المهندس. يحيى حسين عبد الهادي يكتب عن السجن ومعتقلي العيد: بين النيران الصديقة .. والنيران الصفيقة

رأي قضايا ساخنة

من أقوال العلاَّمة الراحل الدكتور/ أحمد أمين والد الدكتور/ جلال أمين (مَتَّعَه اللهُ بالصحة): (لا أُحِبُ السجنَ .. ولا أسعى إليه) .. مع أن السجن الذى كان يتحدث عنه (قبل قرنٍ من الزمان) لا يُقارَن بما تلاه من مسالخ.

ومع ذلك لا أعتقد أن السجن فى حد ذاته هو مشكلة يحيى القزاز ومعصوم مرزوق ورائد سلامة ومن معهم ومن سبقهم ومن سيلحق بهم .. فقيمة أى موقفٍ أن تدفع ثمنه .. أو تكون مستعداً لأن تدفع ثمنه .. وأحسب أن كُلاً منهم كان مستعداً (بل راغباً) فى دفع الثمن .. لكن المشكلة أن كلاً من هؤلاء الشرفاء لا يُسجنون وإنما يُعزلون عن الدنيا بالمعنى الحرفى للكلمة .. ويضغط سَجَّانُهم لتنحصر دنياهم فى التعايش مع مرضٍ أو ألمٍ لا يُسمح لهم بعلاجه .. أو دواءٍ لا يُسمح لهم بتناوله .. أو حاجةٍ لا يُسمح لهم بقضائها إلا مرةً واحدةً فى الْيَوْمَ .. أو نظارةٍ طبيةٍ تُمنع عن صاحبها ٤٨ ساعة .. إلى آخر هذه الصغائر التى يتعرض لها الكبار فى عهد الصغار .. وهم فى عزلتهم الكاملة هذه لا يعلمون بما يُوَّجه لهم من نيرانٍ صديقةٍ أو نيرانٍ صفيقة .. ولأنهم لا يعلمون فإنهم لا يردون .. فيضاف الاغتيال المعنوى إلى الاعتقال الجسدى..

أما النيران الصديقة فقد تأتى بِحُسن نية من محامٍ، كل ما يُهمه تبرئة موكله من تُهمٍ باطلةٍ عَبْر تصريحاتٍ قانونيةٍ بحتة أو مبتسرة .. بينما القضية سياسية بامتياز والقانون لا محل له من الإعراب فيها .. وقد تأتى من أسرةٍ، كل ما يعنيها عودة الزوج أو الأب وتخفيف معاناته .. ولا يدرى هؤلاء أو أولئك أنهم يُجهزون على المُوَّكِل أو الحبيب بتصريحاتهم أو استرحاماتهم التى لو عَلِمَ بها لَرَفَضها تماماً .. يظل ذلك بالطبع هو الاستثناء لا القاعدة .. فمعظم كتيبة المحامين الوطنيين المتطوعين بالدفاع هم من ذوى الخبرة المتمرسين على مثل هذه النوعية من القضايا (وبعضهم كان ضحيةً لها) .. كما أن الأهل معظمهم من الصابرين الواعين المؤمنين بقضايا أحبابهم (مثل ميسرة ابنة معصوم مرزوق .. ومديحة الملوانى زوجة جمال عبد الفتاح .. وآل سيف .. وغيرهم)..

أما النيران الصفيقة والوضيعة فلا تقتصر على حزمة الاتهامات المضحكة والمعلبة والموحدة للجميع بلا تفرقة والتى تجعلنا نترحم على أيام الحِرَفية فى التلفيق .. وإنما يصاحبها هجمةٌ موجهة من عرائس الماريونيت الإعلامية (أو كلاب السكك كما أسماهم السفير معصوم فى إحدى مقالاته) تنهش فى سمعة الشرفاء المعزولين وتتهمهم تصريحاً وتلميحاً بالعمالة والتمويل من نصف دول العالم .. مع كلامٍ مُوحٍ عن الأحراز التى تشتمل على منشوراتٍ (هى فى الحقيقة كُتُب وروايات ودواوين شعر) وعملاتٍ أجنبية (دون توضيح قيمتها التى قد لا تزيد عن 10 ريالاتٍ من بواقى عُمرة) ولا يوجد ما يمنع من التلميح لممنوعات (كما نُسِب لبعض المعتقلين فى الحملات السابقة) .. إلى آخر تلك السفالات التى ما كان أحدٌ من هذه النعال الإعلامية يجرؤ على ذكرها قبل أن يخلو لهم الجو باعتقال الشرفاء .. وهل كان كلبٌ يجرؤ على الطعن فى ذمة يحيى القزاز أو معصوم مرزوق قبل أن يغيبهما السجن؟!..

.والحقيقة أننى أتعَّجب من الجُرأة على الحديث عن ذِمَّةِ أى إنسانٍ (بالحق أو بالباطل) فى بلدٍ يمتنع فيه الحاكم عن الإفصاح عن ذِمَّتِه المالية .. ضارباً بالدستور عرض الحائط .. كُلُّ حديثٍ عن ذِمَّةٍ دون ذِمَّة عبد الفتاح السيسى هو بطولةٌ مصطنَعَة أو وقاحةٌ ممقوتة .. فالدستور يُلزم الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء بنشر تفاصيل ذِمَمِهم المالية فى الجريدة الرسمية .. وهو ما لم يحدث مطلقاً .. هل هم بلا ذِمَم ؟!. ..

.القاهرة فى 3 سبتمبر 2018

Leave a Reply