عام يمر على تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على اتفاقية «تيران وصنافير» والتي تم بمقتضاها نقل تبعية الجزيرتين إلى السعودية بدلا من مصر، وفي الوقت الذي وصف السيسي الاتفاقية بأنها «رد الحق لأصحابه» أكد معارضوه أن ما حدث تفريط في الأرض المصرية، مشيرين إلى أن الجزيرتين ظلتا على مر التاريخ أرضا مصرية، وأنهما تحت السيادة المصرية قبل أن يعرف العالم بلدا تسمر السعودية، مدعمين ذلك بوثائق في كافة الحقب التاريخية في معركة استمرت لعام كامل، ما بين الإعلان عن الاتفاقية، وقرار التصديق الذي صدر ليلة عيد الفطر ليحولها إلى ليلة حزينة لدى المدافعين عن مصرية الجزر.
عام كامل من الصراع والدفاع عن مصرية الجزيرتين بدأ بعد إعلان الحكومة المصرية عن الاتفاقية في أبريل 2016، ليبدأ الحديث عن نقل تبعية الجزيرتين واللتان لم تعرفا طوال تاريخهما إلا السيادة المصرية للسعودية، كل ذلك عقب زيارة الملك سلمان لمصر في زيارة وصفت بالتاريخية.
كانت هذه البداية التي أشعلت مظاهرات غاضبة في القاهرة والمحافظات، ليرد السيسي على المعترضين بقوله: «أرجو منتكلمش في الموضوع ده تاني»، لكن الجميع أصر على الكلام ليعلو صوت احتجاجات لم تتوقف، مثلما لم تتوقف الدولة عن مطاردة المعترضين، ففور الكشف عن الاتفاقية اندلعت أكبر موجة احتجاجات خلال أعوام حكم السيسي، وتم شن حملة اعتقال طالت المئات، بينما تم إحالة أعداد كبيرة منهم للمحاكمات التي اصدرت أحكاما أولية بحبس العشرات منهم تبعها أحكام بالإفراج ودفع كفالات تراوحت بين 50 ألف ومائة ألف جنيه لكل معتقل ليرد المواطنون بتنظيم حملات لجمع الكفالات وخلال أيام تم جمع ملايين الجنيهات لتغطية كفالات الدفعة الأولى من المفرج عنهم، في إعلان واضح عن مساندة المواطنين لمن خرجوا في مظاهرات رفض الاتفاقية.
وتبتعد جزيرتا «تيران وصنافير» عن بعضهما بمسافة نحو 4 كيلومترات في مياه البحر الأحمر، وتتحكم الجزيرتان في مدخل خليج العقبة، ومينائي العقبة في الأردن، وإيلات في إسرائيل. وتقع جزيرة تيران عند مدخل خليج العقبة، على امتدادٍ يتسم بأهمية إستراتيجية يطلق عليه «مضيق تيران»، وهو طريق دولة الاحتلال الإسرائيلي لدخول البحر الأحمر.
وتتمركز القوات المصرية في الجزيرتين منذ عام 1950، وكانتا من بين القواعد العسكرية الإستراتيجية لمصر في فترة «العدوان الثلاثي» عام 1956، واستولت إسرائيل عليهما في ذلك الوقت.
كما سيطرت إسرائيل على الجزيرتين مرة أخرى في نكسة 1967 لكنها أعادتهما إلى مصر بعد توقيع اتفاقية السلام عام 1979.
وفي الوقت الذي دافعت فيه الحكومة عن تبعية الجزيرتين للسعودية، فإن المعارضون لم يكتفوا بالاحتجاج بل خاضوا معركة الوثائق والتي امتدت لعام كامل ، قدموا خلالها وثائق وخرائط تاريخية، ونصوص اتفاقيات دولية وكتب وقرارات وزارية تثبت مصرية «تيران وصنافير»، وتؤكد السيادة المصرية عليهما على مر التاريخ.
وفيما يخوض المعارضون معركة إثبات مصرية الجزر، كانت الحكومة في تناقض لم يشهده التاريخ تخوض المعركة المضادة بكل ما أوتيت من أدوات فرض السطوة والقمع، ليتم الرد على «مظاهرات الأرض» أمام الصحفيين بحملة اعتقال واسعة، فيما كتب على نقابة الصحفيين أن تدفع الثمن بعدها، حيث أعقب هذه المظاهرات بفترة اقتحام نقابة الصحفيين للقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا على ذمة اتهامهما في مظاهرات رفض التنازل عن الجزيرتين، وهي القضية التي تم حفظها بعد عام كامل، مخلفة وراءها أحكام قضائية بحق 3 من قيادات النقابة بدعوى التستر على من تم حفظ القضية بحقهما بعدها ، ووصف مراقبون اقتحام الشرطة لنقابة الصحفيين بأنه انتقام من دور النقابة في ذلك الوقت في الدفاع عن الأرض ومصرية الجزيرتين.
مشاهد القبضة الأمنية لم تقف عند نقابة الصحفيين، ففي «جمعة الأرض» التي دعا لها أحزاب ونشطاء منعت قوات الشرطة أي تجمعات وتحولت وسط القاهرة لثكنة عسكرية وتم القبض بشكل عشوائي على كل من يتواجد بأماكن التظاهرات في رسالة أن الدولة عازمة على تمرير الاتفاقية، وأنها لا تريد أي اعتراضات، وأنها لن تسمح بتكرار مظاهرات عبد الخالق ثروت الحاشدة.
انتقلت قضية «تيران وصنافير» بعد ذلك إلى ساحات المحاكم وفي يونيو 2016، قضت محكمة القضاء الإداري، ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، لتتقدم هيئة قضايا الدولة بعدها، بطعن على قرار القضاء الإداري، وطالبت بوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر من القضاء الإداري. وهو ما رد عليه أحد المحامين، باستشكال لوقف الحكم أمام محكمة غير مختصة هي الأمور المستعجلة، مؤكدًا أنها من الأمور السيادية التي تخرج عن ولاية القضاء الإداري، بينما سلكت قضايا الدولة طريق الطعن أمام الإدارية العليا.
وفي 2017، قضت المحكمة الإدارية العليا، برفض الطعن على بطلان اتفاقية تيران وصنافير وأصدرت حكما نهائيا بمصرية الجزيرتين، أكدت فيه المحكمة أنها قد وقر واستقر في عقيدتها أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير، مقطوع بها، وأن دخول الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية أثر للسيادة المستقرة، وأن الحكومة لم تقدم ثمة وثيقة أو شيء آخر يغير أو ينال من تلك السيادة المستقرة”. ووسط الفرح بالحكم كان أن دفع خالد علي أحد المحامين المدافعين عن الجزر الثمن بقضية تتهمه بإتيان فعل خادش للحياء بينما كان الجميع يحتفل بالحكم بشعارات تستعيد روج ثورة يناير والتي انتمى غالبية المدافعين عن الجزر لها وشاركوا في أحداثها.
وفيما استقبلت المعارضة الحكم بالترحيب، استمر الإصرار الحكومي على تمرير الاتفاقية، ولجأت الحكومة إلى البرلمان دون انتظار للدعاوى التي تم إحالتها للمحكمة الدستورية للبت فيما وصفته الحكومة بتعارض الأحكام، والذي استند للعبة قديمة هي الاستشكال على الأحكام أمام محاكم غير مختصة . حيث كانت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة قد قضت في وقت سابق، بقبول دعوى التنفيذ الموضوعي التي تطالب بإسقاط أسباب حكم المحكمة الإدارية العليا القاضي ببطلان اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي انتقلت بموجبها تبعية جزيرتى «تيران وصنافير» للمملكة، واستمرار تنفيذ حكم الأمور المستعجلة بسريان الاتفاقية.
وقبل أن تقول المحكمة الدستورية كلمتها، ورغم صدور حكم نهائي، من الإدارية العليا بمصرية الجزر إلا أن البرلمان بدأ في مناقشة الاتفاقية وسط موجة جديدة من الاحتجاجات، ومطالبات بتأجيل المناقشة حتى تقول الدستورية كلمتها، ليدفع العشرات الثمن مرة أخرى، فيما يعلن البرلمان موافقته على الاتفاقية، وفي مساء ليلة عيد الفطر وبينما كان المصريون يستعدون للاحتفال نشرت الجريدة الرسمية قرار السيسي بالتصديق على الاتفاقية، في رسالة جديدة تستغل صمت العيد وهي الرسالة التي تكررت بعدها بعام في قرارات زيادة الأسعار الأخيرة.
حسم قرار السيسي المعركة بنسبة كبيرة لصالح الحكومة والمملكة، لكن بعض من أطرافها ظل مستمرا أمام الدستورية لتوصي هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، فيما بعد، بعدم قبول منازعتي التنفيذ المقامتين من هيئة قضايا الدولة الخاصتين بالأحكام الصادرة من مجلس الدولة والأمور المستعجلة حول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية الخاصة بجزيرتي تيران وصنافير.
ثم أصدرت المحكمة الدستورية العليا، العام الحالي حكمًا نهائيًا قضت فيه بعدم الاعتداد بجميع الأحكام التي وصفت بـ«المتناقضة» الصادرة من مجلس الدولة ببطلان الاتفاقية، وآخر من محكمة الأمور المستعجلة بتأييد الاتفاقية، في قضية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
ورغم مرور عام على تصديق السيسي على الاتفاقية، وصدور حكم الدستورية العليا حولهما، وانتقال الجزيرتين فعليا للسيادة السعودية وما يدور عن وجودهما كجزء من لعبة دولية أخرى هي “صفقة القرن”، لكن جانبا من المعارضين للاتفاقية يؤكدون أن المعركة لم تحسم بالنسبة لهم، وبينما لازال بعضهم يخوض الطريق القانونية بقضية جديدة أمام الدستورية، فإن آخرين يراهنون على الزمن رافعين شعار أن حق مصر سيعود ولو بعد حين.