“الإنسانة التي تبكي برقة عندما ترى ضعيفا يحتاج المساعدة، والشجاعة بشراسة عندما ترى وحوشًا تسعى لالتهام الضحايا»، هكذا وصف المهندس سعيد أبو طالب زوجته المناضلة منى مينا.
اختارت منى مينا- التي تحتفل بعيد ميلادها هذه الأيام- أن تنحاز من البداية للدفاع عن حقوق الأطباء والمرضى، فدفاعها عن حقوق الأطباء لم يمنعها من أن تطالب طوال الوقت بتحسين منظومة الصحة في مصر، وتقديم خدمة يرضى عنها الناس.
ولدت طبيبة الأطفال في 26 يونيو عام 1958، وتخرجت في كلية الطب جامعة عين شمس عام 1983، وحصلت على دبلوم الدراسات العليا في طب الأطفال عام 1990.
كانت منى مينا- أحد أبرز مؤسسي أطباء بلا حقوق قبل ثورة 25 يناير- أول سيدة في تاريخ النقابة تفوز بمنصب الأمين العام.
أعلنت منذ أسابيع استقالتها من منصب وكيل نقابة الأطباء، وأكدت في بيان لها: «عندما يصل التعسف والاستهتار بالقانون لعدم تنفيذ حكم بدل العدوى واجب النفاذ من نوفمبر 2015 وبأثر رجعى منذ أبريل 2014 ليظل الطبيب الشاب يتقاضى بدل عدوى 19 جنيها حتى يومنا هذا، وعندما يصل التعسف لعدم تنفيذ نص واضح في قانون 14، يلزم جهة العمل برسوم الدراسات العليا التي تتضاعف سنويا، وعندما تصدر يوميا القرارات الوزارية التي تخالف القانون بشكل فاضح، تحت شعار على المتضرر اللجوء للقضاء».
وأضافت: «وعندما تقر قوانين ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، مثل قانون التأمن الصحي وقانون التجارب السريرية وقرارات هيئة التدريب الإلزامي المتعسفة، لتستبيح المواطن المصري، ومستشفياته، وأطباءه دون أن نستطيع إيقافها، أو حتى تعديلها لتقليل أثارها الخطيرة، فقد أصبح وجودنا في صدارة نقابة الأطباء مجرد ديكور لن نقبل أن نستمر فيه بلا معنى».
لم تخذل الأطباء في أي من أزماتهم فوقفت تدافع بقوة عن أطباء المطرية بعد اعتداء أمين شرطة عليهم حتى أحيلت القضية للنقابة، وتم الدعوة لأكبر حشد في تاريخ النقابة بعنوان «عمومية الكرامة»، كما دافعت بشدة عن طبيب الشرقية المحبوس وغير من الأطباء في مواقف متباينة.
حددت منى مينا موقعها منذ البداية على يسار السلطة لتطالب بحق المريض والطبيب معًا، فلم يكن غريبًا أن ترفض منصبًا وزاريًا في حكومة الدكتور كمال الجنزوري، عقب ثورة «25 يناير»، وأن تفضل الإقامة بمستشفى ميداني بعد أيام لخدمة المعتصمين بشارع مجلس الشعب، من الرافضين لحكومة «الجنزوري»، وقفت الطبيبة ذات الصوت المميز والابتسامة الدائمة، لتهاجم محافظ الجيزة، لأنه قال لطبيب شاب «شيل ايدك من جيبك» واعتبرت أن ذلك إهانة للطبيب الشاب، وغيرها من المواقف التي جعلها لا تسلم من هجوم بعض المسؤولين وأعوانهم.
أسست مع بعض زملائها حركة «أطباء بلا حقوق» للمطالبة بحقوق الأطباء، وهي الحركة التي شكلت نواة تيار الاستقلال الذي اكتسح الإخوان في انتخابات النقابة.
مع تسلم الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة الجديدة مهام منصبها في التشكيل الوزاري الأخير أرسلت لها منى مينا خطابًا طالبتها فيه بحل مشكلة تأخر حركة نيابات مارس 2018، وحل مشكلة الأطباء المتقدمين لدراسة «البورد المصري»، وحل مشكلة إطلاق لقب أخصائي على خريجي كليات العلوم الصحية، وغير ذلك من طالب تخدم قضية الصحة في مصر.
اعترضت على قانون التأمين الصحي، وقالت إنه مدخل لاستيلاء القطاع الخاص على المستشفيات الحكومية، مثلما عارضت تحرير سعر الدواء، ووصفته بأنه قتل للمرضى غير القادرين مثل تركهم بدون دواء.
هاجمت منى مينا سياسات الدكتور حاتم الجبلي، وزير الصحة في عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ووقفت ضد سياسات الخصخصة، ونادت بزيادة ميزانية وزارة الصحة، لم تغير خطابها بعدما انتقلت من صفوف المعارضين للسياسات الصحية لعضوة منتخبة بالنقابة.
كانت من أوائل الأطباء الذين أقاموا مستشفى ميداني بالتحرير لعلاج المصابين أثناء ثورة 25 يناير، وبعد الثورة قادت مسيرات الأطباء للتحرير في فاعليات عديدة، وفي أزمة اقتحام الشرطة لنقابة الصحفيين منذ عامين ذهبت الطبية الثائرة مع وفد من الأطباء للتضامن مع الصحفيين قبل أن تحتجزها الشرطة في أحد الشوارع المؤدية للنقابة.
تقدمت منى مينا عدة مسيرات لوزارة الصحة ومجلس الوزراء في عهد الرؤساء والمسؤولين في مختلف العهود، للمطالبة برفع ميزانية الصحة، وحل مشكلة الاعتداء على المستشفيات، وإقرار كادر الأطباء.
شاركت «منى» في إضرابات الأطباء في مايو 2011، وأكتوبر 2012، و2014 للمطالبة بتحسين الأجور، وتأمين المستشفيات، ورفع ميزانية الصحة، وحل مشكلة الاعتداء على المستشفيات.
طالبت برفع ميزانية الصحة، مؤكدة أن رفع الميزانية سيعمل على تحسين منظومة الصحة بالكامل، وأن الأطباء ليسوا في عداء مع المرضى، وأن مستشفيات الوزارة «خربات للموت»، كما وقعت على استقالة مسببة من وزارة الصحة ضمن حملة جمع توقيعات للاستقالة كوسيلة ضغط للاستجابة لمطالب الأطباء.
هاجمها بعض المسؤولين بوزارة الصحة وعدد من الإعلاميين المحسوبين على النظام بعد تصريح لبرنامج «مانشيت» قالت فيه إن بعض المستشفيات تستخدم «السرنجات» أكثر من مرة، وهو التصريح الذي جعلها تمثل للتحقيق أمام النيابة.
وردت الطبيبة على الحملة ضدها بقولها: «الجملة حُرفت ونقلت خطأ، أنا لم أقل استخدام السرنجة لأكثر من مريض، أنا قلت إن الأزمة تدفع بعض المستشفيات أن تعطى أوامر شفوية باستخدام المستلزمات الطبية أكثر من مرة لنفس المريض».
وتضيف: «القضية المفتعلة، باختصار هى جملتان وسط حديث طويل لمدة ربع ساعة فى مداخلة تليفونية فى برنامج مانشيت عن المشكلة التى تعانى منها مصر كلها والخاصة بنقص الأدوية والمستلزمات الطبية والمحاليل والسرنجات وأجهزة نقل المحاليل ومعدات القساطر، والحديث كان مليئا بالأمل وتحديد أسباب الأزمة ومقترحات الحل، تم تجاهل كل الحديث والتركيز على جملة نقلت خطأ وحُرفت».
وقالت «منى»: «القضية الحقيقية هي كارثة عجز الأدوية والمستلزمات، والنداء بتحرير سعر الدواء والمستلزمات على أنه الحل الوحيد كارثة أكبر».
رحلة منى مينا في الدفاع عن حق المصريين في العلاج وحق الأطباء في الأجور مازالت مستمرة، لإيمانها أن رسالتها مستمرة رغم الهجوم والتشكيك.
يؤكد زوجها: «منى إنسانة بمعنى الكلمة، وشجاعة إلى أقصى مدى ممكن، لا يحد هذه الشجاعة إلا خوفها على من حولها».