المبادىء القضائية تؤكد أن “التأميم لا يتيح للدولة تصفية المشروعات المؤممة أو إنهاء شخصيتها الاعتبارية
“الجهة الإدارية المالكة للمال العام المؤمم ليست شركة وليست تاجرًا” .. من حيثيات أحكام رفض خصخصة غزل شبين وطنطا للكتان وحليج الأقطان
الأحكام: لا يحق للدولة أن تخرج عن الغرض المحدد لنزع الملكية جريًا وراء تحقيق مصلحتها المالية حتى ولو كانت سداد ديون الشركات الخاسرة
تأسست الشركة الشرقية للدخان في 12 يولية 1920، برأس مال بلغ فى ذلك الوقت (25 ألف جنيه)، وكان الغرض منها تأسيس شركة مصرية لصناعة الدخان للدخول فى السوق لتتنافس مع الشركات الأجنبية التى كانت تحتكر هذه الصناعة، وبصعود ونجاح الشركة الشابة استسلمت لها شركات السجائر الأرمينية في مصر حيث اندمجت بداية شركة دخان ماتوسيان المساهمة مع الشركة الشرقية. وبذلت الأخيرة كل وسيلة لاحتواء صناعة الدخان المصرية حتي استسلمت لها عام 1927 مؤسسات : ميلكونيان وجامسراجان وإيبيكيان من الأرمن، وصوصة وماخريديس وباباثوليوجو من اليونانيين، فضلا عن مؤسستي ماسبيرو الإنجليزية وشركة الدخان الإنجليزية الأمريكية، فقد دفعت الشركة لكل مؤسسة قيمة أصولها الثابتة والمنقولة وحافظت علي اسم المؤسسة والماركات التي تنتجها، وعينت صاحب المؤسسة في وظيفة مدير “مدي الحياة”، واشترطت الشركة عليهم ألا يمارسوا أية نشاطات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تتعلق بالدخان تصنيعا وبيعا، ليس في مصر فقط، إنما في السودان وفلسطين وسورية أيضا لمدة خمس سنوات.وجدير بالذكر ان بعض الأرمن قد أسسوا عدة مصانع صغيرة بين عامي 1927-1930 لمنافسة سوق الشركة الشرقية، وبعد التأميم، اندمجت “ماتوسيان” صاحبة سجائر “كليوباترا”، تحت لواء “الشرقية للدخان”، لتصبح حينها الشركة الرائدة للسجائر في مصر، كما أصبح للشركة -فيما بعد- حق التصنيع مع العملاق العالمي -آن ذاك- فيليب موريس لتصنيع ماركات مثل مارلبورو وكينت وغيرها من الماركات المشهورة لفليب موريس.[1]
وفى 8/ 8/ 1963 أصدر جمال عبد الناصر القانون 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت ونصت المادة الأولى منه على تأميم الشركات والمنشآت المبينة بالجدول المرافق لهذا القانون على أن تؤول ملكيتها إلى الدولة، وقد ضم هذا الجدول كل من ( شركة النصر للدخان والسجائر “كوتاريالى”، شركة النصر للدخان والسجائر “البستانى”، شركة النصر للدخان والسجائر “توكوس”، شركة النصر للدخان والسجائر “وتك يمتد”، وشركة سجاير سالونيك) كما ضم الجدول أيضا ( الشركة الشرقية للدخان “إيسترن”).[2]
وفى 14 يونيه 1984 أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار 554 لسنة 1984 بدمج شركة النصر للدخان والسجائر فى الشركة الشرقية للدخان (ايسترن كومبانى) اعتبارا من 1/ 7/ 1984 وتم تكليف وزير الصناعة والثروة المعدنية بتنفيذ القرار وذلك كله بناء بناء على القانون 97 لسنة 1983 فى شأن هيئات القطاع العام وشركاته.[3]
وكل ذلك يطرح سؤال جوهرى: هل يجوز للدولة أن تؤمم أموال أو شركات خاصة من أجل النفع العام، ثم تقوم بعد ذلك ببيع هذه الأموال أو الشركات لآخرين؟
وربما يكون الرجوع للسوابق القضائية المصرية فى شأن موقفها من المال الذي تم تأميمه من مالكه أو الذي تم نزعه منه للمنفعة العامة بالغ الدلالة فى الإجابة على هذا التساؤل فالتأميم أو نزع الملكية لا يكون إلا لغايات قدرتها الدولة إعمالًا للمصلحة العامة، وقامت بتحويل هذا المال من مال خاص لملاكه إلى مال عام عبر نقل ملكية تلك المشاريع أو الأراضي والعقارات للدولة التى تلتزم بإحترام الغرض الذي من أجله تم تأميم هذا المال أو نزعه من صاحبه فالدولة ليست شركة ولا هي بتاجر يسعى لتحقيق المكسب حتى لو كان ذلك بغرض سداد ديونها.
فالمبادىء القضائية تؤكد أن “التأميم لا يتيح للدولة تصفية المشروعات المؤممة أو إنهاء شخصيتها الاعتبارية، وإنما فقط نقل مباشرة ملكية المشروع كليا أو جزئيا للدولة، وفى الحالتين تحتفظ تلك المشروعات بشخصيتها الاعتبارية السابقة واستمرارها في مباشرة نشاطها ويظل نظامها القانوني وذمتها المالية مستقلة عن شخصية الدولة وذمتها المالية”[4] [5]
أما الأموال المنزوع ملكيتها فتتحول إلى أموال عامة، وهذه الأموال طبقا لنص المادة (87) من القانون المدني لا يجوز التصرف فيها، أو الحجز عليها، أو تملكها بالتقادم، وقد أكدت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع أن “الأراضي المنزوع ملكيتها للمنفعة العامة لا تدخل ضمن أصول الشركة، وأن نقل المال العام من جهة إلى أخرى ليس نقلًا لملك يتمكن به المنقول إليه من استغلاله والتصرف فيه، وإنما هو في حقيقته نقل إشراف ورعاية وصيانة وإدارة لمال هو خارج عن مجال التعامل بموجب تخصيصه للنفع العام”[6] .
كما أن كل من إدارة الفتوى لوزارتي الخارجية والعدل، والجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في فتويين لهن بمناسبة طلب الرأي حول مدى جواز مساهمة إحدى المحافظات في تأسيس شركة استثمارية بالمشاركة في رأسمالها بحصة عينية عبارة عن قطعة أرض تمثل جزءًا من مسطح منزوع ملكيته للمنفعة العامة، انتهت إلى (عدم جواز ذلك وعدم جواز السير في إجراءات تسجيل قطعة الأرض على سند من القول بأنه (كان يتعين على المحافظة احترام الغرض الذي نزعت من أجله ملكية العقار وهو إقامة مشروع للإسكان العاجل وعدم مجاوزته بتقديم قطعة الأرض كحصة عينية في إحدى شركات الاستثمار)[7]، وبجلسة الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في 21 يونية 1989 انتهت إلى تأييد الفتوى المشار إليها.
ولهذا كله ذهبت محكمة القضاء الإداري في حيثيات حكمها على خصخصة شركات غزل شبين، وطنطا للكتان، والنيل لحليج الأقطان باعتبارها شركات مؤممة، وكذا شركة المراجل البخارية باعتبارها من الأموال المنزوع ملكيتها للمنفعة العامة إلى:
“الجهة الإدارية المالكة للمال العام المنزوع ملكيته أو المؤمم ليست شركة وليست تاجرًا، ولا يحق لها أن تخرج عن الغرض المحدد لنزع الملكية للمنفعة العامة جريًا وراء تحقيق مصلحتها المالية حتى ولو كانت سداد ديون الشركات التابعة الخاسرة وفق برنامج الخصخصة، فلا يجوز لها السماح بتغيير النشاط الذي تقررت له نزع الملكية للمنفعة العامة أو الذي تقرر تأميمه لغايات محددة أو التصرف في أراضي ومباني الأصول التي تقرر تأميمها أو نزع ملكيتها للمنفعة العامة، فذلك مما يتسم بعدم المشروعية لما فيه من إهدار للضمانات التي حددها الدستور لنزع الملكية والتأميم وانحراف بهاتين الوسيلتين عن الغرض الذي شُرعتا من أجله، ولا يصح في هذا المقام التعلل بالمصلحة العامة الداعية لإتباع أسلوب الخصخصة، إذ ليست هناك مصلحة عامة تتحقق بمخالفة أحكام القانون والدستور، ومن ثم لا يجوز في مجال سياسات الخصخصة أن تكون الأرض المؤممة أو المنزوع ملكيتها للمنفعة العامة المقام عليها المشروع أو مبانيها أو الشركة التابعة المراد خصخصتها وطرحها للبيع محلًا للبيع من الدولة ممثلة في مجلس الوزراء أو وزير الاستثمار أو وزير المالية أو الشركات القابضة إلى المستثمر أو المشتري للشركة أو المشروع، أو محلًا للبيع من جانب المستثمر أو المشتري إلى الغير سواء احتفظ ذلك الغير بنشاط الشركة أو المشروع أو لم يحتفظ بذلك النشاط، فالمال محل التأميم أو المال محل نزع الملكية قد صار في الملكية العامة للدولة، مخصصًا للغرض الذي حدده القانون أو القرار، وليس في القانون ما يجعل للدولة -أيًا من كان يمثلها- أن تخرجها من تلك الملكية إلى الملكية الخاصة للمشتري أو المستثمر أو للشركة الخاصة المشترية، وبالتالي لا يجوز للأموال التي تنزع ملكيتها للمنفعة العامة أو التي تكون محلًا للتأميم بحسبانها من أموال الدولة العامة، أن تكون محلًا للتصرف فيها، أو الحجز عليها، أو تملكها بالتقادم، كما لا يجوز أن تخضع للتسجيل بالشهر العقاري أو السجل العيني أو للرهن أيًا كان نوعه لغير الدولة، ولا يترتب عليها للغير أي من الحقوق العينية التبعية سواء أكان رهنًا رسميًا أو رهنًا حيازيًا أو حق اختصاص أو حق امتياز.”[8]
[1] راجع موقع الشركة على شبكة المعلومات الدولية
[2] راجع الجريدة الرسمية العدد 166 بتاريخ 8/ 8/ 1963
[3] راجع العدد 24 يونيه 1984
[4] راجع حكم المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بجلسة 7 مارس 1992 بالطعن رقم 16 لسنة 9 ق.ع تنازع.
[5] فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، ملف رقم 7/2/275
[1] راجع إدارة الفتوى لوزارتي الخارجية والعدل في فتواها رقم 260 بتاريخ 20 يوليو 1987
[6] راجع الأحكام التالية (الحكم 34517 و40848 لسنة 65 ق ببطلان خصخصة غزل شبين الصادر في 21 سبتمبر 2011 والمؤيد بحكم الإدارية العليا 1834 و2678 لسنة 58 ق عليا جلسة 21 يناير 2013.
والحكم 40510 لسنة 56 ق ببطلان خصخصة شركة المراجل البخارية والصادر في 21 سبتمبر 2011 والمؤيد بأحكام المحكمة الإدارية العليا أرقام 1976، 2677، 2688، 2699 لسنة 58 ق ع الصادر في 17 ديسمبر 2012.
[7]والحكم 34248 لسنة 65 ق ببطلان خصخصة شركة طنطا للكتان والصادر بجلسة 21 سبتمبر 2011 والمؤيد من الإدارية العليا بالأحكام أرقام 196، 1977، 2679، 2541 لسنة 58 ق ع الصادرين في 15 أبريل 2013.
[8] والحكم 37542 لسنة 65 ق ببطلان خصخصة شركة النيل لحليج الأقطان والصادر بجلسة 17 ديسمبر 2011، والمؤيد بأحكام الإدارية العليا أرقام 8259، 8735، 8763، 8816، 8263، 8762، 8808، 8818 لسنة 58 ق ع والصادر بجلسة 29/ 9/2013)[1] المكتب الفني س 5، الجزء 1، الصفحة 431