ليس ضروريًا أن تعرف مسبقًا في أي المدن تكون، فالمساجد الشاهقة البنيان ذات التحف الخشبية والصدفية والنحاسية الأنيقة التي يشع منها عبق التاريخ ويتدلل من بين ثنايا جدرانها صمغ الحضارة الإسلامية، كفيلة أن تخبرك أنك في حضرة القاهرة التاريخية الأثرية العريقة.
رغم ثراء تلك المساجد الأثرية بما تحتويه من مقتنيات غير أن منابرها وحدها كفيلة أن تأخذك إلى أجواء أخرى بعيدة تمامًا، وآفاق ما كان لخيالك أن يصل إليها مهما أمتطيت جياد التخيل فائقة السرعات، فهي تحف فنية مكتملة الأركان تجبرك على الوقوف أمامها ساعات تلو الأخرى دون ملل أو تعب، فكل خيط فيها أو نقش عليها لوحة بذاته تحتاج إلى فنان من طراز خاص لإستيعابها وقراءة خطوط الجمال التي كتبت عليها.
وفقًا للقرار الذي يحمل رقم 110 لعام 2018 م سيتم إقتلاع 55 منبرًا من أعظم وأجمل منابر القاهرة الإسلامية من أماكنها وتخزينها في مخازن متحف الحضارة لحين إعادة عرضها وفقًا لما ستقرره اللجان فيما بعد ولن تكون المنابر وحدها الهدف بل أيضًا 60 قطعة أخرى موزعة بين مشكاوات وكراسي مقرئين وثريات، وهو ما دفع إلى التساؤل بشأن الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار، ولمصلحة من تُشوه صورة القاهرة القديمة ؟
القرار جاء بناء على مخاطبة وزارة الآثار لمجلس الوزراء للموافقة على ما أسمته نصًا « نقل المقتنيات الأثرية من المساجد إلى وزارة الآثار حفاظًا عليها من السرقة » دون تحديد هذه المقتنيات لا من حيث النوع أو العدد، وبناءً على الطلب وافق مجلس الوزراء على إصدار قرار يحمل رقم 110 بتاريخ 20 من فبراير 2018 م وجاء في نص القرار بعد مخاطبة وزير الآثار والموافقة على الطلب أن تتولى وزارة الآثار توفير مستنسخات بديلة لهذه المقتنيات بمعرفتها وأن يتم ذلك من خلال لجان مشتركة ومحاضر رسمية.
وفقًا للقرار الذي يحمل رقم 110 لعام 2018 م سيتم إقتلاع 55 منبرًا من أعظم وأجمل منابر القاهرة الإسلامية من أماكنها وتخزينها في مخازن متحف الحضارة لحين إعادة عرضها وفقًا لما ستقرره اللجان فيما بعد، إذا كانت الحكومة صادقة في حرصها على هذه المنابر من السرقة فلماذا لا تُشدد الحراسة عليها، وتظل قائمة في أماكنها والإهتمام بها من خلال ترميمها وهي في أماكنها.
نقطة تستوجب التوقف حيالها عند قراءة القرار، حيث جاء في المذكرة التنفيذية « أعمال توثيق وتسجيل المقتنيات جارية بالآثار الإسلامية بشكل مكثف، وقد تم الإنتهاء خلال شهر فبراير الماضي من تسجيل 117 مشكاة بمسجد الرفاعي ونقلها لمخازن متحف الحضارة ».
هنا سؤال يطرح : كيف صدر القرار في إبريل وأعمال التوثيق كانت في فبراير ؟ هذا يعني وبكل بساطة أن عملية النقل ربما تمت قبل صدور قرار مجلس الوزراء أصلًا، وتلك علامة إستفهام أخرى.
تم حصر القطع الموجودة بالمساجد الأثرية بالقاهرة وبلغ عددها 115 قطعة موزعة على 58 مسجدًا، وهي كالآتي : المشكاوات 19 مشكاة بخلاف مشكاوات مسجد الرفاعي طبعًا، يتم الانتهاء من نقلها نهاية إبريل الماضي، وبالنسبة لكرسي المقرىء فهو 15 كرسيًا ينتهي من نقلها في نهاية مايو الحالي، أما الثريات وعددها 13 ثريًا فيتم الانتهاء من تسجيلها نهاية يونيو على أن تنقل لمخازن متحف الحضارة مع نهاية أغسطس، وأخيرًا المنابر وعددها 55 منبرًا فيتم الإنتهاء من تسجيلها نهاية أغسطس، وحسب الجدول فإن كل القطع سيتم إنجاز توثيقها وتفكيكها ونقلها نهاية العام.
تنوعت طبيعة سرقات منابر المساجد ما بين سرقة أجزاء صغيرة مرورًا بسرقة أجزاء مهمة، الأمر لم يقتصر على سرقة المنابر فقط، بل تجاوزت ذلك إلى مقتنيات أخرى ذات قيمة أثرية وتاريخية كبيرة، أهمها المشكاوات وكراسي المقدم التي تُعرض في المزادات الكبرى للبيع، وفي الغالب يكون الفاعل مجهولًا، وهنا علامة إستفهام جديدة ..