قانون الجريمة الإلكترونية يُكرس للمراقبة الشاملة على الاتصالات في مصر.. وتنظيم الصحافة يتوسع في عمليات الحجب لتمتد للحسابات الشخصية
المنظمات تدعو لإلغاء قانون الجرائم الألكترونية فورًا.. وإعادة النظر في مواد مراقبة الإنترنت وحجب المواقع في تنظيم الصحافة والإعلام
أدانت 6 منظمات حقوقة، ما وصفته بـ”إصرار الحكومة المصرية على قمع حرية الإنترنت وإحكام قبضتها على أية مساحات حرة للتعبير عن الرأي”، والتي كان آخرها إصدار رئيس الجمهورية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في 18 أغسطس الماضي.
وقال بيان مشترك، إن السلطات المصرية سعت خلال الفترات السابقة للسيطرة على الفضاء السيبراني بممارسات عدة، بدأت في 24 مايو 2017 بحجب عدد من مواقع الوب على نطاق واسع، حتى وصل عددها إلى أكثر من 500 موقع.
ولم تعلن أي جهة حكومية مسئوليتها عن حجب تلك المواقع أو أسباب الحجب، باستثناء القرار الصادر عن لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين والخاص بحجب 33 موقعا، وذلك رغم مطالب حقوقية عديدة وقضايا منظورة الآن أمام القضاء الإداري تطالب بالإفصاح عن السند القانوني للحجب.
كما وجهت السلطات المصرية اتهامات عديدة متعلقة بالنشر الإلكتروني ضد ناشطين مصريين خلال السنوات القليلة الماضية، هذا بالإضافة إلى استيراد تقنيات وبرمجيات التجسس والمراقبة.
تقنين الرقابة على الإنترنت
ورفضت المنظمات الموقعة أيضًا تقنين الرقابة على الإنترنت، معتبرة إصدار قانون لمكافحة جرائم تقنية المعلومات في هذه الفترة “يبدو وكأنه محاولة من السلطة لتقنين ما اتخذته من خطوات قمعية فيما يتعلق بالرقابة على الإنترنت منذ ما يزيد عن سنة. إذ جاء في نصوص القانون مسوغات فضفاضة وعامة لحجب المواقع يمكن تطويعها وتفسيرها وفقًا لتوجهات الأجهزة الأمنية وجهات التحقيق”.
وينص القانون في مادته السابعة على أنه للجهات المعنية صلاحية حجب المواقع في حالة “نشر أي محتوى يُعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، شريطة أن تشكل تهديدًا للأمن القومي أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر” إن عدم تحديد ما الذي يعنيه المشرع بتهديد الأمن القومي أو تعريض أمن البلاد واقتصادها للخطر يفتح الباب واسعًا أمام السلطة في مصر للتوسع في عمليات الرقابة على الإنترنت وقمع مستخدميه.
وبحسب المنظمات، يأتي هذا جنبًا إلى جنب مع منح جهات التحقيق وجهات التحري والضبط صلاحية حجب المواقع مباشرة، بينما جعل الرقابة القضائية على تلك القرارات رقابة لاحقة؛ وبذلك يمكن لجهات التحقيق وجهات التحري والضبط أن تطلب حجب مواقع إلكترونية من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، والذي يطلب بدوره من مقدمي الخدمات حجب المواقع. ومن ناحية أخرى، يفرض القانون عقوبات بالحبس وأخرى مالية على شركات الاتصالات حال عدم تنفيذها لقرارات الحجب فور ورودها إليها.
تقنين المراقبة الشاملة على الاتصالات
وأضاف بيان المنظمات، إن قانون الجريمة الإلكترونية يُكرس للمراقبة الشاملة على الاتصالات في مصر، حيث يلزم شركات الاتصالات بحفظ وتخزين بيانات استخدام العملاء، لمدة 180يومًا؛ وتشمل البيانات التي تُمكّن من التعرُّف على المستخدم، والبيانات المتعلقة بمحتوى ومضمون النظام المعلوماتي، وتلك المتعلقة بحركة الاستخدام وبالأجهزة المُستخدمة.
ما يعني أنه سيكون لدى مقدمي خدمات الاتصالات بيانات توضّح كل الممارسات التي يقوم بها المستخدم، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، وكل البيانات المتعلقة بهما والمواقع التي يزورها، والتطبيقات المستخدمة على الهواتف الذكية والحواسيب. كما يمكن للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن يصدر قرارًا إداريًا بإلزام شركات الاتصالات بحفظ “بيانات أخرى” دون تحديد ودون النص عليها في القانون.
وبحسب البيان، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى إعطاء الحق لجهات الأمن القومي (عرفها القانون بأنها: رئاسة الجمهورية، والقوات المسلحة، ووزارة الداخلية، والمخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية) بالاطلاع على البيانات المشار إليها في الفقرة السابقة مع إلزام مقدمي خدمات الاتصالات بأن يوفروا الإمكانيات الفنية لتلك الجهات.
وأشارت المنظمات إلى أن هذا التوجه بفرض المراقبة الشاملة على جميع المستخدمين في مصر يعد منافيًا لما جاء بالمادة رقم 57 من الدستور المصري والتي تنص على “للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون”.
حيث يفرض القانون المراقبة دون أن تكون مرتبطة بوجود تحرك قضائي لكشف تورط ما في جريمة منصوص عليها قانونًا يعد عصفًا بالحماية الدستورية لبيانات الاتصال.
قانون تنظيم عمل الصحافة والإعلام
كما أدانت المنظمات أيضًا قانون تنظيم الصحافة والإعلام، والذي يمنح بدوره للمجلس الأعلى للإعلام صلاحية حجب المواقع الإلكترونية، حيث يمكن، طبقا للمادة 19 من القانون، حجب الموقع في حالة “نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون، أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب، أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم، أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية”.
وفيما قالت المنظمات، إنه كما هو الحال في قانون الجريمة الإلكترونية فإن العبارات والألفاظ مطاطة وفضفاضة يمكن تفسيرها حسب أهواء الجهات المعنية بتنفيذ القانون، وقد استُخدمت هذه الألفاظ من قبل في تكييف العديد من التهم ضد نشطاء على خلفية تعبيرهم عن آرائهم سواء من خلال الوسائط الرقمية أو غيرها.
وإضافة إلى حجب المواقع الإلكترونية، فإن مشروع قانون تنظيم عمل الصحافة والإعلام، يتوسع في عمليات الحجب لتمتد للحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي والتي يبلغ عدد متابعيها 5 آلاف متابع. فمن حق المجلس الأعلى للإعلام حجبها إذا رأى أن هذه الحسابات تنشر أو تبث أخبارًا كاذبة، أو ما يدعـو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب، أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية.
وترى المنظمات المُوقّعة أن قانون “الجريمة الإلكترونية “وقانون تنظيم عمل الصحافة والإعلام ليسا إلا حلقتين جديدتين في مسعى السلطة لفرض سيطرتها الكاملة على الفضاء السيبراني ضمن عملها الدؤوب لإغلاق المجال العام ككل وسلب أي مساحة متاحة لحرية التعبير. ولذا تدعو المنظمات المُوقّعة لإلغاء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات فورًا، وكذلك إعادة النظر في المواد المتعلقة بمراقبة الإنترنت وحجب المواقع في قانون تنظيم الصحافة والإعلام.
المنظمات الموقعة:
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
المفوضية المصرية للحقوق والحريات
مؤسسة حرية الفكر والتعبير
مؤسسة قضايا المرأة المصرية
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
مركز النديم