع للقانون أصلا.
نص المادة 19
(يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أوالموقع الإلكتروني، نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو للعنصرية، أو التعصب أو يتضمن طعنا في أعراض الأفراد أو سبا أو قذفا لهم أو امتهان للأديان السماوية أو للعقائد الدينية.
واستثناء من حكم المادة الأولى من مواد إصدار هذا القانون ، يلتزم بأحكام هذه المادة كل موقع الكتروني شخصي أو مدونة الكترونية شخصية أو حساب الكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر.
ومع عدم الإخلال بالمسئولية القانونية المترتبة على مخالفة أحكام هذه المادة يجب على المجلس الأعلى اتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة وله في سبيل ذلك ، وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه.)
والمادة بصياغتها الحالية تعد نموذجا لفرض قانون الصمت على الجميع فطبقا لنصها فإن صلاحيات المجلس لا تقف عند حدود مراقبة الجميع حتى على صفحاتهم الشخصية، لكن أيضا اتخاذ إجراءات بشأنهم، حيث يعطي نص المادة الحق للمجلس الأعلى للاعلام لاتخاذ اجراءات منها وقف أو حجب المواقع والمدونات والصفحات الشخصية التي يزيد عدد متابعيها عن 5 ألاف شخص، بقرار إداري ولاسباب مطاطة منها (نشر أو بث أخبار كاذبة، والسب والقذف أو ما اسمته المادة التحريض على مخالفة القانون أو الدعوة للتعصب وامتهان العقائد ) .
أي ان المادة قننت الحجب وفتحت أبوابه على اتساعها ولو بدعوى نشر أخبار كاذبة، فضلا عن انها فرضت سطوة المجلس الاعلى للاعلام على كل ما ينشر على الانترنت بشكل عام بما فيها الصفحات الشخصية على مواقع التواصل وليس على المواقع الالكترونية التي ينظمها القانون، بل واعطت له حق اتخاذ اجراءات بشأنها .
يبقى أن المادة هي مجرد نموذج لفلسفة القانون بشكل عام والتي جاءت لاستكمال الهيمنة الكاملة والانتقال من مرحلة السيطرة على الاعلام إلى مصادرة الكلام.
******
المادة 29 أعادت الحبس الاحتياطي في قضايا النشر من باب خلفي ففي الوقت الذي كانت تنص المادة في آخر تعديلاتها عام 2012 على أنه لايجوز الحبس الاحتياطي في قضايا النشر التي تقع بواسطة الصحف بعد حذف الاستثناء الوارد في المادة الخاص باهانة الرئيس بقرار من مرسي بعد أزمة حبس اسلام عفيفي فإن المادة 29 جاءت لتعيد الحبس في قضايا النشر حيث استثنت من عدم تطبيق الحبس الاحتياطي القضايا المتعلقة بالتخريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في اعراض الافراد هذا فيما يتم تعطيل النص الدستوري بمنع الحبس في قضايا النشر وتعطيل التشريع الخاص به .
حيث تنص المادة 29 على
(لا يجوز الحبس الاحتياطي في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في اعراض الافراد).
وبهذا يفقد الصحفي احد الضمانات المتعلقة بعمله والتي كان يتمتع بها وهو ما يفتح الباب لتوسيع نطاق الحبس الاحتياطي خاصة بعد التوسع في تفسير القانون أو القبض بناء على تحريات المباحث .
أما المادة 100 فتعطي لرئيس المجلس الأعلى للإعلام حق تغريم رئيس التحرير بغرامة من 50 ألف إلى مائة الف جنيه في حالة كسر حظر النشر أو عدم نشر التصحيح ، (وهنا يفتح الباب لعقاب الصحفيين تأديبيا ولابد من ازالة اسم رئيس التحرير والاكتفاء بالمؤسسة أو مديرها).
وبخلاف ذلك فإن المادة الثالثة من مواد الإصدار تتحدث عن توفيق الاوضاع لكن المثير للتساؤلات هي انها بدلا من أن تتحدث عن المؤسسات فإنها جعلت توفيق أوضاع مفروض على كل من يعمل في المجال الصحفي والإعلامي ، وهو ما يحتاج لتوضيح حول كيفية توفيق العامل أو الصحفي لأوضاعه .
نص المادة : على كل من يعمل في المجال الصحفي أو الاعلامي سواء في الصحف أو في وسائل الاعلام أو المواقع الألكترونية في تاريخ العمل بهذا القانون توفيق أوضاعه طبقا لأحكام القانون ولائحته التنفيذية خلال ستة أشهر من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية.
*******************
الأمر يمتد أيضا لنصوص التشكيل في القوانين الثلاثة الخاصة بالمجلس الأعلى للاعلام والهيئتين، حيث تراجع تمثيل نقابة الصحفيين في التعديل الاخير إلى عضو واحد في المجلس الأعلى وعضوين في الهيئة الوطنية للصحافة مقابل طغيان نسبة السلطة التنفيذية الهيئة الوطنية والتي تم تقليص عدد اعضائها إلى 9 حيث يختار الرئيس 3 أعضاء من بينهم الرئيس ويختار وزير المالية عضو فيما يتم تعيين أمين عام من خارج اعضاء المجلس لتسيير الأوضاع . وتكرر الوضه مع المجلس الأعلى للإعلام حيث يختار الرئيس عضوين من 9 اعضاء بخلاف ممثلين للقومي للاتصالات ورئيس جهاز حماية المنافسة فيما تراجع تمثيل الصحفيين والإعلاميين لعضو نختاره كل نقابة.
ونصوص التشكيل بصيغتها العامة الحالية ترسخ هيمنة السلطة التنفيذية وتحديدا رئيس الجمهورية على الاعلام بشكل قانوني وكامل
********
وبالانتقال لقانون الهيئة الوطنية للصحافة تستمر فلسفة الهيمنة بدءا من التشكيل والذي تحدثنا عنه انتقالا لتقليل أعداد المنتخبين في الجمعيات العمومية ومجالس الادارات مرورا بسلطات الهيئة وهو ما نستعرضه فيما يلي:
المادة 5 من قانون الهيئة الوطنية للصحافة تعطي الحق لها في الغاء ودمج المؤسسات والإصدارات الصحفية داخل المؤسسة الواحدة، أما بخصوص المد للصحفيين فوضعت نفس المادة سلطة المد للصحفيين في يد الهيئة دون وضع سن وقواعد واضحة له واحالته بهذا الشكل للائحة التنفيذية.. مما يشكل تراجعا عن المطالبات الخاصة بالمد لسن 65 وبما يحول المد إلى وسيلة لمكافأة التابعين أو المهذبين.
المادة 35 من قانون الهيئة : تشكيل الجمعية العمومية للمؤسسات الصحفية القومية من 17 عضوا بينهم 6 منتخبين فقط من الصحفيين والعاملين فيما تضم الجمعية رئيس الهيئة الوطنية للصحافة و3 من اعضاء اللجنة سيكون لهم اليد العليا في اتخاذ القرارات بحكم سلطتهم على المؤسسات بخلاف 7 من الخبراء من خارج المؤسسة
المادة 39 الخاصة بتشكيل مجالس الادارات 13 عضوا منهم 7 تختارهم الهيئة بينهم رئيس مجلس الإدارة و6 من المنتخبين .