لم أتخيل يومًا حينما اخترت الالتحاق بكلية الإعلام جامعة القاهرة، لدراسة الصحافة من بين اختيارات عدة يحلم بها خريجي المدارس الثانوية خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، أن يصل حال المهنة التي طالما حلمت بالالتحاق بها، إلى الحال الذي وصلت إليه بعد ما يقرب من ربع قرن من تخرجي من الجامعة، وأكثر من 22 عاما من مزاولتي لمهنة الصحافة بشكل احترافي، فرغم الوضع البائس الذي كانت تعيشه الصحافة في ظل ديكتاتورية مبارك في التسعينيات من القرن الماضي إلا أن مهنة البحث عن المتاعب، كانت لا تزال حلما لكل من يريد أن يدافع عن المظلومين، أو يواجه السلطة المستبدة الموجودة، أو يفضح ممارستها وانتهاكاتها ضد المواطنين، أو لمن أراد تبني قضايا اجتماعية تتصدى للسائد وتواجه هيمنة تقاليد رجعية.
فرغم سيطرة دولة مبارك والتحكم في القطاع الأوسع من الصحافة والصحفيين وقتها، ظلت هناك مساحات محدودة لفضح الفساد والفاسدين، وحلما باستعادة مهنة فقدت جانبا من بريقها مع طول سنوات السيطرة والهيمنة عليها. مساحات تتيح لطالب حالم مثلي أن يمارس مهنته التي تأهل لها ولو عبر مجلة شهرية كالتي بدأت حياتي من خلالها، مستغنيا عن حلم وظيفة مستقرة مقابل أن أقول ما أريد، أو أن أفضح انتهاكا بحق مواطن، أو أن أدافع عن حياة كريمة لنا جميعا.
وقتها اخترت مجلة (اليسار) ورغم هيمنة النظام على أغلب الصحافة ومسارات العمل الصحفي ، كان هناك مساحات لصحفي صغير مثلي أن يهاجم الديكتاتور، أو يفضح انتهاكات الشرطة، أو يتبنى حملة مستمرة ضد التعذيب، مع حلم دائم بتوسيع مساحات الكلام، وتحرير الصحافة من الهيمنة عليها.
كانت المؤشرات تقول أن الحلم ممكن، وأن قلمًا صغيرًا قد يساهم في فتح مساحة أوسع ، وأن هناك نتيجة منتظرة للمخاطرة مهما كان الثمن الذي سيتم دفعه أوالذي دفعته بعدها.
الآن وبعد 7 سنوات فقط من ثورة أطاحت بمبارك، وأجبرته على التنازل عن الحكم، وحررت مساحات العمل الصحفي لفترة محدودة لم تتجاوز ثلاثة أعوام، ربما لم تعد الصحافة حلما يراود طالب صغير، في مقتبل عمره، فحتى المساحات التقليدية لطالب عادي يحلم بممارسة المهنة أو حتى الصعود الاجتماعي عبر تملق السلطة الحالية لم تعد مأمونة، أما الحالمين بمساحات أوسع من العدل والحرية، أو بممارسة مهنية حقيقية تنقل الحقائق، فلقد صارت الاختيارات أمامهم معروفة إما السجن أو المنع من مزاولة المهنة، بعد أن ضاقت مساحات الممارسة المهنية المتاحة عبر الحجب أو المنع من الكتابة أو السيطرة التامة على الصحافة شراءً أو تخويفًا، بل أن السلطة الحالية انتقلت من مرحلة مصاردة العمل الصحفي أو تأميمه بالكامل لصالحها، إلى مصادرة الكلام تماما، عبر مطاردة من يكتبون على وسائل التواصل الاجتماعي واعتقالهم.
صار الخوف هو الحاكم اذ اخترت مهنة الكتابة، وصار حلم صحفي مثلي هو الابقاء على مساحته الخاصة لنقل الحقائق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تم حجب مئات المواقع، أما أقصى طموحه، هو خلق مساحة بديلة لممارسة الصحافة، حتى لو كان الثمن سنوات في الحبس، فربما وقتها حافظ على مساحة لشاب صغير لازال يحلم بمساحة حرة للفضفضة والتعبير عن نفسه، وحتى لا يخرج يوما جيل قادم يشير لنا، ويقول أننا وقفنا صامتين بينما يصادر نظام ديكتاتوري مهنتنا، أو اننا عجزنا عن حماية مساحة مهنية آمنة لصحفي يبحث عن ربع الحقيقة ليواجه بها طوفان الظلم والطغيان.
تضاءل الحلم وأنا في منتصف العقد الخامس من العمر – 46 عاما – مارست فيها كل أشكال العمل الصحفي، (صحافة ورقية، والكترونية، وتليفزيونية، مرورا بالعمل النقابي)، ودفعت ثمن كل ذلك راضيا، وحالما بمساحات أرحب، وبصحافة على قدر تضحيات الناس والصحفيين، صار الحلم بعد 22 عاما من العمل الصحفي تقلدت فيها جميع المناصب من العمل كمحرر تحت التمرين، وحتى رئاسة التحرير، أو حتى ممنوع من الكتابة، ومحروم من العمل لأني تجاوزت الأسقف – محررا ورئيسا للتحرير-، وانتقلت خلالها من البحث عن مساحة لأمارس مهنتي بحرية، لحد امتلاك وسيلتي الصحفية، التي تتيح لزملائي العمل دون قيود قبل أن يتم حجبها ، لابحث عن أخرى تم حجبها خلال ساعات محدودة.
تضاءل الحلم بعد 22 عامًا دفعت فيه كل أثمان العمل الصحفي “العادية” في بلد ديكتاتوري، لأن أحافظ – مع المدافعين عن حق بلدنا في صحافة حرة – على نتيجة ما لعملنا، علها تبرر لحالم ان يخاطر بممارسة مهنتنا، صار الحلم أن نترك وراءنا مساحات للعمل بعد أن صادرت الديكتاورية كل المساحات المتاحة، أو نعيد فتح مساحة بحجم ثقوب في جدار العتمة والسيطرة، ينفذ منها حالم بممارسة الصحافة وتحافظ على حلمه باستعادة مهنته يوما.
وسط تجارب الحجب والمنع ومحاولة مصادرة ما تبقى من مساحات للكلام سواء عبر قمع طال الجميع أو قوانين يتم إعدادها بليل ويحد القهر من قدرتنا على مواجهتها، ليس أمامنا إلا المحاولة، ما زلت غير قادر على اللجوء لترف الصمت، كنت أنا وزملائي نعد لتجربتنا الجديدة (كاتب) ونحن نؤهل أنفسنا لدفع الثمن، وعيننا على التجربة التالية، وكذلك سبل مواجهة الحجب المتوقع لكنه جاء أسرع مما نتوقع، ورغم الحجب السريع مازال حلمنا أن نساهم – مهما كان الثمن– في ترك ولو ثقب ينفذ منه الهواء لقادم ما، ويدعم ما تبقى من مساحات محدودة للعمل، نستدفأ بزملائنا فيما تبقى من منافذ محدودة للعمل بنصف حرية، ويستدفئون بنا، للحفاظ على مساحة حرة للكلام.
بالأرقام والممارسات تعيش الصحافة المصرية أسوأ فتراتها في ظل الديكتاتورية الحالية، فربما طوال قرنين من الزمان لم يعش الصحفيون المصريون أعوامًا أصعب من التي مرت عليهم خلال السنوات الأربعة الماضية، أعوام هي الأسوأ في تاريخ الصحافة، سواء على مستوى الثمن المدفوع لمقاومة هيمنة سلطة قررت تأميمها بالكامل، والانتقام من العاملين فيها، باعتبارها كانت أحد العوامل الرئيسية في اسقاط رئيسين خلال 3 سنوات على الأقل من وجهة نظر السلطة.
فخلال السنوات الأربع الماضية لم تتوقف الهجمات على الصحافة وحريتها، في صورة حملات متتالية ضد الصحافة والصحفيين، وثقتها تقارير نقابة الصحفيين، وجبهة الدفاع عن الصحفيين والحريات، والمؤسسات الحقوقية، في شكل آلاف من الانتهاكات ضد الحريات الصحفية والإعلامية، تنوعت بين الإعتقال، والتوقيف، والحبس، والتعذيب، والاعتداء على الصحفيين، ومنعهم من ممارسة عملهم، وتكسير معداتهم، ومهاجمة ومداهمة مقرات الصحف، واقتحامها، والمنع من الكتابة، والتوسع في قرارات حظر النشر، ومنع المقالات، وصولا إلى تعطيل طباعة الصحف، بل ومصادرتها تماما، في فضح لعودة ممارسات قديمة، وعودة الرقابة إلى مطابع الصحف مرة أخرى. وواكب ذلك أكبر عدد من المحبوسين والعاطلين في تاريخ المهنة، وجاء العامان الأخيران، ليشهدا استكمال المحاولات الحكومية للسيطرة على الاعلام وتأميمه لصالح النظام الحاكم في صور وأشكال متنوعة، سواء عبر موجات من الهجوم على الصحفيين، ومؤسستهم النقابية أو عبر الهيمنة الكاملة على وسائل الاعلام بالشراء أو التخويف، أو من خلال محاولات إحكام السيطرة على الاعلام، من خلال المجالس والهيئات الحاكمة له، مرورا بأكبر حملة مصادرة في تاريخ الصحافة، من خلال عملية حجب طالت مئات المواقع، والتي تمثل مرحلة اكتمال عملية تأميم الصحافة لتنتقل السلطة بعدها لمرحلة تأميم الكلام عبر اعتقالات ومطاردات وحملات هجوم وتشويه واقصاء مجتمعي طالت كل من يحاول تقديم رأي مختلف .
ظهر ذلك بشكل واضح في تراجع أوضاع الحريات الصحفية في مصر لتحتل موقعها بين أسوأ 20 دولة في العالم، بعد أن احتلت المركز رقم 161 عالميا، في تصنيف حرية الصحافة الصادر عن مؤسسة «مراسلون بلا حدود» للعام الحالي، بينما غاب دور المؤسسة النقابية بالكامل في الدفاع عن المهنة والصحفيين، وفي الوقت الذي تحيي نقابات صحفيي العالم اليوم العالمي لحرية الصحافة بالمطالبة بالإفراج عن الصحفيين المحبوسين في مصر، فإن أمين عام النقابة المصرية اكتفى بتقديم وعود للصحفيين، بأن النقابة بصدد تقديم سلع رمضانية مخفضة للأعضاء من خلال اتفاق مع القوات المسلحة، ووصل الأمر مع طرح قوانين الصحافة والإعلام لأن تعجز النقابة حتى أن تطرح ملاحظاتها على القانون لجمهورها العام أو تصدر بيانا بما رأته من ملاحظات فيما أكتفت ببيانات كلها تتحدث عن ثقتها في من وضعوا مشروع القانون المشبوه وسعيها للتعاون معهم.
ظهرت الحملة على الصحفيين في أعنف تجلياتها من خلال حبس عشرات الصحفيين، واستمرار دورة الحبس دون توقف، فرغم الافراج عن عدد كبير من الصحفيين سواء بتبرئة بعضهم بعد شهور من الاعتقال أو استنفاذ فترات الحبس الإحتياطي عامين كاملين دون توجيه اتهامات، فإن عدد الصحفيين المحبوسين ارتفع لأكثر من 32 صحفيا سواء على ذمة أحكام قضائية أو قيد الحبس الاحتياطي.
ورصد المدافعون على الحريات استمرار موجات القبض حتى وصل عدد الصحفيين الذين تم القبض عليهم خلال 7 شهور لما يقرب من 20 صحفيا، بينهم الزميلين حسام السويفي وأحمد عبد العزيز وتلاهما الزميل أحمد أبوزيد ، كما تم القبض على الزميل معتز ودنان بسبب حوار أجراه مع المستشار هشام جنينة وكذلك الزميل عادل صبري رئيس تحرير موقع مصر العربية المحجوب عقب ترجمة الموقع تقرير حول الانتخابات الرئاسية وصولا إلى الزميلين والمدونيين محمد أكسجين صاحب مدونة أكسجين مصر والمدون وكاتب المقالات وائل عباس فيما انضم للقائمة ثلاثة صحفيين جدد خلال الشهر الأخير فقط هم المصوران محمد أبو زيد واسلام جمعة والزميل إسلام عبد العزيز الذي تم القبض عليه بعد أقل من شهرين من إخلاء سبيله .
يحدث هذا فيما تجاوزت فترات الحبس الاحتياطي دون محاكمة لبعض الصحفيين الفترة القانونية، والمحددة بعامين كاملين، فضلا عن الشكاوى الخاصة بمنع العلاج والزيارة عن عدد كبير منهم، وصولا لحبس 4 صحفيين داخل سجن العقرب شديد الحراسة، ( المعروف بمقبرة المعتقلين) رغم أن بعضهم لا يزال قيد الحبس الاحتياطي، ورغم المطالبات الحقوقية بإغلاق السجن بسبب الأوضاع المأساوية للسجناء داخله ولما يمثله من انتهاك للحق في الحياة. وظهر ذلك جليا في العديد من الحالات منها حالة الزميل هشام جعفر، الذي تجاوزت فترة حبسه احتياطيا أكثر من عامين ونصف، قدمت أسرته خلالها العديد من الشكاوى بسبب منع العلاج عنه تماما، وحرمانه من الزيارة لشهور متواصلة، وامتدت فترة الحبس الاحتياطي للزميل محمود أبو زيد شوكان لأكثر من 4 أعوام و11 شهرًا، ولا يزال ينتظر الحكم في قضيته يوم 28 يوليو الجاري، فيما تمت إحالة الزميل إسماعيل الاسكندراني لمحاكمة عسكرية بعد أن ظل ما يقرب من عامين قيد الحبس الاحتياطي، فيما تضاربت الانباء حول صدور حكم بسجنه 10 سنوات من عدمه.
واستكمالا لعمليات القمع الممنهج للصحافة تم تحويل عشرات الصحفيين للمحاكمات بسبب ممارسة عملهم الصحفي ليصدر حكما بحبس الزميلين عبد الحليم قنديل، رئيس تحرير صوت الأمة، وأحمد حسن الشرقاوي، الموجود خارج مصر، 3 سنوات بتهمة إهانة القضاء لكن الحكم لم ينفذ بحق قنديل، بخلاف إحالة 9 صحفيين دفعة واحدة من المصري اليوم، للنيابة بتهمة إهانة مؤسسات الدولة، بعد نشر تقرير مهني عن الحشد في انتخابات الرئاسة. كما شهدت الفترة الماضية إحالة عدد من الصحفيين لمحاكمات بتهم غريبة منها إهانة رونق القضاة أو إهانة عدد من الهيئات الحكومية.
ولم تقف محاولات استكمال الهيمنة، وإحكام السيطرة على الصحافة والإعلام، عند حد الاعتداءات المباشرة، والحبس والمحاكمات، لكنها امتدت إلى مؤسسات يفترض فيها الدفاع عن الصحافة كالبرلمان، وهو ما ظهر بشكل واضح في قرارات مجلس النواب بمنع الصحفيين من تغطية وقائع بعض الجلسات، ومنع التعامل مع مراسلة صحيفة، أو التحرك لمقاضاة عدد من الصحفيين أو التلويح بذلك، من خلال نصوص قانونية قديمة تخص إهانة المؤسسات، وهي النصوص التي كان رئيس المجلس أحد المطالبين بإلغائها قبل تعيينه عضوا بالبرلمان، ووقت مشاركته في اللجنة الخاصة بوضع تشريعات لمنع الحبس في قضايا النشر، ضمن أعمال اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية والإعلامية التي يجري على قدم وساق اعدام القانون الذي أعدته وإعدام مهنة الكتابة م خلاله.
كما ظهر أيضا في ممارسات المجلس الاعلى للإعلام والهيئات الحاكمة للصحافة، والتي لجأت عبر قرارتها لوضع قواعد غريبة للتغطية المهنية، فضلا عن صدور قرارات بفرض غرامات على صحف دون تحقيق لمجرد أنها قدمت تقارير مهنية، لم ترض السلطة، أو قدمت تقارير مترجمة عن صحف أجنبية بشأن انتخابات الرئاسة. وتواكب مع ذلك استهدتف الصحفيين غير النقابيين سواء عبر التوسع في حبسهم بتهم نشر أخبار كاذبة، أو توجيه اتهامات انتحال صفة صحفي لهم ، دون العودة لنقابة الصحفيين، وفي تجاهل لنصوص القيد في قانون النقابة، والتي تضع شرط ممارسة المهنة كأحد الشروط للحصول على عضويتها، وهو ما يتحتم معه ممارسة العمل الصحفي قبل عضوية النقابة، وكذلك في تجاهل لطبيعة السوق الصحفي والذي يحرم قطاعات واسعة من عضوية النقابة، هم العاملين في المواقع الإلكترونية ، بسبب قصور التشريعات الصحفية المنظمة للمهنة، وهو ما يعظم مخاطر ممارسة المهنة، ويرفع درجة المخاطر أمام من يريدون ممارسة مهنة الصحافة.
وتجلت محاولات فرض الهيمنة من خلال النصوص القانونية المستحدثة، وعدد من القرارات الإدارية، وهو ما ظهر بشكل واضح في قوانين الجريمة الألكترونية وتنظيم الصحافة والإعلام الأخيرة والتي جاءت لتستكمل الهيمنة على الصحافة وفرض الصمت على الجميع، وهو ما ظهر بشكل واضح في محاولة تمريرها وسط جو من الصمت التام وصل لحد إلغاء حلقات من برامج حول القانون، أو صدور تعليمات شفوية داخل الصحف خلال الأسبوع الأخير بمنع تناوله إلا بشكل إيجابي.
تواكب مع هذه المحاولات لتأميم الصحافة والسيطرة عليها، استكمال السلطة لتأميم ما تبقى من المجال العام واغلاقه تماما عبر محاولات مماثلة للسيطرة على النقابات والأحزاب وتهميشها، وكذلك الحملة على المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية، واستهداف الحريات العامة، والمدافعين عن الحريات لنشهد حملة قمع واعتقالات طالت كل الفئات وبتهم واهية. أو عبر قرارات المنع من السفر التي طالت عدد كبير من المدافعين عن الحقوق والحريات، بخلاف صدور قوانين لتقييد حركة المجتمع المدني وحملات أمنية تستهدف تشويههم أو القبض على عدد كبير منهم، كان آخرها القبض على عدد من النشطاء والعاملين في المجتمع المدني.
ورغم حملات القمع الشديدة، لازالت محاولات قطاع كبير من الصحفيين الباحثين عن الحرية، والمدافعين عن الحقوق والحريات، لفضح الانتهاكات، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني، التي لا زالت تناضل جميعها للبقاء رغم تصاعد القمع، وتحركات العديد من المحامين الحقوقيين لمساندة المظلومين، وبعض التجمعات المهنية والتحالفات الحزبية التي تعمل في ظروف صعبة، ثقوب أمل تمكننا من مواصلة الطريق في منطقة أصبح فيها الدفاع عن الحقوق والحريات تهمة، والصحافة جريمة.
أما نحن ورغم القمع، ورغم التدهور المستمر في أوضاع الحريات العامة والصحفية، فلا بديل أمامنا، عن مواصلة العمل لاستعادة حلمنا والدفاع عن الحقوق في هذا البلد الظالم حكامه، مهما ضاقت السبل. نواجه الضغوط بتنويع وسائل العمل، وبدعم وتساند زملائنا وشركائنا في الدفاع عن الصحافة والحقوق والحريات، ونستعين بمنصات التواصل كبديل عن المواقع المحجوبة، ومنعنا من العمل، نحاول رصد ما يجري من انتهاكات بحق مهنتنا، نبحث عن مساحات مناسبة لتأسيس صوت صحفي مهني، ولو لبعض الوقت، نواجه حملات التشويه بفضح الحقائق ونشر أخبار الانتهاكات، نرسل رسائل لزملائنا القادمين أننا مستمرون بهم ومعهم.
وندرك دائما أن محاولتنا القادمة ربما لن تكون الأخيرة، وربما لن تصمد طويلا، وربما ندفع ثمنها، لكنه سيظل ثمنا مقبولا من أجل استعادة أملنا بديمقراطية حقيقية، ووطن أكثر عدلا وحرية، وصحافة حرة تليق بمجتمعنا وبحجم تضحياته أو على الأقل فتح ثقب صغير لمرور الهواء في جدار الديكتاتورية المصمت.