- “كريستين لاجارد”
في نهاية ثمانينات القرن الماضي إشتري الملياردير الفرنسي “بيرنار تابي” شركة “أديداس” بمبلغ 1.6 مليار فرنك فرنسي كان قد إقترضها من بنك “كريدي ليونيه”، و لما تعثر “تابي” في السداد تم الإتفاق علي تحويل قرض البنك إلي أسهم ليتخارج “تابي” من ملكية الشركة و يحل البنك مكانه مالكاً لرأس المال علي أن يقوم البنك ببيع تلك الملكية لاحقاً و هو ما حدث بالفعل إذ باعها البنك في 1993 بمبلغ 4.5 مليار فرنك فرنسي بأرباح قدرها 2.9 مليار فرنك (لم يكن اليورو قد صار عملة التداول الأوروبية بعد). تَمُرُ الأيام و يعلن البنك إفلاسه لتقوم هيئة عامة تابعة للدولة بمهمة إدارته. في 2008 حين كانت السيدة “لاجارد” تتولي منصب وزير المالية في عهد “نيكولا ساركوزي”، يتحرك “تابي” و يرفع دعوي قضائية يطالب بموجبها بنصيب من أرباح البيع لتقوم السيدة “لاجارد” بما لها من صلاحيات بتعيين لجنة تحكيم خاصة -بدلاً من المضي في إجراءات التقاضي- لحل المشكلة و لتقضي تلك اللجنة بسداد مبلغ 404 مليون يورو علي سبيل التعويض للملياردير “تابي” الذي كان داعماً أساسياً “لساركوزي” في حملته الإنتخابية. أصدرت محكمة فرنسية حكمها علي السيدة “لاجارد” بتهمة الإهمال، فطعنت علي هذا الحكم لتصدر محكمة النقض حكماً مؤيداً للحكم السابق بضرورة مثولها أمام القضاء مُتَهمَةٌ بالإهمال في أداء واجباتها خاصة و أن لجنة التحكيم التي عينتها كانت تضم أصدقاءاً للملياردير “تابي” كان علي رأسهم السيد “ستيفان ريشار” مدير مكتبها وقت أن كانت وزيرة للمالية. حكمت محكمة عدل الجمهورية في نهاية 2016 بإدانة السيدة “لاجارد” لكنها أعفتها من تنفيذ العقوبة. مازالت السيدة “لاجارد” -المتهمة في بلادها بالإهمال و إهدار المال العام- تشغل منذ ثمانية أعوام -خلفاً لمواطنها “دومينيك ستروس”- منصبها الرفيع و مازال إقتصاديونا يؤمَرون فيطيعون.
- “دومينيك ستروس”
مايو 2011..يجلس الصيد الثمين بأحد مقاعد الدرجة الأولي في طائرة إيرفرانس المغادرة من مطار جي إف كي-نويورك إلي باريس يحتسي كأساً من الشمبانيا في إنتظار الإقلاع..المتبقي من الزمن ليس سوي عشر دقائق فقط..يدخل رجال الشرطة الطائرة ليقتادوا الرجل للتحقيق بتهمة التحرش الجنسي و محاولة الإغتصاب و الإحتجاز غير القانوني بحق عاملة نظافة أمريكية من أصل غينيي بفندق “سوفيتيل” بنويورك حيث كان يقيم. أسقطت السلطات التهم عن “ستروس” لكن عاملة النظافة كانت قد لاحقته مُطاردَة إياه بدعوي مدنية آلت في النهاية إلي قيامه بدفع 1.5 مليون دولار كتسوية نهائية ليدخل الرجل بعدها في سلسلة أخري من الملاحقات بتهم شبيهة بعدما كان قد إستقال من منصبه الرفيع، ففي فبراير 2012 مَثُلَ الرجل للتحقيق بمدينة ليل-شمال فرنسا بتهمة التواطؤ في قضية دعارة و الإستفادة من أموال مختَلَسَة و هي ما عُرفت باسم قضية فندق “كارلتون”. و علي الرغم من أنه قد تمت تبرئته من قضية “كارلتون”، إلا أن الرجل كان قد أصبح تحت دائرة الضوء في مسألة هي الأشهي للصحافة فإنتهي أمره و إنهار حلمه السياسي تماماً بين مصائد فندقية، فَما بين “سوفيتيل” و “كارلتون” سقط الإقتصادي العجوز غير مأسوفٍ عليه بينما كان في يوم من الأيام ملء السمع و البصر يتحكم في أقوات الشعوب الفقيرة التي أذلتها مؤسسته فزادتها فقراً و أحالت حياتها جحيماً. و لعل القدر قد أراد لعاملة النظافة الأمريكية من أصل غيني أن تثأر -من خلال فضحها له- لأهلها الأفارقة الذين عانوا الأمرين علي يديه غير الكريمتين. أتي “ستروس” في نوفمبر 2007 خلفاً “لرودريجو راتو” و ذهب في مايو 2011.
- “رودريجو راتو”
في بداية 2017 قضت محكمة إسبانية بالسجن لأربع سنوات و نصف علي الرجل الذي شغل منصب وزير الإقتصاد و نائب رئيس الحكومة في الفترة ما بين 1996 حتي 2004 ليغادر بعدها عابراً الأطلنطي مديراً للصندوق في الفترة من 2004 حتي 2007 ثم في 2009 ينضم إلي “بنك كاخا مدريد” رئيساً لمجلس إدارته ليندمج “كاخا مدريد” بعد ذلك بسنة واحدة فقط مع ستة بنوك أخري (بانكاخا، و لاكاخا دي كانارياس، و كاخا دي أفيلا، و كايسكا لايتانا، و كاخا سيجوفيا، و كاخا ريوخا) تحت إسم “بانكيا” الذي ما لبث إلا و قد مر بأزمة مالية نتجت عنها خسائر ضخمة إضطرت الدولة علي إثرها للتدخل بتأميمه جزئياً أو كما يقول كبيرنا الذي علمنا الدكتور سمير أمين :”الرأسمالية تخصص الأرباح و تُعمم الخسائر”. وُجِهَت إلي “راتو” تُهَم عديدة كان من ضمنها تورطه في عمليات غسيل أموال و تهرب ضريبي بخلاف قيامه و آخرين بإستخدام بطاقات إئتمان تخص البنك في إقتناء مشتريات شخصية.
هي إذن أربعة عشر عاماً كاملة (2004-2018) لم ينجُ فيها أي ممن شغلوا منصب مدير أكبر مؤسسات المال العالمية من تُهم فساد إداري أو أخلاقي أو مالي ربما كانت في ذاتها -التُهَم- أحد أهم مسوغات شغلِهِ لهذا المنصب و ما خَفيَ كان أعظم و أشد إنحطاطاً. أربعة عشر عاماً كاملة من عُمر الآمر الناهي الحاكم المتحكم في المال العالمي -الذي مازال يعطينا دروساً في حلول المشكلات و الحكم الرشيد- لم تحمل للشعوب الفقيرة سوي الخراب المجتمعي و الدمار الإقتصادي و مازلنا نحن ننصت فنُطيعُ كالمسحورين المُساقين لمصير حالك الظُلمة علي مَذبح الديون و فوضي التجارة و إنهيارات الأسواق.