صدر القانون المنظم لأمور تداول أوبيع الدواجن والذي يحمل رقم 70 لسنة 2099 بتاريخ 3 مايو سنة 2009 ، وصدرت اللائحة التنفيذية لهذا القانون بمرجب قرار وزير الزراعة رقم 941 لسنة 2009 ، والتي تم نشرها بالوقائع المصرية بالعدد رقم 165 تابع ( ب ) بتاريخ 16 يوليه سنة 2009 ، ويحدد القانون في مادته الأولى الأماكن التي يجوز فيه بيع الطيور والدواجن الحية،ويكون ذلك بموجب قرار من وزير الزراعة، ولكن جاءت اللائحة التنفيذية في مادتها الثانية بمنع تداول الطيور والدواجن الحية في مدن القاهرة والجيزة و6 أكتوبر و الشيخ زايد و حلوان والمعادي و وشبرا الخيمة و الإسكندرية ، وتكون هناك مدة أو فترة انتقالية لمدة سنة لباقي مناطق الجمهورية ، حتى يتم التحول التدريجي إلى بيع الطيور والدواجن المذبوحة بالمجازر المخصصة والمرخصة من وزارة الزراعة.
وكلنا يعلم جيداً أن هذا التنظيم القانوني سالف البيان قد كان حينها منعا لتزايد أو انتشار حالات الإصابة بمرض إنفلونزا الطيور، والتي كانت منتشرة في ذلك الحين، ولكن هذا التشريع بمجمله لم يتم تفعيله منذ انحسار موجة مرض إنفلونزا الطيور، إلى أن جاء خطاب وزارة الزراعة إلى محافظة القاهرة ، والمؤرخ بتاريخ 299 /8 2018 ، بحسب الصورة المنشورة على موقع اليوم السابع بتاريخ 10 / 10 / 2018 ، والمتضمن إعادة تفعيل هذا القانون بلائحته التنفيذية، والمطالبة بإعداد الكمائن الشرطية لضمان تنفيذ هذا القانون، وذلك بناء على توجيهات رئاسية بحسب الخطاب المنشور .
وفي ظل حالة التقشف الاقتصادي التي يعاني منها المواطن المصري بشكل عام، فمن يتحمل تبعة تفعيل ذلك القانون مرة جديدة، وأغلب الفقراء في أكثر المناطق الشعبية لا يستطيعون شراء الدواجن ذاتها، وتكتفي الأسر بتناول ما يسمى بالهياكل ” وهي ما تبقى من بقايا لحم ملتصق بعظم الدجاج بعد عزل اللحم لعمل ما يسمى بالفيلية ” ، هذا بالإضافة إلى رواج تجارة أرجل وأجنحة الدجاج، والتي وصل سعرها إلى ما يزيد عن خمسة وعشرين جنيها، ومثل هذا القرار سوف يؤدي بالقطع إلى زيادة أسعار الدواجن المجمدة، أو الطيور المجمدة بشكل عام، وذلك لتفريغ السوق من الفئة المنافسة لهذه السلعة، وهي الطيور والدواجن الحية، أو ربما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلعتين معا، إذ سيتم بيع الطيور الحية بصورة خفية أو مستترة، مما سيؤدي إلى رفع سعرها لأنها ستصبح ضمن السلع النادرة، ولكونها أيضا تتماشى مع الثقافة المجتمعية لغالبية الشعب المصري ، خصوصا في القطاعات الأكثر ازدحاما لتزايد الموروث الشعبي، عن كيفية وجود الطيور المجمدة، وعمرها في الثلاجات، وطريقة ذبحها، وتخزينها، وما إلى ذلك من أمور تؤثر فعليا على تداول السلع أو عدم تداولها، هذا إضافة إلى عدم توافر المجازر الرسمية المشار إليها في القانون أو في قرار وزارة الزراعة سالف البيان، كما أن الموجود منها لا تتوافر بها الاشتراطات الصحية اللازمة لتفعيل مثل هذا القرار، وبالتالي زيادة أعداد الطيور والدواجن الواردة لهذه المجازر، هذا كله بخلاف غياب الرقابة على هذه المجازر أو تفاوتها على أقل تقدير، بما لا يتناسب مع حجم الخطر الصحي الناجم عن عدم وجود الرعاية الصحية الكافية حال تنفيذ مثل هذا القرار.
ولأول مرة أصادف تفاعلاً من ممثلي اللجان البرلمانية بمجلس النواب مع القطاعات الشعبية ضد صدور مثل هذا القرار، فبحسب المنشور على موقع اليوم السابع بتاريخ 11 أكتوبر، فقد انتقد عدد كبير من أعضاء لجنة الزراعة قرار منى محرز نائب وزير الزراعة بشأن تفعيل قرار منع تداول الطيور والدواجن الحية بين المحافظات، مؤكدين أن القرار يساعد على الممارسات الاحتكارية بما يترتب عليه من زيادة في أسعار الدواجن، وقال الدكتور إيهاب غطاطي عضو لجنة الزراعة أنه بدلا من تطبيق قرار منع تداول الطيور الحية كان على وزارة الزراعة وضع خطة لتطوير القطاع الداجني من حيث الاهتمام بطرق نقل الطيور الميتة ” النافقة“بالمزارع التي تنقل دون خطة وغياب للأسلوب العلمي لجمعها من خلال محارق مركزية مثل دول العالم، بالإضافة إلى فشل طرق تداول السبلة التي تؤخذ من المزارع دون تعقيم وتعبئة والتي تتطاير أثناء عملية النقل بما يساعد على انتشار فيروس سى حال وجود إصابة بالمزرعة.
ومن هنا وبعد ذلك التلاحم بين القطاع الأوسع والأفقر من الشعب، وبين لجنة الزراعة في مجلس النواب، يجب أن تتوقف الحكومة ممثلة في سلطتها التنفيذية عن استدعاء مثل تلك القوانين أو القرارات التي صدرت في مناسبات أو بخصوص أحداث بعينها، لطبقها وقتما يعن لها، دون النظر إلى مدى تأثير مثل تلك القوانين أو القرارات على المسارات الشعبية الواقعية، وفي ظل ظروف اقتصادية يعلم القاصي والداني مدى فداحتها على المواطنين، وقد عبر عنها السيد رئيس الدولة في إحدى المناسبات بقوله” أعلم أن الشعب المصري قد تحمل الكثير ، وصبر على الكثير “، فهل يستطيع الشعب تحمل المزيد من القرارات أو القوانين المتعلقة بقوت يومه، في ظل ارتفاع جارف لأسعار السلع الرئيسية، منذ قرض صندوق النقد الدولي، وتوالي السياسات المصاحبة له، والمرتبطة برفع الدعم عن المزيد من السلع الأساسية.
ومن الزاوية البرلمانية فإنني أرى أنه لا يجب الوقوف عند هذا الحد من توجيه اللوم إلى الحكومة أو إلى مصدري مثل هذه القرارات، حتى ولو ارتقى الأمر إلى طلبات الإحاطة أو الاستجوابات، واللذان يمثلان أهم الأدوات الرقابية للسلطة البرلمانية، وإنما يكون هناك تصرف أكثر حمية بحسب المتصرف هو في الأصل صاحب السلطة التشريعية، إذ يجب في مثل هذه الأحوال إعادة مناقشة مثل هذه القوانين في ظل تغير الظروف التي كانت مصاحبة أو متسببة في إصدارها، وبالتالي تعديلها بما يتوافق مع الاحتياجات المجتمعية الآنية، أو حتى إلغاء مثل هذه التشريعات، وهذا هو الاختصاص الأصيل لمجلس النواب، حيث يسمى في كتب الفقه الدستوري بالمجلس التشريعي، كما وأن مثل هذه القوانين ليست بالقوانين المخلدة، وذات المنحى التاريخي ، وحتى لو كانت فإنها من حيث أصلها العام عمل بشري يخضع للتغيير حسب الظروف التي يمر بها المجتمع والتي تتوافق والحاجات الأساسية لقطاعات الشعب الأرحب.