المنظمة : السلطات المصرية ألقت القبض على أكثر من 12 شخصا في حملة ضد الفنانين منذ فبراير الماضي
مراسيم جديدة تحد من حرية التعبير.. وإنشاء مستويات إضافية من الرقابة لإسكات النقد في الشاشات والأفلام والمسارح والكتب
رصدت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير جديد لها هجمة السلطات في مصر ضد الفن وحرية التعبير، وقالت المنظمة في تقريرها إن السلطات المصرية ألقت القبض على أكثر من 12 شخصا في حملة ضد الفنانين، فيما يبدو أنها بسبب ممارستهم لحريتهم في التعبير. كما أصدرت الحكومة مراسيم جديدة تحد بشكل كبير من حرية التعبير. وأنشأت الأجهزة الأمنية والجهات الحكومية المستحدثة مؤخرا مستويات إضافية من الرقابة لإسكات النقد الموجه للحكومة في الشاشات والأفلام والمسارح والكتب.
ورصدت المنظمة العديد من الانتهاكات في هذا الإطار خلال الستة شهور الماضية مشيرة إلى أنه منذ فبراير 2018، اعتقلت السلطات أو حاكمت شاعرا ومغنية شعبية بارزة وكاتبا مسرحيا وراقصة شرقية وممثلين ومنتجي أفلام مصريين عديدين بسبب أعمالهم. واستدعت نيابة أمن الدولة العليا، المشرفة على قضايا الإرهاب، أو النيابة العسكرية، هؤلاء الفنانين للتحقيق، ويواجه بعضهم تهما متصلة بالإرهاب. كما زادت المراسيم الجديدة العوائق أمام الفنانين المستقلين والمنظمات غير الحكومية لتنظيم أحداث فنية عامة، وتوسعت سلطة الرقابة الحكومية الرئيسية بزيادة مكاتبها في جميع أنحاء البلاد.
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يُظهر هوس السلطة بملاحقة الفنانين لمجرد تعبيرهم عن أمور تكرهها زيف ادعاء السيسي أن أولويات إدارته هي ′محاربة الإرهاب′. فالهدف الأساسي لحكومة السيسي اليوم يبدو أنه ترهيب المجتمع المصري بأسره وإخضاعه وإسكاته، بما في ذلك طبقة الفنانين المبدعة في البلاد”.
وقدم التقرير نماذج للهجمة على حرية التعبير في مجال الفن والثقافة، منها قضايا الشاعر أسامة البحيري والمطرب وعازف الجيتار أسامة الهادي والمجرج المسرحي أحمد الجارحي، ومؤمن حسن المتخصص في الأفلام الوثائقية، والمونتير أحمد طارق أرنوب، بخلاف ما تم مع عدد من الفرق كأطفال الشوارع وكذلك غلق مكتبات الكرامة والف والهجمة على دار ميريت، بخلاف غلغاء عروض لكايروكي .
وأبرزت المنظمة إلى حكم المحكمة العسكرية، في 31 يوليو ، على الشاعر جلال البحيري، بالسجن 3 سنوات بتهمة “نشر أخبار كاذبة” وإهانة المؤسسة العسكرية.
وكان البحيري قد تم اعتقاله في 3 مارس الماضي واحتجازه بمعزل عن العالم الخارجي قبل عرضه أمام النيابة في 10 مارس. وقال محاموه إنهم شاهدوا علامات تعذيب شديد عليه. استندت التهم الموجهة إليه إلى كتابه غير المنشور، “خير نسوان الأرض”، والذي اعتبرته السلطات يوجه نقدا وإهانة لقوات الأمن. كما يخضع البحيري للتحقيق في قضية منفصلة أمام محكمة جنايات مدنية بسبب أغنية “بلحة” الساخرة التي كتبها وغنّاها رامي عصام. وصدر أمر توقيف في هذه القضية غيابيا ضد عصام، المقيم خارج مصر. ويواجه الاثنان اتهامات بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015 المسيء “بالانضمام إلى جماعة إرهابية” و”استغلال وسائل التواصل الاجتماعي”.
وفي 25 يوليو ، حكمت محكمة جنح عسكرية على المخرج المسرحي أحمد الجارحي، والكاتب المسرحي وليد عاطف، و4 من زملائهما بالسجن شهرين مع وقف التنفيذ بعد عرض مسرحية عن سليمان خاطر في “نادي الصيد” بالقاهرة خلال فبراير الماضي ، وهو الجندي المصري الذي قتل 7 إسرائيليين، قرب الحدود المصرية الإسرائيلية في سيناء عام 1985.
وقالت وزيرة الثقافة، إيناس عبد الدايم، إن السلطات لم تمنح الإذن بعرضها، وإن الوزارة تحقق في الأمر. وصدر أمر الادعاء العسكري باحتجاز الجارحي وعاطف و4 من زملائهما منذ 6 مارس بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، حسبما أخبر مصدر هيومن رايتس ووتش، لكن المحكمة لم تسمح بتداول الحكم الكامل بعد.
وفي 26 يوليو ، أدان 6 من المقررين الخاصين والخبراء التابعين للأمم المتحدة اعتقال البحيري وزعموا أنه تعرض للتعذيب، وطالبوا الحكومة بإنهاء قمعها للتعبير الفني.
وقالت هيومان رايتس واتش إن الاعتقالات والملاحقات القضائية جاءت بعد خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في 1 مارس قال فيه إن إهانة الجيش أو الشرطة “خيانة عظمى”، وأمر “جميع الجهات الحكومية” بعدم السماح بتلك “الإساءة”. قال إنها “ليست حرية تعبير” من دون تسمية أي حادث محدد.
على الجانب الآخر رصدت هيومان رايتس مجموعة من الأوامر والمراسيم الجديدة التي صدرت مؤخرا، مشيرة إلى ان هذه الأوامر والقرارات استحدثت طبقات رقابة حكومية إضافية. ففي 11 يوليو، أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي المرسوم رقم 1238 لعام 2018، الذي يفرض قيودا شديدة على تنظيم “أي أحداث ثقافية أو فنية… محلية أو دولية، من الحكومة أو جهات غير حكومية”. تلزم المادة 2 من المرسوم جميع منظمي الأحداث بالحصول على “ترخيص مسبق من وزارة الثقافة، بعد التنسيق مع السلطات المختصة في الدولة”.
وفي 12 مارس، أصدرت الوزيرة عبد الدايم مرسوما بإنشاء 8 مكاتب جديدة لـ “هيئة الرقابة على المصنفات الفنية” في 7 محافظات. الهيئة هي وكالة رقابة قديمة، تراجع وتراقب الإنتاج الثقافي، وبخاصة البرامج التلفزيونية والأفلام والعروض المسرحية. قبل القرار، المتخذ في أعقاب الضجة الإعلامية الموالية للحكومة ضد مسرحية “سليمان خاطر”، كان لدى السلطة مكتبان في القاهرة والإسكندرية فقط.
وأشارت المنظمة أيضا إلى “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام”، والذي وصفته بأنه هيئة رقابة إعلامية تأسست في أبريل 2017 ويعين السيسي رئيسه، باعتباره يمتلك سلطة رقابية واسعة، وذلك على خلفية القرارت التي أصدرها المجلس . ولفتت هيومان رايتس إلى أن المجلس أسس “لجنة الدراما” في ديسمبر 2017 للإشراف والرقابة على الأعمال الدرامية التلفزيونية على شبكات التلفزيون المصرية.
وأشارت المنظمة إلى أن القانون الدولي بشأن حرية التعبير يحظر القوانين التي تجرم نقد هيئات الدولة ومؤسسات مثل الجيش أو الشرطة. وقالت ويتسن: “حكومة السيسي تهدم المجتمع الثقافي والفني الغني في مصر وتريد إخضاعه. أنتج الفنانون المصريون أفلاما وأدبا وموسيقى محترمة ومحبوبة في المنطقة العربية وحتى حول العالم”.